موسكو و”تغيير قواعد اللعبة” في سوريا / عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي ( الأردن ) السبت 19/9/2015 م …
نعرف أن روسيا قد دخلت بقوة على “خط” الأزمة السورية، بيد أننا لا نعرف مآلات هذا التدخل ولا الحدود التي سيبلغها، ومن باب أولى، لا نعرف الآثار والنتائج التي ستترب عليها، إنْ على مستوى الأزمة السورية، أو على علاقات القوى وتوازناتها الإقليمية والدولية.
منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أزيد من خمس سنوات، انتهجت روسيا “خياراً استراتيجياً”، نهض على جملة ثوابت منها: (1) تقديم أولوية الحرب على الإرهاب على أجندة الإصلاح والتغيير … (2) حفظ وحدة الدولة السورية وصون مؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية … (3) رفض خيارات الحسم والتدخل العسكريين، والإصرار على الحل السياسي لسوريا … (4) تنويع وتوسيع شبكة الاتصالات والحوارات، سواء مع القوى السورية المحلية أو على مستوى الإقليم والمجتمع الدولي، وبصورة تساعد على تمكين موسكو من القيادة بأدوار الوساطة والتجسير وبناء التوافقات.
لم تؤخذ هذه المواقف و”الثوابت” على محمل الجد من قبل أطراف سورية وإقليمية (وحتى دولية) عديدة، وانعقد الرهان باستمرار على أن موسكو ستغير موقفها في نهاية المطاف، وفي هذا السياق، جربت دول عربية ثرية أسلوب “شراء الدعم الروسي” لخططها ومشاريعها في سوريا، فإن تعذّر ذلك، فلا أقل من شراء “صمتها” و”حيادها”… تقارير سياسية وإعلامية “مسربة” لطالما تحدثت عن “تغير وشيك” في المقاربة السورية، ووفود المعارضات السورية إلى موسكو كانت “الأكثر خفّة” وتسرعاً في استنتاج قرب حدوث هذا “الانقلاب” في مواقف سيد الكرملين.
موسكو من جانبها، لم تتوقف عن إرسال الإشارات الدالة على ثبات وديمومة مواقفها من الأزمة السورية، وفرت الحماية الدولية للنظام السوري، وتصدت لمحاولات “تجريمه” في مجلس الأمن، واستمرت في تزويده بالسلاح والعتاد والتدريب، إلى أن قررت “الحضور” مباشرة على الأرض السورية، ورفع مستوى وسوية شحنات السلاح والعتاد، ونشر عناصر مقاتلة على الأرض، والشروع في بناء قواعد انتشار جديدة وتوسيع القواعد القديمة وتجهزيها لغرض القيام بمهام حربية.
اليوم، بات الوجود العسكري الروسي في سوريا، “عامل تغيير لقواعد اللعبة في سوريا”، من شأنه أن يرفع من مستوى الإسهام الروسي في تقرير اتجاهات تطور الأزمة السورية، ويملي على مختلف اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، المرور بموسكو قبل الذهاب إلى دمشق أو ما يحيط بها من عواصم المنطقة … روسيا من الآن وصاعداً، ستعلب دوراً مقرراً في تحديد مستقبل الأزمة السورية، بصورة توازي الدور الأمريكي إن لم نقل تتخطاه.
وإذ تُجمع القراءات للخطوة الروسية على أنها دليل “حزم” و”إصرار” على كسب المعركة في سوريا، فإن إجماع هذه القراءات، يذهب أيضاً لتأكيد استمرار حالة “التردد” و”الانسحابية” التي ميّزت المقاربة الأمريكية حيال سوريا … ولعل التزامن بين “التحشيد العسكري” الروسي على الشواطئ السورية من جهة، والكشف الأمريكي عن دخول (4 -5) مقاتلين معتدلين ميدان الحرب على “داعش”، بعد عامين من إقرار برامج تدريب المعارضة المعتدلة ورصد نصف مليار دولار، لتمويل هذا البرنامج … نقول: إن هذا التزامن، يصلح كشاهد ودليل على البون الشاسع بين المقاربتين.
والحقيقة أن لروسيا دوافع وأهداف في سوريا لا تتوافر للولايات المتحدة، موسكو ترى أن سوريا والعراق، هما خط الدفاع الأول عن أمنها واستقرارها، لا في القوقاز والجمهوريات السوفياتية السابقة فحسب، بل وفي روسيا ذاتها كذلك … وسوريا بالنسبة للكرملين، هو البوابة وموطئ القدم في “المياه الدافئة”، وفي سوريا وعليها تتقرر نتاج معركة الغاز والأنابيب التي ينخرط فيها منتجون ومستهلكون كبار في العالم، وسوريا بعد القرم، باتت عنواناً للنجاح أو الفشل في الحكم على تجربة روسيا الصاعدة على الساحة الدولية بزعامة فلاديمير بوتين.
الولايات المتحدة التي أبدت ضيقاً بالخطوة الروسية علناً، عادت لتجنح لاقتراح موسكو “إجراء تبادل للرأي” حول الأزمة السورية والحرب على الإرهاب … والمؤكد في غياب الخيارات والبدائل الأمريكية، أن يكون لروسيا الدور المؤثر في تقرير شكل ووتيرة الحل السياسي للأزمة السورية، وسيساعدها على ذلك، ما تشهده عواصم القرار الأوروبي من تحولات وتغيرات في مقارباتها للأزمة السورية، مقتربة أكثر من أي وقت من المقاربة الروسية.
من الآن فصاعداً، لن تنتظر موسكو دعوة من أحد، للانخراط في تقرير مستقبل سوريا، سياسياً وميدانياً … وسيتعين على مختلف الأطراف المنخرطة في هذا الصراع بأي صورة من الصور، أن تمر بموسكو للوقوف على وجهتها وتوجهاتها، وستتسع مساحة الطمأنينة والمرونة للنظام في دمشق وحلفائه في الإقليم، وسنرى أثر ذلك على جبهات القتال المشتعلة، مثلما سنرى أثرها في مهمة ديمستورا، وربما قبل نهاية العام الجاري.
الدستور
التعليقات مغلقة.