ما هي الليبرالية الجديدة؟ What is Neoliberalism? by Elizabeth Martinez and Arnoldo Garcia
ترجمة: د. عدنان عويّد ( سورية ) الجمعة 8/11/2019 م …
“الليبرالية الجديدة”, هي مجموعة من الخطط الاقتصادية التي أصبحت واسعة الانتشار مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين, وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية, حيث بدأ المهتمون يتلمسون نتائجها وتأثيراتها هنا, من خلال تلك الظاهرة الاجتماعية المرعبة, وهي زيادة غنى الغني وفقر الفقير, رغم أن العالم قليلا ما سمع عن الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة. هذا وأن الليبرالية الجديدة استطاعت أن تعبر أيضا في تطبيقاتها العملية والفكرية إضافة إلى المسائل الاقتصادية, عن المسائل السياسية والدينية أيضا, ففي الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الليبرالية السياسية, موقفا استراتيجيا قائما بذاته في منع الصراعات الطبقية/الاجتماعية, وهي تحاول أن تقدم في مشروعها الفكري النظري الفقراء والطبقة العاملة, كمعادل تقدمي تجاه التيار اليميني المحافظ, بينما نجد في الممارسة غير ذلك. أما الحرية الاقتصادية, فموقف السياسيين الليبراليين المحافظين تجاهها هو موقف مختلف, على اعتبار أن لا مشكلة لديهم مع الليبرالية الاقتصادية وخاصة في شكلها الليبرالي الجديد, الذي يعمل على قطع العلاقة نهائيا ما بين السوق والدولة, والحد كثيرا من الطموحات الايجابية لدى الليبرالية (الاقتصادية), وخاصة في موقفها من تدخل الدولة في فترة ما بين الحربين, وأثناء الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين, تجاه مساندة أفراد المجتمع والتخفيف من مشاكلهم بشكل عام .
إن الليبرالية (الاقتصادية) في الحقيقة أصبحت أكثر شهرة, منذ بداية طرحها في بريطانيا, مع الاقتصادي المشهور “آدم سميث”وبعض من ناصروا عدم تدخل الدولة في الأوضاع الاقتصادية, ورفض وضع القيود على المانيفاكتورات, أو الحواجز وفرض الضرائب على التجارة من قبلها. حيث يعبر عن هذا التوجه آدم سميث بقوله: (إن التجارة الحرة كانت الطريق الأفضل لتقدم اقتصاد الأمة, وأن تطبيق الفردية شجع المشروع الحر, والمنافسة الحرة… التي جاءت أصلا بهدف حرية الطبقة البرجوازية من أجل تحقيق منافع كثيرة لهم ووفقا لما يريدون هم.).
أما في أمريكا فقد راحت الليبرالية الاقتصادية تسود منذ القرن الثامن عشر حتى أواخر النصف الأول من القرن العشرين, غير أن أزمة عام/1929/أدت إلى ارتفاع بعض الأصوات التي راحت تطالب بضرورة مواجهة الليبرالية الاقتصادية من أجل الحفاظ على النظام البرجوازي والطبقة البرجوازية ذاتها, ومن بين هذه الأصوات كان صوت الاقتصادي المشهور”جان ماينارد كينز”(John Maynard Keynes ) الذي طرح نظريته المشهورة بـ (الكنزية), وهي نظرية أريد منها مواجهة تلك الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم آنذاك وأدت إلى قيام الحرب العالمية الثانية كما هو معروف, حيث يشير”كينز في هذه النظرية قائلا: في الجوهر, من أجل أن تنمو الرأسمالية,وتستطيع أن تنجز مهامها, من الضروري أن تتدخل الحكومات والبنوك المركزية في دعم الاقتصاد الوطني, وتأمين العمالة, وهذا ماتم فعلا, حيث حققت هذه الأفكار تأثيرا واضحا على الرئيس الأمريكي”روزفلت”, وشرعت أمريكا والعديد من الدول الأوربية التي أصبحت بسبب الحرب العالمية الأولى وأزمة/1929/ منهكة, وبذلك استطاعت أن تعيد التوازن والثقة للطبقة الرأسمالية ونظامها مع تحسين واضح لحياة العديد من الناس.
إن الاعتقاد الذي يقول, بأن الحكومة قادرة على تقديم الأشياء الجيدة للمجتمع, أصبح مقبولا آنذاك بشكل واسع. ولكن مع توالي الأزمات الاقتصادية وخاصة بعد حرب تشرين وارتفاع أسعار النفط, ثم أزمة الثمانينيات من القرن ذاته وما تلا هذه الأزمات من انكماشات في الإنتاج, وتقلص في نسب الأرباح, أثار لدى النخبة الرأسمالية المتضامنة الرغبة في إنعاش الليبرالية الاقتصادية, التي راحت بدورها ترتقي شيئا فشيئا إلى ليبرالية جديدة على السِلّم العالمي, وبخاصة مع تلك التحولات ذات الصبغة العالمية السريعة والعميقة التي انتابت الاقتصاد الرأسمالي, ومنحته صفة العولمة تحت ظل النظام العالمي الجديد.
سمات وخصائص الليبرالية الجديدة:
أولا: التأكيد على دور السوق الحرة: حيث تعتبر الليبرالية الجديدة أن تحرير أي مشروع مفروض من قبل الدولة, ليس مشكلة, مهما تكن طبيعة الأذى الذي يمكن أن تتركه عملية التحرير هذه على المجتمع, كما تعتبر أيضا, أن الانفتاح الكبير على التجارة العالمية والتوظيفات, كما الحال في/نافتا/, سيساعد على تخفيف الأجور, ويضعف وحدة أو تحالف العمال, وإلغاء حقوقهم التي ربحوها عبر سنين طويلة من النضال, ثم لا تعود الأسعار موجهة ومدروسة كثيرا, أو بتعبير آخر, الكل في الكل, هو الحرية الكاملة للتيار الرأسمالي, هذا ويؤكدون أن عفوية السوق هي أفضل وسيلة لزيادة النمو الاقتصادي التي سوف تخدم بشكل مطلق كل فرد من أفراد المجتمع.. ولكن بطريقة لن يعطي فيها الغنى كثيرا من خيراته للفقراء كما سيبدو لنا.
ثانيا:إلغاء النفقات العامة من أجل المجتمع:
1- الخدمات: وتمثل هنا, التربية, العناية الصحية, شبكة الأمان للفقراء, صيانة الطرق والجسور, التزود بالمياه … الخ, فالليبرالية الجديدة تقف ضد دور الحكومة في تقديم المعونات في مجال هذه الخدمات للمواطنين, بينما هي لا تمانع أن تقوم الحكومة في تقديم المعونات للصناعات البرجوازية من فوائد الضرائب وغيرها.
2- تحرير التجارة: هي تطالب بأن تكون التجارة حرة من أي قيد يمكن أن يفرض عليها من قبل الحكومة, كما تدعو الحكومة إلى تخفيف أو إلغاء أي إجراء من قبلها يساعد على إضعاف الأرباح, حتى لو كان الأمر يتعلق بحماية البيئة, أو العمالة.
3- الخصخصة: هي تطالب ببيع المشاريع الكبيرة والهامة التابعة للدولة, من مصانع, ومشاريع خدمية وغيرها, للقطاع الخاص, وهذه المشاريع تتضمن, الصناعات الرئيسة, البنوك, السكك الحديدية, ضريبة الطرق الرئيسة, الكهرباء, المدارس, المستشفيات, وحتى المياه النقية.. الخ, وتأتي كل هذه المطالب عادة تحت أسم من أجل تحقيق الكفاءة العالية التي غالبا ما تكون ضرورية بالنسبة لها في طبيعة الحال. هذا وأن الخصخصة حققت بالدرجة الأولى تركيز الثروة في أيدي القلة, التي راحت بدورها تعمل على تحديد أجور العمالة وفقا لمصالحها.
4- إلغاء مفهوم الجمهور أو العامة: تسعى الليبرالية الجديدة إلى تمييع أي دور لمسؤولية الكتل الاجتماعية, ومحاولة مركزة المسؤولية في الفرد كسمة عامة لنشاط وطموح المجتمع, لذلك كثيرا ما يمارسون الضغط على الناس الفقراء من أجل أن يقوموا هم أنفسهم في البحث عن الوسائل أو الطرق التي تساعدهم على تأمين حاجاتهم الصحية والتعليمية وأمانهم الاجتماعي, ثم توجيه كل اللوم لهم في حال عجزوا عن تحقيق ذلك, ووصفهم بالكسالى.
إن أهم ما يميز سمات الليبرالية الجيدة هو, تبنيها من قبل مؤسسات مالية قوية مثل صندوقي النقد الدولي (imf), وصندوق البنك الدولي للإعمار والتنمية, ومنظمة الجات العالمي .. الخ, ومحاولة نشر وتسييد أنموذجها عالميا من خلال هذه المؤسسات المالية, هذا وقد كانت أمريكا اللاتينية أول ضحايا هذه الليبرالية الجديدة, حيث اعتبرت (تشيلي) الدولة الأسبق في هذا الاتجاه, والشكر يعود طبعا لمن سيّد هذا الأنموذج، وهم جامعة شيكاغو, والاقتصادي”ميلتون فريدمان”, والمخابرات المركزية الأمريكية التي كانت وراء الانقلاب الذي أطاح بالنظام السياسي لـحكومة “الليندي”المنتخب من الشعب عام/1973/, ثم تلت الشيلي فيما بعد الكثير من الانقلابات في العديد من دول أمريكا اللاتينية, إلا أن التأثير الأكثر سوءاً لليبرالية الجديدة كان في دولة”المكسيك”, حيث راحت الأجور تنحدر إلى ما بين 40% و 50%, في العام الأول من نشاط منظمة التجارة العالمية,/نافتا/, بينما تكاليف الحياة ارتفعت حتى 80%, يضاف إلى ذلك أن ما يقارب/20000/مشروع صغير ومتوسط قد فشلت وتوقف نشاطها, وأكثر من/1000/مشروع خاص بملكية الدولة (قطاع عام), قد خصص في هذه الدولة, ونتيجة لهذا الانحدار المخزي راح يعلق أحد الباحثين حول ذلك قائلا: إن (الليبرالية الجديدة) هي وسائل للاستعمار الجديد, تهدف إلى استعمار أمريكا اللاتينية).
أما في الولايات المتحدة الأمريكية, فقد استطاعت الليبرالية الجديدة أن تحطم برامج”دولة الرفاه”, ومهاجمة حقوق العمال بما فيها حقوق العمال المهاجرين, وكذلك استطاعت تخفيض البرامج الاجتماعية, وبخاصة ما يتعلق منها بحماية الأطفال والشباب والنساء, بل الكوكب نفسه الذي نعيش عليه.. كما يحاول دعاتها خداعنا لنقبل بالقول إن كل ما تقوم به الليبرالية الجديدة سوف يبعد الحكومة عن كاهلنا.
عموما نقول: إن الليبرالية الجديدة, لن تحقق الفوائد إلا للقلة القليلة في هذا العالم, بينما هي سببت كل الدمار والعذاب للأغلبية الساحقة من شعوب العالم.
كاتب وباحث من سورية.
التعليقات مغلقة.