زجاجة دم إثيوبية.. وبطل من ورق / محمد سعد عبد اللطیف




محمد سعد عبد اللطیف* ( مصر ) الجمعة 25/10/2019 م …
* کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة رٸیس القسم السیاسي نیوز العربیة

لا يقضى على الشائعات والأكاذيب بالرد فقط أو بشائعات مثلها، لكن يقضى عليها بعمل إيجابي وقرار فاعل، وفي ظل التطور المضطرد في بناء إثيوبيا سد النهضة دون أن تعير أي اهتمام لمخاوف الشعب المصري، ومع غياب كامل لأي معارضة من الدولة المصرية، ظهرت مجموعة خرافات شاعت بين الشعب وبطولات عسكرية مزعومة من الرئيس السادات بقصفه سدودا إثيوبية في السبعينيات.
ببساطة، إثيوبيا لم يكن لديها سدود في السبعينيات، ولم يقم السادات بأي أعمال عسكرية خارج الحدود المصرية في تلك الفترة، فقد انتشر على شبكات الإنترنيت روايات وخزعبلات عن قيام السادات بقصف السد الإثيوبي، وحين احتجت إثيوبيا قال لها السادات: “ومن قال إن هناك سدوداً إثيوبية، لكي نقصفه أصلا”.
وفي رواية أخرى أن جعفر نميري سمح للطائرات المصرية بقصف السد من جنوب السودان بسبب طول المسافة في عمق إثيوبيا، وعدم تمكن الطائرات المصرية محدودة المدى وقتها من الطيران، وقد تم تنفيذ المهمة بنجاح، وعادت الطائرات إلى قواعدها سالمة، على العلم أن في هذه الفترة كانت إثيوبيا بها أكثر من عشرة آلاف مقاتل (10 آلاف) مقاتل من كوبا، ويوجد بها أكثر من ألف خبير روسي.
وظلت العلاقات المصرية قوية حتى أواخر عهد عبد الناصر، ثم اهتم السادات بالشأن الداخلي والإعداد لمعركة أكتوبر، وبعد فض الاشتباك الثاني، اتجه السادات ناحية الغرب وتوسيع العلاقات الخارجية، وفي اقتراح من رئيس المخابرات الفرنسية بالتنسيق مع الجانب الأمريكي، بعقد مؤتمر في الرباط بالمغرب، وبحضور إيران الشاة والسعودية ومصر.. اتفقوا على محاربة المد الشيوعي في أخدود البحر الأحمر وفي إثيوبيا وزائير، ومساعدة الصومال في حربها على الإقليم المتنازع عليه مع إثيوبيا.
في تلك الأثناء كان السادات يعد العدة لمفاوضات السلام مع إسرائيل، وفي أثناء المفاوضات وزيارة السادات مدينة حيفا، عرض السادات توصيل مياه نهر النيل بمقدار مليار متر مكعب إلى إسرائيل عن طريق حفر ترعة السلام التي تبدأ من فارسكور وتعبر قناة السويس تحت صحاري لتوصيلها إلى القدس وطلب من بروفيسور إسرائيلي من جامعة حيفا دراسة عن الموضوع، وعندما علمت إثيوبيا، اعترضت وقالت إن هناك مناطق على النيل الأزرق تحتاج لهذه المياه بدلا من مصر وإسرائيل.
وكان السادات قد أطلق على المشروع اسم (زمزم الجديد) لقداسة الأماكن المقدسة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وحائط البراق، وهذا يمثل في نظرة السلام والأخوة بين الديانات الثلاث مقدسات، واعترض بشدة الرئيس الإثيوبي، وأحضر زجاجة من الدم في مؤتمر صحفي على أنها دم للمشروع الجديد، ومساندة الصومال في حربها مع إثيوبيا بدعم سعودي ومصري، واستئناف دعم جبهة التحرير الإريترية، خرج الرئيس الإثيوبي (منغستو هايله) في 1978، بتصريح يتحدى فيه حق مصر التاريخي في مياه النيل.
تأتي معظم تلك المياه من النيل الأزرق في إثيوبيا،
وكان رد محمد أنور السادات على تهديد (منغستو)، بأن مصر ستشن حرباً إذا تعرضت حقوقها المائية للخطر، قائلاً: نحن لا نحتاج إذناً من إثيوبيا أو الاتحاد السوفييتي لتحويل مياه نيلنا إلى إسرائيل.. إذا اتخذت إثيوبيا أي فعل ضد حقنا في مياه النيل، فلن يكون أمامنا بديل عن استخدام القوة.. التلاعب بحق أمة في الماء هو تلاعب بحقها في الحياة، والقرار بالذهاب للحرب من أجل ذلك لن يكون موضع جدل في المجتمع الدولي، هذا ما حدث، ولا يوجد أي احتكاك عسكري حدث بيننا، في عصر الشائعات والأكاذيب، وصناعة بطل من ورق.

محمد سعد عبد اللطیف
کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة رٸیس القسم السیاسي نیوز العربیة

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.