في الذكرى 36 لمحاولة إغتيال السفير محمد علي خورما / د. حسين عمر توقه
بتاريخ 26 تشرين الأول جرت محاولة إغتيال السفير الأردني في إيطاليا السيد تيسير طوقان رحمه الله . وبعد ثلاثة أيام بتاريخ 29 تشرين الأول جرت محاولة إغتيال السفير الأردني في الهند السيد محمد علي خورما . ولقد تمت إحالة كل من السفيرين على التقاعد وهما قيد العلاج وذلك كي يتسنى لرئيس الوزراء في ذلك الوقت من تعيين بعض الذوات المحسوبين على دولته . وكأن المملكة الأردنية الهاشمية قد ضاقت بما رحبت ونسيت أن تيسير طوقان ومحمد علي خورما لم يتم الإعتداء عليهما لأسباب شخصية وإنما لأنهما يمثلان النظام حيث كانا يشغلان منصب سفير المملكة الأردنية الهاشمية في كل من إيطاليا والهند .
القسوة حين يجلس هذا السفير الإنسان بينه وبين نفسه في ظلمة الليل يفكر بالسنوات الطويلة التي قضاها نظيفا عفيفا مخلصا في خدمة وطنه الأغلى ومليكه …. وبعد أن يضع أطفاله في فراشهم ويطفىء النور … يفكر بالقسوة التي لا ترحم التي عومل بها بعد أن أفنى زهرة شبابه وأعطى كل ما يمكن أن يعطي خلال سنوات عمره مثالا في الأخلاق والإلتزام والرجولة من أجل أن يبقى الأردن .
هل هناك أكثر من عمره وهل هناك أكثر من حياته . وهل هناك أكثر من دمائه الزكية تسيل من جراحه وهو يسطر لبلده قمة العطاء وروعة الإخلاص للرجال الرجال .
إن القسوة في قصة السفير محمد علي خورما تتمثل في العودة إلى الماضي إلى خريف عام 1983 حين استقرت طلقات الإرهاب المجنونة الآثمة في جسده الطاهر . في جسد الأردن وهو في طريق عودته من مكان عمله السفارة الأردنية إلى منزله . عندها اهتزت كل نيودلهي واهتزت عمان فالطلقات التي اخترقت الجسد لم تخترق الروح وبقي محمد علي خورما على قيد الحياة بمشيئة الله تعالى رغم براثن الموت فبعد أن أفرغ المجرم طلقاته المجنونة في جسد محمد علي خورما عاد إليه وهو ملقى على قارعة الطريق يئن وقام بإطلاق طلقته الأخيرة في عنقه ليتأكد من موته .
إن قمة القسوة أن يُحرم هذا الرجل هو وتيسير طوقان وأخوان آخرون من نعمة الخدمة للوطن وهم قيد المعالجة جراء الجراح التي أصيبوا بها وهم على رأس عملهم .
أما العذاب فهو كيف يمكن لإنسان بمثل هذا السجل الخالد من التضحية والوفاء أن يقرأ على صفحات الجرائد إسمه وقد تمت إحالته على التقاعد قبل أن يستكمل العلاج .
أين حق هذا الإنسان على وطنه وهل عجزت الحكومة بما رحبت أن تضم إبنها البار وأن تصبر عليه حتى يشفى من جراحه الجسدية بدل أن تضيف إليها جراحا نفسية لا ترحم .
إن العذاب الذي أتحدث عنه كيف يمكن لأبنائنا أن يرتفعوا فوق هذه المأساة وكيف يمكنهم أن يخلصوا وأن يضحوا بأرواحهم وهم يرون في محمد علي خورما مثالا للنكران والجحود نتيجة قرار مجحف ظالم لرئيس وزراء فاسد .
لقد كان الإستشهاد في سبيل الأردن رحمة . أما ألإستمرار في الحياة فقسوة وعذاب .
وإنني أسأل أصحاب الضمائر لماذا نعاقب أبنائنا على إخلاصهم بدل الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم التي تكفلها أبسط قواعد النظام والأعراف والتقاليد والدستور والقانون التي كان الأردن مدرسة لها ويحتذي بها الآخرون من دول العالم .
إن إحالة محمد علي خورما على التقاعد لم تنتقص من كرامته في شيء ولم تكن لتحد من إخلاصه لوطنه ومليكه فلقد كان رحمه الله ميسور الحال وكان قادرا على السفر إلى لندن على نفقته الخاصة من أجل تفصيل الحذاء الخاص بقدمه التي هشمتها رصاصات الغدر من أجل أن يمشي على قدميه مرفوع الرأس .
لقد بقي محمد علي خورما على عهده المواطن المخلص الشريف لم توضع على هامته أكاليل الغار ولم تزين صدره الأوسمة والنياشين . يكفيه أنه لا زال يعيش في قلوب أصدقائه رجلا وادعا مخلصا طيبا .
يكفيك يا أخي محمد ويا أخي تيسير أنكما في تاريخ الوطن تتصدرون قائمة الرجال الرجال المخلصين الشرفاء الذين زينوا بدمائهم جبين الأردن ولعمري من أجل هذه الكوكبة من الشهداء والصديقين والمصابين في ميادين الشرف تُذكر الأوطان.
التعليقات مغلقة.