البيروقراطية والمشاكل الإدارية في الأردن / د. حسين عمر توقه

د. حسين عمر توقة ( الأردن ) – الأحد 20/10/2019 م …



أرجو من أصحاب القرار قراءة هذا المقال لأنه وصل إليهم وإلى القارىء من خلال المواقع الإعلامية وليس من خلال الصحافة الرسمية التي رفضت نشره .

إن كل دولة من الدول مهما بلغت من التقدم والرقي لا بد وأن تعاني من قريب أو بعيد من المشاكل الإدارية فهذه
المشاكل موجودة طالما وُجدت هناك دول وحكومات . وإن التسارع الحالي لهذه المشاكل الإدارية هو وليد التطور التكنولوجي وسياسة العولمة وصراع المصالح التي فرضتها الدول العظمى وبالذات الولايات المتحدة فساهمت في خلق معايير جديدة في المجتمعات وفي قلب الموازيين الإجتماعية والإنسانية في العالم .

ونحن في الأردن كغيرنا من الدول نعاني من المشاكل ونجهد كي نتخلص منها أو على الأقل التقليل من أخطارها وآثارها ومحاولة الحد منها. تماما كما هو الحال الإقتصادي الحالي نتيجة الإنهيارات الإقتصادية في المؤسسات الكبرى في الولايات المتحدة وصراع المصالح مع روسيا والصين وانعكاساتها على العالم العربي ونتيجة للتغيرات
السياسية ولعظم الأزمات الناجمة عن الحرب الرابعة او حرب الإنابة وما سمي ظلما وبهتانا تحت مسمى الربيع العربي .

وألى تجذر الصراع القائم بين كل من المعسكر الشيعي الذي فرض نفسه وتأثيره على كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان وبين المعسكر السني الذي يبحث عن ملاذ آمن في شراكات إستراتيجية مبهمة غير معروفة التفاصيل والنتائج .

وقبل أن نستعرض بالبحث هذه المشاكل الإدارية يجدر بي أن أوضح للقارىء بأن هناك بعض المصطلحات والكلمات التي فقدت الكثير من معانيها وتضاربت مدلولاتها وترددت على الألسن حتى أصبح استعمالها في مناسبة أو بدون مناسبة وبفهم أو بدون فهم . ومن جملة هذه الكلمات أطلت علينا (البيروقراطية) فتحذلق بها كل من سمع عنها ومن لم يسمع .

في القرن الثامن عشر كانت المكاتب الحكومية تُغطى بقطعة من القماش المخملي الداكن اللون وفي عام 1745 قام الوزير الفرنسي ” فنسنت دي جورني” باستعمال كلمة البيروقراطية للدلالة على رجال الحكومة الذين يجلسون خلف هذه المكاتب الحكومية ويمسكون بأيديهم بالسلطة.

ولقد تم تطوير مفهوم البيروقراطية من قبل عالم الإجتماع الألماني ماكس فيبر MAX WEBER باعتبارها نظاما اجتماعيا مثالياً. ووضع الأسس التالية والتي يرتكز عليها هذا النظام

1: تسلسل قيادي في الوظائف

2: الإعتماد على نظام للتخصص في العمل واختيار الموظفين بناء على مبدأ الكفاءة والجدارة

3: وضع القوانين والأنظمة الرسمية التي يجب اتباعها مع تحديد مهام وواجبات كل وظيفة من وظائف الدولة

4: الاحتفاظ بمراجع وقيود وسجلات وتقارير مكتوبة

5: التعامل بكل تجرد عن المصالح الشخصية والمنفعة الذاتية ووضع الإخلاص في العمل وتأدية الواجب فوق
الاعتبارات الشخصية

6: الاعتماد على الكفاءة والإخلاص في العمل والمحافظة على ممتلكات الدولة

وفي عام 1960 قام روبرت بندكس ROBERT BENDIX بالتأكيد على أن البيروقراطية قد تم تطويرها من قبل الحركات التي تنادي بالديمقراطية والمساواة بين الجميع أمام القانون لا سيما في تنفيذ قرارات الدولة
واليوم يستعمل معظم الناس هذه الكلمة بعد أن جردوها من مفهومها الحقيقي للإشارة الى التأخير في إجراء المعاملات والتعقيد والمماطلة والى الجمود والركود والبعد عن التطوير.

إن كل النظم الإدارية في العالم تواجه الكثير من المشاكل الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والأردن كغيره من الدول يعاني من هذه المشاكل ولا بد عند التطرق اليها ومناقشتها أن نراعي النقاط التالية والتي تمثل واقع القوى والحقائق للبيئة الإدارية في الأردن .

1: إن الأردن دولة حديثة في عمر الزمن وهي بالمقابل حديثة في دستورها ووجودها السياسي ونظامها الإداري

2: إن خضوع هذه المنطقة للحكم العثماني لقرون عدة قد أثر على الأمة العربية. كما أن وقوع هذه المنطقة ضحية للاستعمار الحديث وما صاحب تاريخ هذه المنطقة من حركة التحرر الوطني ونضال في سبيل الاستقلال وما ترتب على الأردن بعد نيل الاستقلال من أعباء وواجبات وحروب . والعلاقات العربية- العربية الثورية منها والمعتدلة .

3: إن القانون الأردني يستند في أساسه على الدين الإسلامي بالدرجة الأولى وبالتالي على القوانين الدولية المأخوذة من الحضارات الغربية بالإضافة الى وجود قانون فريد من نوعه هو قانون العشائر وهناك أكثر من رأي وأكثر من اتجاه بشأنه .

4:العلاقة القائمة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وما يمثله مجلس الأمة الأردني بأعيانه ونوابه من روح الديمقراطية وعلاقته بالحكومات المتعاقبة ضمن النص وروح الدستور.

5:البيئة الأردنية والمجتمع الأردني المكون من أهل المدن وأهل القرى والريف وأهل البادية فبالرغم من تجانس وتقارب القيم الاجتماعية والدينية والعادات والتقاليد ومحاولة الحكومة المستمرة في التقليل من هذه الفروق بين المجتمعات عن طريق التعليم وشبكات الطرق والمشاريع المختلفة من توطين واستصلاح الأراضي فلا زال كل من هذه المجتمعات يتميز بخصائص وطبائع وعلاقات متغايرة .

6: إن الأردن قد مر بأزمات وهزات إجتماعية وإقتصادية وسياسية حادة نتيجة الحرب العربية الاسرائيلية وما صاحبها من هجرات سكانية عام 1948 وعام 1967 والحرب الأهلية اللبنانية عام 1974 وقيام إسرائيل بغزو لبنان عام 1982 وعام 1990 نتجية قيام العراق بإحتلال الكويت وتدفق أكثر من مليون وسبعمائة ألف مهاجر “أكثر من مليون مهاجر منهم من الفلسطينيين ” يالإضافة إلى آثار العدوان الأمريكي وإحتلال العراق عام 2003 ونزوح مئات الآلاف من العراقيين إلى الأردن كما أن امتداد الربيع العربي وحرب الإنابة إلى سوريا ووقوع الحرب الأهلية التي أدت إلى نزوح ملايين من اللاجئين السوريين إلى الأردن .

ولا يفوتنا هنا أن نؤكد إن استمرار وجود اسرائيل كقوة عسكرية محتلة وعدم التوصل الى حل للقضية الفلسطينية قد وضع الأردن في موقف لا يحسد عليه لا سيما وأن آثار الخلافات القائمة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس قد انعكس بشكل سلبي ليس على الأردن فحسب بل على كل الدول العربية المجاورة وعلى القضية الفلسطينية بالذات .

7: إثر إقرار الوحدة بين الضفة الشرقية والضفة الغربية تم تعديل الدستور ليتلاءم مع المتطلبات الجديدة للمملكة الأردنية الهاشمية لتضم ممثلين عن الضفة الغربية والضفة الشرقية ولقد شهدت أعوام 1950 لغاية 1966 أكبر نسبة لحل المجالس النيابية نتيجة عدم التعاون بينها وبين السلطة التنفيذية.

كما أن خضوع الأردن الى قرارات مؤتمر القمة العربية عام 1974 قد أثر على المجتمع الأردني وأجبره على اتخاذ قرارات دستورية جراء التزامه بالإعتراف بمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وانعكست هذه القرارات على الفلسطينيين في الضفة الغربية وأثرت على مطالبة الأردن في إعادة الضفة الغربية كما أثرت على الكثير من القوانين وبالذات قانون الجنسية لاسيما وأن المنظمة قد طالبت الفلسطينيين التجنس بالجنسية الفلسطينية.

إن الأردن قد تعرض الى هزات اقتصادية واجتماعية نتيجة احتلال الكويت من قبل القوات العراقية ونزوح أكثر من مليون فلسطيني الى الأردن بالإضافة الى نزوح ما لايقل عن مليون ونصف عامل عربي وأجنبي من خلال الأردن وإعادة تهجيرهم .

كما أن تعرض العراق الى حربين متتاليتين كانت نتائجها القضاء على نظام الرئيس العراقي صدام حسين وهجرة مئات الآلاف من الشعب العراقي الى الأردن باعتباره محطة نزوح الى عالم آخر أو مكان للاستيطان المؤقت. ولا ننسى أن امتداد الربيع العربي إلى سوريا وإندلاع الحرب الأهلية قد ساهم في تهجير ما يقارب ثلاثة ملايين لاجىء ثلثهم فقط قد تم تسجيلهم لدى الأمم المتحدة كلاجئين .

فمن يصدق أن تعداد السكان في الأردن قد تضاعف ثلاثة أضعاف خلال عقد من الزمان فقد إرتفع تعداد السكان من ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة ليبلغ الآن عشرة ملايين ونصف المليون نسمة .

8: تدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد الأعباء الهائلة والضائقة المالية وعدم القدرة على تحمل تبعات ونتائج توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية وتوقف الدعم العربي للأردن والتقليل من الدعم الأوروبي يصحبه ارتفاع نفقات تحديث القوات المسلحة وشح الموارد الاقتصادية وارتفاع أسعار البترول في العالم وتعرض العالم الى هزات اقتصادية قد وضعت النظام الإداري الأردني في دائرة مفرغة أدت الى الاعتماد على القروض الخارجية والمساعدات الأجنبية في محاولة تحقيق اكتمال ونمو القدرة الذاتية للأردن . وإن متطلبات الأمن والإستقرار في ظل عالم عربي يحترق من حولنا جعل الأمن القومي الشغل الشاغل لإستقرار النظام .

المشاكل الإدارية:

إن الهدف من التعرف على المشاكل الإدارية في الأردن هو محاولة حصرها والتعرف عليها ودراستها وتحليلها وبالتالي البحث عن حلول لها.

كلنا يعرف أن أي مؤسسة حكومية أو اجتماعية تعتمد على عنصرين أساسيين في نجاحها الأول هو العنصر البشري والثاني هو الموارد المادية وإن عملية التوفيق بين هذين العنصرين هو ضرورة أساسية لنجاح العملية الإدارية في كل المستويات . وبالرغم من صعوبة حصر واستعراض كافة المشاكل الإدارية إلا أننا سنحاول التركيز على أكثرها بروزاً ووضوحاً.

1: مشكلة الديمقراطية العربية وحكوماتها:

لو قرأنا أسماء الدول ولو سألنا رؤساء حكومات هذه الدول عن نظام الحكم في كل منها لوجدنا أن القاسم المشترك الأعظم لهذه التسميات وإجابات المسؤولين أن هذه الدول مهما اختلفت في أنظمة الحكم الخاصة بها ملكية أو جمهورية رأسمالية أو اشتراكية كلها تصف نفسها بالديمقراطية .

والمعنى السائد للديمقراطية بأبسط معانيه وأشكاله هو حكم الشعب أو حكم الأغلبية فبعض هذه الدول يعبر عن هذه الديقراطية بتعدد الأحزاب ونظام الانتخابات والبعض الآخر يعبر عنها بالبرلمان وانتخاب أعضائه. ونحن في الأمة العربية لدينا النظام الجمهوري والنظام الملكي والأميري والثوري والمحافظ ولدينا البرلمانات ومجالس الشعب واللجان الشعبية ومجالس الشورى. وبالطبع فإن هناك قناعات عامة وقناعات شخصية وأن هذه القناعات تتفاوت من شخص لآخر ومن هيئة لأخرى. فبعضها يدعي أن السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة خاضعة في الظاهر الى البرلمان إلا أنها في الواقع تمتلك مطلق الصلاحية في اتخاذ القرارات ومنها من ينادي بالسماح بتأسيس الأحزاب السياسية أو اللجان الشعبية. ومهما تعددت الآراء فإن الغالبية العظمى لديها قناعات ثابتة أن الحكومات العربية لا زالت بعيدة عن ممارسة الديمقراطية الحقة بالرغم من الدساتير المنمقة والانتخابات التي تحمل شعارات النزاهة والشفافية والتشريعات العظيمة التي تضاهي أرقى بلاد العالم في تحقيق حقوق المواطن والإنسان.

2: مشكلة الكفاءة والجدارة والمؤهلات العلمية والخبرة العملية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب:
لو عدنا الى القوانين والأنظمة المتبعة في أجهزة الدولة والقائلة بأن تعيين أي موظف في الدولة أو في أي وظيفة حكومية يجب أن يتم من خلال الخبرة العملية وحسب الكفاءات الأعلى . كما أننا لو عدنا الى نظام الترقية والترفيع الذي ينص بكل وضوح الى الاعتماد على مبدأ الكفاءة والأقدمية وحسن السولك وتنفيذ المهام الموكولة الى الموظف بكل أمانة وصدق وإخلاص.

واليوم لو طرحنا العاطفة جانباً وحاولنا تطبيق لوائح القوانين والأنظمة الواجب العمل بها فهل يمكن وضع حد للمحسوبية والواسطة والمحاباة. أم أن هناك عجزاً إداريا واضحاً في مجابهة هذه الظاهرة. ولو سألنا أنفسنا عن عدد الموظفين الذين يستحقون الجلوس في مناصبهم أو عدد الذين يشعرون بالظلم فإن الجواب على مثل هذا السؤال يوضح نجاح أو فشل النظام الإداري في الدولة. كما أن العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تفرض تركيبة معينة في النظام الوظيفي للدولة تؤدي الى هدر الكثير من الكفاءات والطاقات التي تبحث عن مصدر رزق خارج الأوطان أو شل هذه الطاقات وتجميدها ودفعها الى البحث عن وسائل غير مشروعة لتأمين العيش

وإن أخطر ما يمكن أن نواجهه في العالم العربي هو ظاهرة تسييس الوظائف أي أن يجلب كل رئيس حكومة جديدة سيلاً من المحسوبين وتعيينهم في في أعلى المناصب الإدارية وإقالة أو إحالة الموظفين الأكفاء والشرفاء المخلصين للوطن الغير محسوبين على أحد ولم يتبعوا أجندة أحد. ومن هنا يبدأ الإخلاص لأشخاص بدل الإخلاص للدين والنظام والوطن. ومما لا شك فيه أن هؤلاء المحاسيب الذين أصبحوا في مراكز عالية يدركون أن هذه هي فرصتهم في تأمين حياتهم ومستقبلهم وهم في معظمهم يحمل شعار السرقة من المال العام حلال ولا بد لهم من استغلال مواقعم الجديدة إما بالإثراء السريع أو الفساد الإداري.

كما أن تدخل بعض الأجهزة الأمنية في فرض عملاء لهم وإنجاحهم في الانتخابات النيابية أو تعيينهم في أعلى الوظائف الرسمية هي ظاهرة بحاجة الى الدراسة والتمحيص. فهناك عشرات من الذين أصبحوا وزراء لا زالوا يعينون في وظائف عالية في شركات تعود ملكيتها الى الحكومة أو هي شركات شبه حكومية. وهناك رؤساء وزراء لا زالوا يشغلون مناصب كبرى أو رؤساء مجالس إدارات شركات تجارية كبيرة أو رؤساء مجالس لعدد كبير من الجامعات كما أن الكثير من المناصب أشبه ما يكون بالمتوارث. وهنا نعود أيضا الى العشائرية فلا بد لوجود ممثل عن كل عشيرة أو وزير لكل مدينة أو محافظة وهناك ما يشبه الكوتات الاجتماعية في الوزارات والوظائف الحكومية

3: مشكلة تأمين الحاجات الأساسية:

إن حب البقاء والإنتماء والإرتباط بالعائلة والإكتفاء الذاتي والأمن الشخصي والجماعي والمحافظة على الكرامة الانسانية وتأمين لقمة العيش بكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي هي بلا شك مطالب أساسية لكل إنسان على وجه هذه البسيطة. كما أن إرتفاع مستوى المعيشة وغلاء الأسعار يقابله الراتب الضئيل وشح الموارد ونقص الأموال وسؤ الحالة الاقتصادية وعدم توفر فرص العمل وقلة المشاريع الصناعية وازدياد نسبة السكان وتدهور الأوضاع الاجتماعية نتيجة الحروب التي خاضتها الدول العربية أو فُرضت عليها وظروف الاحتلال المقيت ونزوح أعداد كبيرة من الشعب الفلسطيني من أماكن عملهم وتعرض الضفة الغربية وغزة الى هجمات عسكرية عملت على ترويع المدنيين وقتلهم وإن توطين أكثر من مليون يهودي في أكثر من 500 مستعمرة يهودية في الضفة الغربية قد خلق واقعا ديمغرافيا جديدا يمهد بثبات إلى التمهيد لضم الضفة الغربية وإعلان حدود جديدة على ضفاف نهر الأردن . يقابله بكل أسف وقوف المجتمع الدولي موقف المتفرج بل ودعم بعض هذه الدول الغير محدود لإسرائيل. بالإضافة إلى النزوح الكبير في تعداد اللاجئين كما أسلفنا من الكويت والعراق وسوريا وما ترتب على مثل هذا النزوح من أعباء مالية ومادية وإنسانية تعجز عن تلبية إحتياجاته كل الحكومات الأردنية المتعاقبة .

كما أن إحجام بعض الدول العربية الغنية عن دعم الأردن ماديا واقتصاديا وبروز إهتمامات جديدة لها تتأطر من أجل محاربة المد الإيراني الذي فرض سيطرته على كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن والتقارب الممنهج بين بعض دول الخليج وإسرائيل ظنا منهم أن إسرائيل ستكون الحليف ألأنسب لهم في مواجهة المد الشيعي قد ساهم في تقليص دور الأردن الإستراتيجي التاريخي في حماية الحدود العربية وحماية المقدسات وهو ما لا نريد أن نناقشه في هذه المقالة .

كل هذه الأوضاع قد وضعت الأردن في موقف لا يحسد عليه لاسيما بعد الانهيار الإقتصادي الأخير الناجم عن سياسة الخصخصة الفاشلة والفاسدة والذي أدى الى فقدان الكثير من الأردنيين الى وظائفهم نتيجة بيع مقدرات الوطن . وهروب الكثير من المستثمرين الأجانب من السوق الأردني وإغلاق الكثير من الشركات التجارية كما أن الكثيرين من أصحاب الكفاءات العليا تركوا العمل الحكومي واتجهوا الى القطاع الخاص بحثاً عن رواتب أعلى . وإن عجز الحكومات المتعافبة في حل الهيئات المستقلة وإعادة صلاحياتها إلى الوزارات صاحبة الإختصاص هو مثال آخر لإستفحال الفساد من أجل تنفيع بعض الذوات الذين لا يتجاوز تعدادهم المائة وتدويرهم في لعبة الكراسي من منصب إلى منصب من وزير إلى رئيس ديوان إلى رئيس وزراء إلى عضو في مجلس الأعيان إلى رئيس مجلس إحدى الشركات .

وبالرغم من الزيادات المادية ومحاولة تحسين مستوى المعيشة والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي ومشاريع إسكان الموظفين فلا زال موظف الدولة يعاني من التدني في مستوى المعيشة والشكوى بعدم كفاية الراتب فالزيادة أقل بكثير من الضرائب المفروضة وإرتفاع أسعار كل السلع .

4: عجز الحكومات العربية في إيجاد حل للقضية الفلسطينية:

إن الحكومات العربية قد عجزت في استعادة الأرض وعجزت قي إعادة الشعب الفلسطيني الى أرضه ووطنه . وبالرغم من وجود رئيس وحكومة فلسطينية في الضفة الغربية ووجود حكومة مقالة في غزة إلا أن معظم الدول العربية قد أدركت بأن الفلسطينيين حيت تخلوا عن بندقية المقاومة قد تخلوا عن الكثير من حقوقهم المشروعة وأدركت الحكومات العربية أن خيار الحرب مع اسرائيل قد انتهى الى الأبد وبالرغم من تمسكهم بمبادرة السلام العربية كحل للقضية الفلسطينية رغم رفض اسرائيل المتكرر لهذه المبادرة . إلا أن الموازنة العسكرية لا زالت في أعلى مستوياتها وهذا يقودنا الى وجود أخطار جديدة تعصف بالعالم العربي من أرجاء متعددة لا سيما بعد احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث مما أعطاها سيطرة استراتيجية على مضيق هرمز. بالإضافة الى وجود حركات التطرف الديني المتعددة والتي ساهمت في إيجادها الولايات المتحدة إبان الإحتلال السوفياتي لأفغانستان باعتبارها حركات تحرير. ولكن الولايات المتحدة ما لبثت أن انقلبت على هذه الحركات بعد طرد السوفيات من أفغانستان ووسمتها بالإرهاب. كما أن الأنظمة العربية بحاجة الى الجيوش والأجهزة الأمنية للمحافظة على أنظمة الحكم القائمة. ولا شك بأن الربيع العربي قد استهلك المال والسلاح والإنسان على حد سواء فهذا الكم الهائل من استخدام كافة أنواع السلاح وهذا الكم الهائل من الدمار الذي لحق بالبنية التحتية وهذا العدد الذي لا يصدق من ضحايا الحروب العربية العربية والممولة بالمال العربي . بالإضافة إلى التهديد المتعاظم بين كل من المعسكر السني والمعسكر الشيعي والذي كان آخر ضحاياه شركة أرامكو السعودية التي تعرضت منشآتها النفطية إلى تدمير أدى إلى توقف ضخ خمسة ملايين برميل يوميا أي ما يعادل نصف الإنتاج السعودي البالغ في أحسن حالاته 12 مليون برميل

وبالنسبة للأردن بالذات فهو أقرب دولة لفلسطين وإن كل ما يحدث في فلسطين يؤثر بطريقة أو بأخرى على الأردن. لقد شارك الأردن في كل حرب عربية اسرائيلية تماما كما شاركت مصر العربية وسوريا والعراق. ولكن فلسطين التي اتحدت عضويا ودستوريا مع الأردن وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية وتم منح الفلسطينيين جوازات السفر الأردنية وارتبط الشعبان بأواصر القرابة والدم وارتحلت الكثير من عائلات الضفة الغربية لتستقر في عمان والسلط والكرك والزرقاء وكانت هذه الوحدة هي أنجح وحدة في العالم العربي. وجاءت حرب 1967 لتحطم هذه الوحدة ولتفصل الأهل عن الأهل ولتفرق بين الإبن وأبيه والأخ وأخيه وبين القدس وعمان وبين الضفة الشرقية والضفة الغربية.

كما شهد الأردن نزوح الملايين من اللاجئين العرب إثر الحرب الأهلية اللبنانية ونتيجة الاجتياح العراقي للكويت وغزو العراق والحرب الأهلية الدائرة في سوريا وليس هناك من ممر يربط الضفة الغربية بالعالم العربي إلا من خلال الأردن.

ولطالما بقيت القضية الفلسطينية بدون حل فستظل الدول العربية وعلى رأسها الأردن عرضة للتهديد الإقتصادي والإجتماعي والسياسي . ولو تابعنا ما جرى من تحطيم وتدمير ممنهج للجيوش العربية التي شاركت في كل الحروب العربية الإسرائيلية في كل من العراق وسوريا ومصر لأدركنا خطورة ما يتعرض له الأردن من مؤامرات ومحاولات لتفتيت جيشه العربي وتدمير مؤسسات النظام .

ولطالما بقي اللاجىء الفلسطيني في لبنان وفي مصر وفي ليبيا وفي سوريا وفي الأردن والعراق ودول الخليج تظل هذه الدول متأثرة وتتطلع الى إيجاد حل لهذه القضية المستعصية التي ترفض اسرائيل حتى مناقشتها. ولا يكتفي التهديد بضم الأرض الفلسطينية وخلق حدود جديدة على ضفاف نهر الأردن فحسب وهو ما أوضحه نتنياهو في حملته الإنتخابية وإنما تعداه إلى ضم مرتفعات الجولان السورية إلى السيادة الإسرائيلية وبمباركة من الرئيس الأمريكي .

5: مشكلة التنظيم الإداري

إن من أهم المشاكل الإدارية في الدولة العمل على إعادة تنظيم كافة الأجهزة والدوائر الحكومية والهيئات المختلفة في الدولة وإعادة تقييم خدماتها ودورها المفروض أن تؤديه وينبغي العمل على حصر هذه الدوائر الحكومية وتحديد مهامها وواجباتها ووظائفها.

ولا بد من وجود أنظمة داخلية ولوائح وتعليمات وتنظيمات إدارية وتسلسل في المسؤولية وهياكل تنظيمية بالإضافة الى تعليمات واضحة وواجبات محددة ووصف وظيفي لكل وظيفة ولكل موظف.

كما أن التنسيق بين أجهزة الدولة ووزاراتها المختلفة ضرورة ملحة أذكر على سبيل المثال أن الشارع الواحد يتم حفره بضع مرات لأن شركة الكهرباء وأمانة عمان ومؤسسة الاتصالات ووزارة المياه لم تشترك معا في عملية التخطيط لمشاريعها . والتخبط الناجم بين كافة الأجهزة عن عاصفة ثلجية والإفتقار إلى إدارة الأزمات ورسم الإستراتيجية اللازمة لمجابهة أي طارىء وتحديد المسؤوليات والواجبات ووضع خطة إستراتيجية كاملة لمجابهة كافة الأزمات والتهديدات الخارجية والداخلية . وربما يعود السبب إلى انعدام وجود مجلس للأمن القومي لمجابهة كافة الأزمات الأمنية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية والسياسية والتخطيط المسبق لمعالجتها قبل وقوعها .

6: تزايد المشكلات الاجتماعية وبالذات بين فئات الشباب

إن آثار الحروب التي مرت في العالم العربي بدءاً بالإحتلال الاسرائيلي والحرب الأهلية اللبنانية واحتلال العراق للكويت وقيام دول التحالف بالقضاء على نظام صدام حسين والربيع العربي وحرب الإنابة أو الحرب الرابعة التي عصفت آثارها المدمرة في كل من السودان والعراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وارتفاع أسعار البترول وآثار الانهيار الإقتصادي العالمي كل هذه الأسباب أدت الى تزايد الهجرات السكانية الى الأردن .

إن هذه الهجرات قد صاحبتها هزات اجتماعية وتغير في القيم فتزايدت نسبة البطالة وارتفعت الأسعار لا سيما الشقق السكنية والمواد الغذائية يقابل هذه الطفرة السكانية شح في المياه ومصادر الطاقة ونقص في المواد الغذائية . وضعف في الموارد وتنافس على لقمة العيش وصاحب هذه الهجرات محاولات للخروج على العادات والتقاليد والأعراف ومخالفة القيم والتأثر الى درجة كبيرة بالأنماط السلوكية والثقافات المستوردة الغريبة على مجتمعنا حيث تزايدت نسبة الذين يتناولون المشروبات الروحية في سن مبكرة بالإضافة الى تزايد انتشار المخدرات واستيراد الآلاف من الأجنبيات للعمل في أماكن اللهو. كما أن الأردن قد شهد ارتفاع حوادث السير حتى تكاد تبلغ نسبة الحوادث أعلى النسب في العالم.

ولقد ارتفعت نسبة الجرائم والاختلاسات والقضايا ذات الصبغة الاقتصادية رغم انفتاح الأردن على المشاريع الكبيرة ولكن هذه المشاريع لا زالت قيد التنفيذ وبعضها هرب نتيجة الفساد المستفحل في معظم الأجهزة الحكومية حيث فوجىء الشعب الأردني ولأول مرة في حياته بإمتداد الفساد إلى الأجهزة الأمنية وفي مقدمتها المخابرات العامة وإنشغال القوات المسلحة ببعض المشاريع الإقتصادية وتأسيس شركات تجارية تابعة لها مثل شركة موارد . ولعل أكبر المشاكل التي يعاني منها الشعب الأردني هي ارتفاع الضرائب وتعددها وكثرتها والتفنن في إعطائها الغطاء القانوني فكل فاتورة ماء وكل فاتورة كهرباء والمجاري تضم في جنباتها بنودا لا تمت من قريب او من بعيد بالماء أو الكهرياء وكذلك الحال بالنسبة الى كثير من الضرائب المفروضة لدعم الشباب ولدعم الجامعات الحكومية ولو حاولنا تعداد عدد الضرائب المتنوعة المفروضه على الشعب الأردني لوجدنا أنها تتجاوز المائة والخمسين ضريبة ناهيك عن الرسوم المفروضة على كل المعاملات في الدوائر الرسمية.

كثير من العائلات اضطرت إلى خروج الزوجة إلى ميادين العمل لتشارك زوجها في تحمل مسؤولية البيت نتيجة غلو الأسعار وزيادة الضرائب لا سيما وأن أقساط المدارس الخاصة قد بلغت الذرى مما أدى إلى استقدام الخادمات الأجنبيات حيث نشأ جيل جديد من الأبناء والبنات في غياب الإشراف المباشر من قبل الأم .

7: المشكلات الثقافية والتعليمية

لا شك بأن عجز الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء في تأمين شواغر للأعداد الهائلة من الخريجين يعود الى أسباب كثيرة متداخلة ومترابطة بعضها ببعض وهي نتاج طبيعي لعدة عوامل أهمها أن طبيعة التركيبة السكانية للشعب الأردني أنه شعب فتي أي أن الفئات العمرية الشابة تشكل نسبة عالية في مجموع السكان تتجاوز 70% . كما أن هناك عوامل تتعلق بانعدام التخطيط وغياب الاستراتيجية على مستوى الدولة بالاضافة الى عدم وجود دراسات تساعد في توجيه الطلاب الى التخصصات المطلوبة ومشكلة عدم الحصول على معدلات عالية تؤهلهم للقبول في الجامعات وعدم تدريب الأفراد القادرين على اكتساب المهن المختلفة بالإضافة الى البحث عن العمل المكتبي والابتعاد عن العمل الميداني واليدوي . كما أن ضعف المستوى التعليمي والثقافي وبالذات الضعف السائد في مستوى اللغة العربية واللغة الانجليزية والحاسوب لا سيما في المدارس الحكومية هو نتيجة حتمية لعدم الإشراف والافتقار الى لجان مختصة لإعادة النظر وتقييم المناهج الدراسية ومحاولة تحديثها أو على الأقل مجاراتها لمستوى الأحداث ولمستوى التقدم الحضاري والتكنولوجي في العالم.

كما أن عدم قيام وزارات التعليم العالي بواجبها في مراقبة مستويات التعليم الجامعي لا سيما في الجامعات الخاصة وعدم إشرافها على قيام هذه الجامعات في تنفيذ البنود التي وافقت عليها هذه الجامعات وتعهدت بالحفاظ عليها من أجل الحصول على تراخيص إنشائها وبالتالي تخلت عنها ولم تجد أي حسيب أو مشرف عليها أو متابع لها مما جعل همها الأكبر هو تحقيق أكبر ربح مادي لها بدل تحقيق هدفها الأسمى في التعليم المقدس وإخراج أجيال من حملة الشهادات المميزين بدل إخراج أجيال قادرين على دفع الرسوم الجامعية العالية. لقد آلمني كأستاذ جامعي سابق أن تعمد بعض الدول العربية إلى سحب إعترافها ببعض الجامعات الأردنية ومنع طلابها من الإلتحاق بهذه الجامعات الأردنية بعد أن كانت هذه الجامعات قمة في التقييم وقمة في الأمانة والمستوى التعليمي .

لقد أنقذ الله الأردن وتم توفيقه بإيجاد حل لمشكلة إضراب المعلمين لا سيما وأن هذه المشكلة قد تفاقمت وتراكمت منذ عام 2014 حيث قامت الحكومات السابقة بترحيلها من حكومة إلى حكومة دون أن تضع الحلول المناسبة لها وتعود خطورة هذه المشكلة إلى مشاركة ما يقارب 120 ألف معلم في تنفيذ قرارات نقابة المعلمين وإمكانية إندلاع شرارة المجابهة بين قوات الأمن وبين المعلمين وإنعكاس آثارها على أكثر من مليون طالب في المدارس الحكومية وأنا شخصيا أشكر الله على التوصل إلى حل لهذه المصيبة لأن المعلمين لو استمروا في إضرابهم لأصبحوا خارجين على القانون وهو ما لا نريده لمعلمينا .

كما أن ثقافة العيب المتوارثة في مجتمعنا الأردني قد أرغمتنا على استقدام أعلى نسبة في العالم من العاملين الأجانب الذين يعملون في الأشغال اليدوية أو في محطات الوقود أو في أمانة العاصمة والبلديات والمزارع في الأغوار أو حتى خادمات في المنازل الأردنية وهذه النسبة إذا قارناها الى مستوى الدخل الأردني لوجدناها أكبر من أي دولة عظمى لا سيما إذا قمنا بحساب التكلفة والرواتب الشهرية لهذه الفئات العاملة ولو قسنا نسبة تحويلات هؤلاء العاملين والعاملات لا سيما إذا أضفنا اليهم ما تكسبه عاملات النوادي الليلية “لتشجيع السياحة الأجنبية وتحطيم المستوى الأخلاقي المحلي” لوجدنا أنها تشكل نسبة لايستهان بها من الدخل العام .

8: فشل سياسة الخصخصة وبيع مقدرات الوطن بأبخس الأثمان

من المفروض أن يكون هدف الخصخصة هو الإستفادة من الخبرات الفنية للمختصين في العديد من التخصصات في زيادة الإنتاج القومي والإستفادة من الخبراء في التكنولوجيا وتزويد المشاريع الوطنية بأحدث المعدات والأجهزة وتطوير مفاهيم الإدارة . ولكن الخصخصة في الأردن أصبحت الستار الذي يختبىء من خلفه مجموعة من الفاسدين ومن تجار الأوطان ليسلبوا مقدرات الوطن وليبيعوها بأبخس الأثمان من أجل الحصول على عمولات لا أول لها ولا آخر فتم تخصيص شركة الإتصالات الأردنية وتم بيعها بمبلغ خمسمائة مليون دولار إلى شركة فرنسية علما بأن موجوداتها العينية تتجاوز ثلاثة مليارات دينار أردني ودخلها السنوي كان يتراوح ما بين 180 مليون دينار أردني إلى 200 مليون دينار أردني كما تم تخصيص شركة الملكية الأردنية وتم تقطيع أوصالها وبيع كافة المؤسسات التابعة لها بأبخس الأسعار وتستمر القائمة من الفوسفات إلى البوتاس إلى الإسمنت إلى ميناء العقبة والكهرباء وهذه القائمة تمتد وتطول والموضوع شائك ومن كثرة ما تم تداوله أصبح الشعب الأردني بأسره يدرك الآثار المدمرة لسياسة الخصخصة الفاسدة على وجوده ولا داعي في هذه العجالة من إعادة فتح مجلداتها ولكن أحدا لا ينكر بأنها القشة التي قصمت ظهر البعير وأوجدت الشرخ الذي لا يمكن إصلاحه بين القيادة والشعب لا سيما وأن قائمة الفاسدين محفوظة في ذاكرة الشعب وأن اللصوص معروفون ومطلوبون .

وإننا كما أوضحنا في البداية إن كل دولة من الدول مهما بلغت من التقدم والرقي لا بد وأن تعاني من قريب أو بعيد من المشكلات الاجتماعية والإدارية طالما كان هناك أنسان وطالما كانت هناك حكومات. ولكن العبرة تكمن في الطريقة التي تعالج فيها الدول هذه المشاكل وتتغلب عليها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.