ديبلوماسية طهران الصامتة

 

الأردن العربي – كتب حبيب فياض ( السبت ) 19/9/2015 م …

تعمل إيران في الكواليس، من خلال ما يمكن تسميته الديبلوماسية الصامتة، على فتح الطريق نحو حلول لأزمات المنطقة، بشكل مواز لجهودها الواضحة من خلال ديبلوماسيتها المعلنة. العمل على إيجاد هذه الحلول ينبع، بحسب الرؤية الإيرانية، من ضرورات وقف حروب الاستنزاف وإعادة تعويم الأولويات، إلى جانب عدم الإخلال بالمفاهيم، ومنع أي انزياح في مسارات الصراع مع العدو الإسرائيلي. ولعل كلام قائد الثورة عن زوال إسرائيل خلال الـ 25 سنة القادمة لا يندرج في إطار الحرب النفسية أو البروباغاندا الإعلامية، بمقدار ما يعبر عن أولوية الأجندة الإيرانية، وإصرار طهران على تحويلها إلى خطة عمل ناجزة.

وبخلاف ما يروجه البعض من أن المرونة الإيرانية مع الآخرين، من الممكن أن يصل مداها يوما إلى تل ابيب، فإن المسار المرن الذي تتبعه طهران لحل أزمات المنطقة يهدف، على ما يبدو، إلى خلق بيئة تتيح لها التفرغ لمعاداة إسرائيل. من هنا، تنشط طهران إقليميا عل.ى أكثر من مسار، وفق أجندة تهدف بالعمق إلى إعادة تظهير الصراع مع إسرائيل كأولوية قائمة بذاتها ومتقدمة على غيرها من الملفات.

طهران تتحرك ديبلوماسيا في الإقليم بهدف وضع أزمات المنطقة على سكة الحل بالاستناد، أولا، إلى انتقال العلاقات مع موسكو من حال التفاهم الى التحالف الوطيد، وثانيا من خلال الاعتراف ان لا أفق لأي تسوية من دون اعتماد سياسات مرنة مع واشنطن وسحب نتائج التفاهم النووي على التعاطي مع الملفات الأخرى، وثالثا عن طريق تكثيف الجهود للتفاهم مع تركيا والمملكة السعودية بوصفها (طهران) تشكل معهما ثلاثي الاستقرار في المنطقة. هذا من دون أن يغيب عن الديبلوماسية الايرانية، رابعا، العمل على تظهير الارهاب التكفيري كخطر يستهدف الجميع وصولا إلى تبني رؤية مشتركة لمواجهته.

التحالف الايراني مع روسيا يهدف الى تثبيت الحلفاء ميدانيا وعدم السماح بحصول انهيارات مفاجئة في ربع الساعة الأخير قبيل انطلاق مسار المفاوضات، كما يهدف سياسيا إلى تبني رؤية موحدة للحل، خاصة في ما يتعلق بالأزمة السورية. أما بالنسبة للديبلوماسية المرنة التي تتبعها طهران مع واشنطن، فإن الهدف منها وضع هذه الأخيرة في بيئة تفاوضية مشابهة لظروف انتاج التفاهم النووي، وذلك على قاعدة أن الحرب هي البديل عن الحوار على ملفات المنطقة، وان واشنطن التي لم تتردد في التفاهم مع الايرانيين لحل مشكلة ايران النووية، من المفترض أن لا تتردد في التفاهم معهم أيضا لمواجهة خطر الارهاب الذي يتهدد الجميع.

الإصرار الإيراني على إحداث خروقات ديبلوماسية على جبهتي تركيا والسعودية، ينبع من قناعة إيرانية بأن لا بديل عن التفاهم لحل أزمتي سوريا واليمن. الصراع الإقليمي غير المباشر بين طهران وأنقرة يكاد ينحصر في الساحة السورية، مع حرص الجانبين على عدم توتير العلاقات الثنائية أو نقل الصراع إلى ملفات أخرى. فيما الصراع بين طهران والرياض يتوزع على امتداد الاقليم بمختلف أزماته، حيث أن وصولهما الى مرحلة التفاوض على الملفات يحتاج أولا إلى ايجاد إطار تفاهمي عام يتيح لهما اختزال حالة التناقض الإقليمي التي تحكم العلاقات بينهما.

 

تفيد المعلومات أن طهران مستعدة للتعامل مع أزمتي سوريا واليمن وفق معايير موحدة، على قاعدة إنشاء شراكة رعائية مع أنقرة لإدارة الملف السوري وأخرى مماثلة مع السعودية على المستوى اليمني، وذلك وفق مسلمتين: العمل المشترك على مواجهة الارهاب، والعمل على إعادة تشكيل السلطة بالشراكة بين المكونات كافة على أن تبقى الكلمة الفصل في تعيين رأس الدولة لانتخابات شفافة ونزيهة.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.