مقالان في غاية الأهمية للرفيق الطاهر المعزّ … ( حزب الله، حركة مقاومة، وحزب ديني طائفي، في السلطة ) + ( لبنان – موقع “حزب الله”، بين المقاومة والسّلطة )
توضيح وتذكير
ما السبيل للتطرق لمواضيع خلافية: نماذج لبنان (حزب الله تخصيصًا)، وقبلها فلسطين (حماس والجهاد الإسلامي) وسوريا وروسيا وإيران وأمريكا الجنوبية…
كانت هذه الورقة، بعنوان “لبنان – موقع “حزب الله”، بين المقاومة والسّلطة”، جاهزة للنشر منذ يوم 28/10/2019، وهي مُعدّة لكي تُنْشَر في موقع “كنعان” الإلكتروني، وكُنْتُ أعرف مسبقًا أن أي نقد لحزب الله يُثير جَدَلاً، بل أكثر من ذلك، لكن لا أستطيع ولا أرغب في ممارسة “التّقِيّة”، وإخفاء رأيي، وأحاول دائمًا التّثبّت من المعلومات التي أُورِدُها، وأتجنب أي تجريح شخصي، أو أي عبارات قد تُأَوَّلُ على أنها شتائم، ومع ذلك جاءت الرّدُود متطابقة مع رُدُودٍ سابقة بشأن مقالات عن طبيعة نظام سوريا، ونقد الإتجاه الإقتصادي، لما سُمِّيَ “اقتصاد السوق الإجتماعي” الذي كان “عبد الله الدّردري” أحد رموزه، أو بشأن روسيا، التي اعتبرتُها، ولا زلتُ أعتبرها “حليفًا” غير موثوق، أو بشأن طبيعة حركة “حماس” سنة 2014، أو إيران، حيث كَتَبْتُ ذات مرة أن شوفينية نظام الدين السياسي لا تختلف عن شوفينية نظام الشّاه، وهو جانب لا يُستهان به من طبيعة النظام الإيراني الذي يمارس هذه الشوفينية الفارسية في الدّاخل أيضًا…
إن هذه الأحداث الصغيرة، والنقاشات داخل مجموعة صغيرة جدًّا، وفي محيط مُحاصَر ومُختنق (محيط العُروبيين التقدميين والإشتراكيين والشيوعيين) تُثير بعض التساؤلات، ومن بينها: ما هي حُدُود الصّداقة المفترضة مع قوى دينية، مثل حزب الله أو الجهاد الإسلامي في فلسطين، ناهيك عن دولة مثل إيران.
نفس التّساؤل يُطْرَحُ بشأن روسيا التي لها أهدافها، وهذا طبيعي، لكن هذه الأهداف تتعارض في العديد من الحالات مع مصالح الشعب الفلسطيني (بسبب العلاقات المتطورة جدا مع الكيان الصهيوني)، ومع مصالح الشعب السوري، فروسيا تُحاول إيجاد موطئ قدم (أو توسيع نفوذها) في المشرق العربي، عبر تطوير العلاقات مع الكيان الصهيوني ومع نظام الدين السياسي في تركيا ومع الأُسَر الحاكمة في الخليج، إلى جانب النظام السوري ومليشيات الأكرد الإنفصالية، وكل القوى المتواجدة على الساحة… هذا من حق روسيا، كما من حق إيران أن تضع مخططات وبرامج استراتيجية، لكن من دورنا، بل من واجبنا (كعرب، وكأمة واقعة تحت الهيمنة) التنبيه إلى ذلك والدّفاع عن مصالحنا، وتوضيح أهدافنا، ومنها ما يتعارض مع أهداف وبرامج “الأصدقاء” أو “الحُلَفاء”، وقد تكون الصداقة ويكون التحالف قصير المدى، ينتهي بقضاء المصلحة…
اقترح البعض، في طاقم “كنعان” إضافة ملاحظة، كتقديم للمقال، على أساس انه “لا يعبر سوى عن رأي صاحبه”، والواقع أن كافة ما نُشِر لا يعبر سوى عن رأي كاتبه، وقد نتفق معه أو لا نتفق، وشخصيا، لم أكن أتفق مع عدد من الأفكار التي وردت في مقالات عديدة، ولكن ذلك “لا يفسد للود قضية”، بل اعتبرت ذلك “عاديًّا” جدًّا، وأمرًا طبيعيا، واعتبرتُ أن المسألة لا تستحق أن تُثار أصْلاً، ولكنني رفضت أن تُضاف تلك الزائدة الدّودية في مقدمة النص المُوقّع باسمي، كما رفضْتُ سابقًا نفس المُقْتَرَح، فإما أن يُنْشَر المقال، وما على من يختلف معه سوى الرّد في مقال مُنْفَصِل، قد يكون طويلاً أو قصيرًا، لا يهم، وإما أن لا يُنْشَر المقال أصلاً، لأنه يخالف سياسة النشرة أو خطها السياسي أو قوانين وأعراف مُعيّنة، أو يُسبِّبُ حرجًا، أو غير ذلك، وأُشِير بالمناسبة أن “كنعان”، تتمتع باستقلالها الذاتي، ولا تتلقى أي تمويل، ولا أي دعم سياسي، أو إعلامي، باستثناء بعض الأصدقاء الأفراد، الذين يُعيدون نشر المقالات…
تكرّرَتْ حالات الإعتراض على مضمون مقالات من هذا القبيل، ربما أربعة أو خمسة مرات، لا أذكر بالضبط، ولذلك قرّرت خوض الموضوع علنًا، فقد يكون النقاش مفيدًان حول موضوع “من هم أصدقاؤنا”، أو ما هي حدود “الصداقة” أو “التحالفات”، أو ببساطة “أي مجتمع نريد أن نَبْنِي، وفي أي مجتمع نريد أن نعيش”، وما هي القوى التي نعتمد عليها لبناء هذا المجتمع، وغير ذلك من المواضيع التي تبدو وكأنها “نَظَرِيّة” بحْتَة، ولكنها في الواقع أشئلة مطروحة بشأن الإنتفاضات في تونس ومصر، ونتائجها، وفي السودان والجزائر، حاليا، ومطروحة بدرجة حرجة ومُلحّة في لبنان وسوريا واليمن، ووجب أن يكون النقاش حُرًّا وواسعًا بين التقدميين، وهم خارج الحكم…
الطاهر المعز 31/10/2019
*****
لبنان – موقع “حزب الله“، بين المقاومة والسّلطة
الطاهر المعز 28/10/2019
تأسّسَت دُوَيْلَة لبنان بقرار استعماري، ويرتهن وجودها وبقاؤها لعلاقات التبعية للإستعمار، وتقسيم المجتمع إلى طوائف ومذاهب، كنقيض للإنتماء الوطني والقَوْمِي، واتفقت الفئات الحاكمة، من أُمراء الطوائف على اعتبار الدولة غنيمة لينهبوا مواردها ويتقاسموها، من أجل تمويل أُسَرِهم، والأحزاب الطائفية التابعة لها، وتوزيع بعض الفُتات على المُرِيدين، بهدف رَبْطهم بزعماء طائفتهم المَفْرُوضة عليهم، والتي تتحكم في حياة الرّعايا من المَهْدِ إلى اللّحْدِ…
تأسّس “حزب الله”، إثر الإطاحة بشاه إيران، واستيلاء رجال الدّين السياسي (من أعيان الشيعة) على أجهزة الدّولة، وتأسّس حزب الله ضمن التحولات التي فرضتها الحرب الأهلية في لبنان، وفي ظروف احتلال البلاد من قبل الجيش الصهيوني، والقوات متعددة الجنسية، وتورّطَ أعضاؤه (عندما كانت حركة “أمل” ناطقًا باسم الشيعة) في اغتيال المُفَكِّرِين الشيوعيين، الذين “تَنَكّرُوا” للطائفة التي فُرِضَتْ على وجودهم وحياتهم، ثم أصبح “حزب الله” رمزًا لمقاومة الإحتلال الصهيوني، وإن سبقته “جبهة المقاومة الوطنية” (جمول)، ورمزًا لإخراج الإحتلال من جنوب لبنان، بدون شُرُوط، سنة 2000، ثم تمكن الحزب من مقاومة العدوان الصهيوني، والصمود سنة 2006، رغم تآمر الحكومة (برئاسة فؤاد السنيورة) وأحزاب الطوائف (آل الحريري وآل الجميل وغيرهم)، وأصبح “حزب الله” رمزًا للمكونات الطائفية “غير التقليدية” في المجتمع اللبناني، لكنه استغل الصيت الذي ناله، بفضل المقاومة، ليُصْبِحَ تدريجيًّا مُكوّنًا أساسيًّا للنظام الطائفي، فرفض دعم الأُجَراء ونقاباتهم، أثناء مطالبتهم بتطبيق “سلسلة الرُّتب والرواتب”، ورفض دعم حق أبناء النساء اللبنانيات في الحصول على الجنسية اللبنانية، وتجاهل مطالب اللاجئين الفلسطينيين بإلغاء استثنائهم من ممارسة أكثر من سبعين مهنة في لبنان، وعلى الصعيد الخارجي، يدعم حزب الله النظام الطائفي العميل في العراق، الذي نَصّبَه الإحتلال، عبر فرض دستور يُقوّض أركان الدّولة، وفرض تقاسم السلطة وفق منطق الغنيمة، التي تتقاسمها الطوائف…
ألقى زعيم الحزب “حسن نصر الله”، مؤخرًا (يوم 27/10/2019)، خطابًا، دام أكثر من ساعة، حول الإحتجاجات التي انطلقت منذ يوم الخميس 17 تشرين الأول/اكتوبر 2019، ولم يختلف موقفه جوهريًّا عن موقف رئيس الجمهورية أو عن موقف رئيس الحكومة، وكانت مليشيات الحزب، إلى جانب مليشيات حركة “أمل”، قد تورّطت في قمع المتظاهرين في مُدن الجنوب، ويُوحي خطاب “حسن نصر الله”، بأنه يتحدّث من موقع الناطق الرسمي باسم النظام اللبناني، وباسم كافة مُكونات هذا النظام التي نهبت موارد الدّولة وانتهجت سياسة طبقية أدت إلى إفْقَار العباد، وانهيار اقتصاد البلاد…
تجرّد اللبنانيون من الفُقراء والفئات الوُسْطى، من انتمائهم الطائفي، عندما احتلّوا الشوارع والسّاحات، في جميع أنحاء البلاد، جنبًا إلى جنب، ولكن زعيم “حزب الله” أول من يُدْرِك أن الحزب مَبْنِي على أُسُس طائفية، ويستفيد من التقسيم الطائفي، للمجتمع، ولذلك يُريد إعادة المُتظاهرين، الذين خلعوا الرِّداء الطائفي، إلى حضن زعماء الطّوائف، حفاظًا على حجم أَسْهُمِهِ من التّوازن الطائفي الذي يمكّن حزب الله من حصة هامة من موارد الدولة، ويتخوف حزب الله، كما كل الأحزاب الطائفية الأخرى، من انهيار النظام الطائفي، الذي يتعامل مع المواطنين كرعايا، ويتخوف من استبداله بنظام “مَدَنِي”، يُعامل السّكّان كمواطنين، وكشعب تجمعهم مصالح وطنية أو طبقية أو غيرها من القواسم المُشتركة التي يختارونها، بدل الإنتماء المَفْرُوض عليهم، منذ الولادة…
لم يدْعَم زعماء الطوائف مقاومة حزب الله للكيان الصهيوني، ولم يُعارضوا الولايات المتحدة التي فرضت عقوبات سياسية ومالية على حزب الله وقياداته، بل وجد الحزب كل الدّعم من الوطنيين والتقدميين في لبنان وفي الوطن العربي والعالم، رغم الطبيعة الدينية والطائفية للحزب، فالناس (وأنا من بينهم) يدعمون فعل المقاومة، بقطع النّظر عن عقيدة الحزب (حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين…)، ولكن هذا الدّعم ليس مُطْلَقًا، بل هو دعم نسبي، ومَشْرُوط، ويقتصر على مقاومة الأعداء، فالناس لن يكونوا ملكًا للحزب، أي حزبٍ كان، ولا رعايا، بل وجب أن يكونوا مواطنين أحرارًا يختارون انتماءهم، بمحض إرادتهم، مع ضرورة الوعي بحُدُود كل منا، ف”حزب الله” محكوم بانتمائه العقائدي وبأهدافه وبالطبقة التي يطمح تمثيل مصالحها، كما هو محكوم بطبيعة قواعد اللعبة السياسية في لبنان، والتي قَرّر قُبُولَها، بل والإنصهار في المنظومة السياسية السائدة، والإستفادة من منافعها، بدل الثورة عليها وتغييرها، باتجاه التحرر من الإنتماء الطائفي، ولذلك يسمح الأمين العام لحزب الله لنفسه بالتّشْكيك في البُعد السياسي للإحتجاجات، فيما يُقدّم المعطيات الإقتصادية والسياسية (من أزمة مالية وارتفاع أسعار ومن زيادة ضرائب، ودُيُون حكومية وقيود مالية وإفلاس شركات صغيرة، وغيرها) وكأنها معطيات تقنية…
كشفت الإحتجاجات مزايا وإيجابيات تحاوز النظام الطائفي، وأصبح المواطنون يشعرون أنهم شعب واحد، وأصبح فُقراء ومتوسّطو الحال، يشعرون بقوتهم التي نتجت عن وحدتهم، وكانت المنظومة السياسية والإقتصادية في حالة ضُعْف، منذ انطلاق الإحتجاجات في لبنان، وساهم حزب الله في نفخ الروح وإعادة إحيائها، فأظْهَر حزب الله حُدوده، وحُدُود اللّعِب على عدة حِبال، وسوف يُسدّد ثمن الإندماج في المنظومة السياسية الطائفية اللبنانية، المنصهِرَة بدورها في المصالح الطبقية للفئات المتحكمة بدواليب الإقتصاد والسياسة في لبنان، بدعم عربي رسمي (من الأنظمة العربية)، خصوصًا منذ “اتفاق الطائف” سنة 1989، وامبريالي (أمريكي وفرنسي بشكل خاص)، منذ تأسيس الكيان اللبناني، وشَكَّلَ اعتداء مليشيات محسوبة على حزب الله وحركة “أمل”، على المُتظاهرين في مدن الجنوب (صور والنبطية…) نقطة فاصلة بين فعل المقاومة، من جهة، وممارسة القمع السّافر ضد جمهور الفُقراء، من جهة أخرى، بدل الوقوف إلى جانبهم، وفتح حوار معهم، في حال وجود خلافات… اختار قادة حزب الله صفهم، ضمن منظومة الحكم، وضمن هياكل السلطة وأجهزة النظام، وعملوا على إعادة إنتاج النظام الفاسد، وضخ دم جديد في شرايينه، فهل يطمع بدعم الزعماء الطائفيين له عند الحاجة؟
التعليقات مغلقة.