ثقافة الكاوبوي في صناعة أحداث ما بعد سبتمبر (أيلول) / د. يحيى محمد ركاج
د. يحيى محمد ركاج * ( سورية ) السبت 19/9/2015 م …
* باحث في السياسة والاقتصاد (سورية) …
شكلت أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في بدايات القرن الحالي نقطةً فاصلةً في تحديد مصير الحرب على سيادة العالم فانقسم العالم معها إلى قسمين معيارهم السيادة والاستراتيجية الأمريكية في إعلان من جانب واحد ” من ليس معنا فهو ضدنا” فكان هذا المعيار مبرراً لتدمير أفغانستان وتهديم بغداد واحتلالها وإطالة اسنزاف القدرات السورية عبر استهداف الخاصرة السورية لقتل الحريري ومن ثم تدمير البنية التحتية اللبنانية وإضعاف قدرات المقاومة في لبنان بعد فشلهم بإفنائها في حرب تموز، وتقييد قدرات حماس واختراقها من خلال العدوان على غزة. فإذا كان خبراء العالم في السياسة والاقتصاد يقرون بتسخير الولايات المتحدة لكل ما هو متاح من دجل وعلوم قديمة وحديثة وحروب نفسية وإعلامية وأداوت عسكرية وغير عسكرية قذرة ومنافية للأخلاق والإنسانية في سبيل تحقيق غاياتها، وأنها قبل أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وصلت إلى ذروة المنفعة الحدية للصعود وهي في بدايات طريقها للتآكل من الداخل ومتابعة مسير منفعتها الحدية نزولاً نحو الهاوية نتيجة عدم وجود عدو لها إبان تفكك الاتحاد السوفيتي ،ساعدها ذلك على توحيد جهودها وعمل تعبئة جماهيرية لمواجهته، فإننا ندرك تماماً أن الكوبوي الأمريكي قد أحسن ترجمة الأفعال وصناعة الأحداث حتى يخرج من ورطته ويُطيل فترة بقائه في القمة.
وإذا ما قارنا العقلية الصهيونية في احتواء الحدث الخطير وتسخيره لمصلحتها كما في يوم 14 شباط (فبراير) فإننا نكتشف فعلياً خطورة الكوبوي الأمريكي في التجهيز لأحداثه واحتواء أثارها، فيوم 14شباط هو بمثابة يوم الأرض بالنسبة للجولان المحتل، حيث أعلن أهل الجولان العربي السوري إضراباً شاملاً رفضاً لضم الجولان إلى الكيان الصهيوني الغاصب وأعلنوا تمسكهم بالهوية العربية السورية، ولم تستطع كل محاولات الاحتلال أن تثنيهم عن موقفهم هذا، فإننا ندرك الاهتمام البالغ للشباب في العالم في الآونة الأخيرة بيوم الفالنتاين وهو اليوم نفسه في التقويم الميلادي، ومحاولة استبدال يوم الهوية والأرض العربية بعيد للحب والتسامح والفرح، ومن ثم محاولة إخفاء قيمة هذا اليوم من خلال جعله تأريخاً جاهلياً معلنا لجماعة سياسية في الأرض العربية، نتيجة مقتل رفيق الحريري في هذا اليوم، فأصبحنا الآن نجد 14 شباط(فبراير) يوم الحب والهوى، ويوم مقتل الحريري والآن أصبح لدينا جماعة تطلق على نفسها جماعة 14 شباط واعتصام 14 شباط.
وبالعودة إلى أحداث 11 أيلول (سبتمبر) فإن اختياره يُدّعم فرضنا الذي أوردناه أعلاه خاصة إذا ما نظرنا إلى الأحداث السياسية في هذا اليوم عبر التاريخ، انطلاقاً من قصف بريطانيا لبيروت لإرغام محمد علي باشا على ترك سوريا، وبداية الاحتلال الانكليزي لمصر، واندلاع معارك القدس الكبرى، وغزو القوات الإيطالية لمصر أثناء الحرب العالمية الثانية، وإعلان النازية الحرب على الولايات المتحدة، وأحداث أيلول الأسود بين منظمة التحرير الفلسطينية والجيش العربي الأردني، والتوقيع على اتفاق أوسلو الذي ساعد في إضعاف المقاومة الفلسطينية نتيجة إقصائها للدور العربي المباشر في تحرير فلسطين والقدس، وخطاب بوش الأب الذي هدد فيه باستخدام القوة كإنذار لحرب الخليج الثانية. الأمر الذي يؤكد دقة اختيار الولايات المتحدة الأمريكية لهذا اليوم، والذي تم البناء عليه بشكل كبير في الأحداث اللاحقة له والأحداث التي تحدث الآن في المنطقة العربية وسورية.
لقد شكل هذا اليوم معيار الحرب على الإرهاب وفق المنظور الأمريكي المعولم، وضمن نطاق أصغر الحرب على المسلمين الذين صنعت منهم الولايات المتحدة الأمريكية إرهابيين، وحققت غاياتها وأهدافها من خلالهم، وما إن انتهت منهم حتى أوجدت بديلاً لهم وتخلصت منهم، وبدأت باستثمار مخرجاتهم فكان لها ما أطلق عليه الربيع العربي الذي حقق نجاحات باهرة لها قبل أن يصطدم بعقبة الصمود السوري والنضج السياسي في التعاطي مع الحدث.
الأمر الذي أعاد هذا التاريخ 11 سبتمبر (أيلول) إلى واجهة صناعة الحدث الأمريكي، بعد أن أثبتت تجربة إعدام أمريكا للرئيس العراقي في يوم النحر(عيد الأضحى) نظرية التفوق الأمريكي في الحرب النفسية ضد العرب والمسلمين.
ولا أدري إذا كان اختيار أمريكا لهذا اليوم هو من باب المصادفة باعتباره يوم ولد الرئيس السوري الذي لا يزال إلى الآن يُفشل المخططات الأمريكية في المنطقة والعالم، لكن الأكيد أن اختياره لشن هجوم واسع وشامل من قبل الإرهابيين الذين تدعمهم الولايات المتحدة الأمريكية على الجيش العربي السوري والعاصمة دمشق وعلى أكثر من جبهة كبيرة ومتفرقة ليس مصادفة، خاصة بعد أن أعلنت العديد من المواقع البحثية الالكترونية والباحثين أن العاصفة الرملية التي أصابت المنطقة عموماً وسورية على وجه الخصوص أثناء هذا الهجوم الكبير الذي أطلق عليه مسميات مختلفة كانت عاصفة موجهة بفعل التكنولوجيا الحديثة، وأن الإرهابيين كانوا مزودين بأدوات تساعدهم على تسخير العاصفة لخدمتهم تم كشفها إثر سقوط المطار قرب مدينة إدلب، والآلة الإعلامية الغربية قد أحسنت تعبئة شعوب العالم بطريقة قذرة ضد سورية باستجداء عطفهم إثر الترويج لموت الطفل السوري أثناء هجرة السوريين إلى أوروبا.
لقد منيت صناعة الكوبوي الأمريكي في الفشل في سورية هذه المرة، ولعل أحداث ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2015 لن تكون وفق الهوى الأمريكي، وقد بدأنا نلمس نتائج انهزامها، ونأمل أن تستمر هزيمتهم على هذا النحو وأن لا يتمكنوا من إلهاء العالم عن هذه الهزيمة التي لحقت بهم.
عشتم وعاشت الجمهورية العربية السورية قلب العروبة النابض
التعليقات مغلقة.