الأسد : حقا تغيرتم! ..دعوا الثقة جانبا ..لنحارب الإرهاب سوية / م. ميشيل كلاغاصي
م. ميشيل كلاغاصي ( الأحد ) 20/9/2015 م …
في الوقت الذي يدعي البعض مواقف جديدة من الأزمة السورية, و تراجع البعض الآخر عن مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد, عبر فتاوى سياسية لم تقنع سوى مطلقيها.. و مع تصاعد الإرهاب و تفاقم مشكلة اللجوء و الهجرة , يبقى الجيش العربي السوري القوة الوحيدة و القادرة على مواجهة الإرهاب و إلحاق الهزائم بمرتزقته و من ورائهم مشغليهم .
ففي خضم الحديث عن الحل السياسي , و صمود الدولة السورية , و ثبات الحليف الإستراتيجي الروسي , الذي لم يكن ليفوت فرصة غروب الشمس ليوم واحد دون التأكيد على الدعم الكامل و المطلق للدولة السورية و لشخص الرئيس الأسد , و للتأكيد على أن سورية هي الخط الأحمر الذي لا يمكن تخطيه .
إذ أثار تزويد دمشق بالأسلحة اللازمة غضب وحفيظة البعض , فراحوا يتحدثون عن مخاوف من إسقاط دمشق و تحولها إلى دولة داعشية !! فيما أوصلت ” دموع ” البعض إلى ضرورة تغيير مواقفه.. تحت ستار الفشل العسكري و السياسي.
فقد شهدت الأيام الأخيرة حربا إعلامية عنيفة, رصدت المخاوف و الهواجس والتشكيك بالنوايا, وتحدث البعض على لسان البعض الآخر و فسر مواقفه بما يناسبه.. كان من الضروري أن للرئيس الأسد أن يتوجه إلى العالم العاقل و المتعقلين الجدد, ليختبر النوايا, و يحدد طريقة العمل للمرحلة القادمة, بعيدا عن التصريحات و الحروب الإعلامية غير المفيدة.. و أراد أن يكون الحديث واقعيا .. فطالب الجميع بالإبتعاد عن الثقة الشخصية, و الإلتفات إلى اّليات العمل الصادق , و الانضمام للتحالف مع سورية , و إخراج العقرب قبل أن يلدغ صاحبه . و أن يكون التحالف حقيقيا ً و ليس وهميا ً في مكافحة الإرهاب.. واستعراض جردة المواقف السابقة و الحالية الثابتة للدولة السورية منذ اليوم الأول للحرب عليها , و كأني به أراد إعادة تذكير وفود المتعقلين بما فاتهم,و لم يتمكنوا من سماعه بسبب ضجيج أحلامهم بسقوط الدولة السورية .
في الوقت الذي رسم الحضور العسكري الروسي العلني و المتجدد في سورية – وفي هذا الوقت بالذات – صورة غامضة لدى البعض ، وجعلتهم يتسائلون عن الغاية و تداعيات هذا الحضور ومدى تأثير ذلك على الواقع الميداني و السياسي , وما يشكله من مظلة أمان إضافية للرئيس الأسد .
إن تعزيز القاعدة البحرية الروسية في طرطوس ، يشكل ترسيما جديدا فيما يعتقد الأميركيون أن الوضع في سوريا أصبح شديد الخطورة، وأن دمشق لن تصمد طويلا ، وأنهم يريدون أن يتداركوا الأمور و ” قبل أن نصل إلى مرحلة نجد فيها أن المشهد الليبي قد تكرر مجددا في سورية “.. يعلن الروس أن ” بشار الأسد خطا أحمر.. ولا تسوية من دونه”، و أعدوا أنفسهم لشتى الاحتمالات، وكيفية مواجهتها.
مع ارتفاع منسوب القلق الروسي من وصول أعداد كبيرة من الشيشانيين والقوقازيين إلى الشمال السوري عن طريق تركيا، بالتنسيق مع العديد من الجهات الدولية .. وعلى الرغم من فشل المجموعات التكفيرية المسلحة في خمسة هجومات مركزة على الجنوب السوري ، إلا أن الروس شعروا أن ثمة مخططا أميركيا جديا يُدار في الخفاء ، الأمر الذي دفعهم لإتخاذ القرار بسرعة التحرك وتقديم الدعم الميداني والمعنوي واللوجستي للسوريين .
و إذ يؤكد الروس و السوريون أن التواجد العسكري الروسي قديم – متجدد و ينحصر بالخبراء و المدربين العسكريين كي يدربوا السوريين على استخدام الأسلحة الجديدة , أن قرار إنشاء قاعدة عسكرية كبيرة غير مطروح حاليا ً .. لكنه ممكن.
و مع ذلك يبدي الروس حسن النوايا و يؤكدون سعيهم لحماية الدولة السورية ، لتفادي وقوع – كارثة تامة – في سورية . وأشارت الخارجية الروسية إلى استعدادهم ” لتقديم معلومات عن التعاون العسكري مع سورية للولايات المتحدة الأميركية ” .
إن قناعة الروس بفشل التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا , يجعلها تتخوف من استمراره و بدء فرنسا و بريطانيا و استراليا بالطلعات الجوية و إدعائها توجيه الضربات لتنظيم ” داعش” ؟؟ و بشكل غير قانوني !! يجعلها تبحث عن إطار جديد تحت المظلة الأممية لتشكيل تحالف إقليمي قانوني يحظى برؤية موحدة و هدف وحيد هو محاربة الإرهاب مدعوما بموافقة الدولة السورية و بطلب منها .
وهذا ما سعى إليه الرئيس بوتين إذ وقال بوتين خلال قمة دوشانبي لمنظمة الأمن والتعاون الجماعي التي تضم بالإضافة إلى روسيا ست جمهوريات سوفياتية سابقة (بيلاروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان وقيرغيزيستان وأرمينيا) أن الوضع مقلق للغاية بسبب سيطرة ” داعش ” على أجزاء واسعة من سورية والعراق و ” تمدد نفوذه إلى مناطق أخرى “. و أن خطر ” داعش وصل إلى أفغانستان حيث يُهدد الفراغ الحاصل بعد مغادرة الجزء الأعظم من القوات الدولية بتمدد نشاط الإرهابيين وعودة كثيرين منهم إلى روسيا وبلدان الرابطة “، مشيرا ً أمام القادة الذين تجمعهم مخاوف من تردي الوضع في أفغانستان، إلى ضرورة دعم جهود روسيا في سورية لـمواجهة الإرهاب. و دعاها إلى ” الإنضمام لجهود موسكو في دعم الحكومة الشرعية لمواجهة الإرهاب “.
وفيما ربط الرئيس بشار الأسد أي حل في بـهزيمة الإرهاب، تمسكت الحكومة الفرنسية برفض أي تسوية معه معتبرة ذلك ” خطأ أخلاقيا وإستراتيجيا “، في ظل جدل فرنسي داخلي في شأن التعامل معه.
وفي تطور لافت للموقف الروسي الذي كان يقوم على ربط مساري مكافحة الإرهاب والتسوية السياسية، وما وُصف من جانب خبراء روس بأنه ” أمر واقع جديد “، إذ يقول بوتين إن حشد الجهود لمواجهة الإرهاب بالتعاون مع الحكومة السورية يُعد أساس التسوية السياسية وحل أزمة اللاجئين .
وكرر بوتين إشارة كان أعلنها سابقا ً أن ” الأسد مستعد للتعاون مع معارضة سليمة يتقاسم معها إدارة السلطة “، مقرا ً بضرورة ” إجراء إصلاحات على الهيكلية السياسية ” في سورية.. الأمر الذي أكده الرئيس الأسد في حديث إلى وسائل إعلام روسية: ” يمكننا أن نصل إلى إجماع.. ولكن لن يمكننا القيام بشيء ما لم نهزم الإرهاب في سورية “.
لا يمكن فهم موافقة الإدارة الأمريكية حيال قيام موسكو بتنفيذ ضربات جوية ضد داعش إلا من خلال توريطها بنفس النغمة و الفوضى و الاستمرار بخرق السيادة السورية , و طالبتها ب ” المشاركة البناءة ” مع التحالف الدولي الذي يقاتل ” داعش ” في سورية بدلاً من زيادة وجودها العسكري هناك .. الأمر الذي لطالما حذرت منه دمشق وطالبت – اليوم – فرنسا و بريطانيا و استراليا بضرورة احترام قرارات مجلس الأمن وخاصة القرارات رقم 2170 و2178 و 2199 التي شددت جميعها على أهمية احترام الدول لوحدة وسيادة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية” وطالبتها بوقف كل هذه الانتهاكات والتفسيرات الخاطئة للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
في حين أعلن رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالس أن بلاده عازمة على توجيه ضربات جوية ضد مواقع ” داعش ” في سورية , مشددا ً على أن ذلك ينطلق من ” مبدأ الدفاع عن النفس ” ضد الإرهاب. وأكد أن فرنسا ستعمل بـ ” استقلالية تامة ” في اختيار أهدافها وأن من غير الوارد ” أن نساهم بذلك في تعزيز نظام ” الأسد, واعتبر أن وضع قوات على الأرض في سورية ” غير واقعي “، وأنه بمثابة ” فخ ينصبه الجهاديون لتوريطنا بحيث نصبح قوة احتلال مزعومة ” .. ورأى أن نفوذ ” داعش ” تنامى نتيجة تصرفات الأسد و «لا يمكن أن يكون الحل» ولا مجال ” لأي مساومة أو تسوية معه لأن هذا يمثّل خطأ أخلاقيا ً وسياسيا ً واستراتيجيا ً “.
و أخيرا …. لن تنحج مساعي واشنطن في خداع العالم و إقناعه بحربها على داعش .. و أن سيرها على محورين متوازيين في محاربة الإرهاب, و تخوفها من استباحة التنظيمات الإرهابية أرض سورية في حال سقوطها… هو مجرد هراء و خداع, فهي لا تجد بديلا ً عن إسقاط الدولة السورية.. و من ثم استعراض قوتها و حصدها كل النتائج ” الأخلاقية ” في القضاء على التنظيمات الإرهابية والإستراتيجية في تقسيم المنطقة , و دحر الروس عن القمة العالية التي اعتلتها من بوابة الأزمة السورية , و رسم خريطة المنطقة وفق منظورها و هدفها في السيطرة على العالم , بعد ضمانها و بشكل نهائي أمن و أمان ” دولة إسرائيل ” , أن تضع القضية الفلسطينية في مهب الريح و الضياع .. و تتفرغ لتصفية حسابها مع حزب الله و الدولة الإيرانية, و تقترب أكثر فأكثر من محاصرة الحليف السابق – العدو الحالي دولة روسيا العظمى… عندها فقط تتمكن من إركاع العالم , و تحافظ على قطبيتها و مكانتها و سمعتها و عنجهيتها , و تضع النهاية ” السعيدة ” للحرب العالمية الرابعة .
التعليقات مغلقة.