مقال هام جدا للكاتب الطاهر المعزّ … بوليفيا، انقلاب طَبَقِي رجعي وعنصري

نتيجة بحث الصور عن بوليفيا

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 14/11/2019 م … 

نتيجة بحث الصور عن موراليس بوليفيا الرئيس موراليس




أعلن الرئيس البوليفي المُنْتَخب “إيفو موراليس” يوم الأحد 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، إجراء انتخابات جديدة، اجتنابًا للعنف ولحرب أهلية، إثر الإحتجاجات التي تواصلت لفترة شهر كامل، واستغلت مجموعات الجريمة المنظمة المدعومة من “الأوليغارشية” (أقلية الأثرياء) ومن الجيش، هذه الإحتجاجات، لنهب وحرق مباني حكومية، وممتلكات عامة، وكل ما يرمز إلى سيادة الدّولة، وأَصَرّت قيادات الجيش وأرباب العمل، والأثرياء على إقالة الرئيس، الذي قَدّم استقالته بالفعل، ولجأ إلى المكسيك، بعد تهديدات أمريكية مباشرة، وبعد أعمال إرهابية ضد أُسْرَتِهِ، ويمكن وصف ما حصل يوم الأحد 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بالإنقلاب الإستعماري، أو محاولة لإعادة التاريخ إلى ما قبل 1809 (بداية حرب الإستقلال) و1825 (تاريخ الإستقلال عن إسبانيا)، بعد حوالي خمسة قرون من الإستعمار، غير أننا اليوم في مرحلة أو عصر الإمبريالية، التي تقودها الإمبريالية الأمريكية، التي قد لا تستعمر البلدان عسكريا، فدرّبت (الولايات المتحدة) وسلّحت وموّلت مليشيات ومجموعات إرهابية في مجمل بلدان أمريكا الجنوبية، كما في أفغانستان وسوريا والعراق وغيرها، ودعمت الإمبريالية الأمريكية، سياسيا وإعلاميا وعسكريا، الرئيس اليميني المتطرف “بولسونارو” في البرازيل، وزملاءه في الأرجنتين وتشيلي، وكولومبيا، وغيرهم، وشنت الولايات المتحدة الحرب السياسية والإقتصادية والإعلامية (إضافة إلى التخريب) ضد الحكومات “التّقدّمِية”، من كوبا إلى البرازيل، مرورًا بفنزويلا والأرغواي وبوليفيا، على مَرّ العقود، كما حاربت الإمبريالية الأمريكية حركات السكان الأصليين، أما في بوليفيا، فإنها تستهدف أيضًا الغاز و”الليثيوم”، إذ تَضُمُّ بوليفيا أكبر احتياطي عالمي…

 

يظهر الطابع الطّبقِي للإنقلاب، في بيانات الإنتصار الأمريكية، وفي بيانات نقابات أرباب العمل، وفي الدّعم الذي استفاد منه قائد الإنقلاب “لويس فرناندو كاماتشو”، كرمز للبرجوازية، من فئة الأثرياء العنصريين (ضد السكان الأصليين وضد النساء) ومن الدّعمين للإستعمار، فهو محامي ورجل أعمال من أثرى أثرياء البلاد، من منطقة “سانتا كروز”، التي تحتضن البرجوازية البيضاء (من أصل أوروبي)، وتتركز بها المُعارضة البرجوازية الرجعية و”المُحافظة”، وتُعتَبَر منطقة “سانتا كروز”، موطنًا المعارضة الفاشية، وذراعها المُسلّحة، التي اعتبرها الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان “مجموعة شبه عسكرية استهدفت السكان الأصليين بالقتل والخطف والتعذيب، واستهدفت النساء المُناضلات والنقابيين”، ويُعتبر “لويس فرناندو كاماتشو” من المُتدّيِّنِين الأُصُولِيِّين المرتبطين بالكنيسة الإنجيلية، التي لم تكن موجودة في أمريكا الجنوبية، ونشَرتها وكالة المخابرات الأمريكية في العديد من بقاع الإعلام، من أوكرانيا إلى جنوب إقريقيا وبعض البلدان العربية، من بينها الجزائر، وفي آسيا وأمريكا الجنوبية، وأعلن “كاماتشو” في عدة مناسبات معارضته للرئيس “إيفو موراليس”، لأنه يقف إلى جانب الفُقراء، ولأنه من السكان الأصليين (وهي سابقة تاريخية في بوليفيا التي حطمت الرقم القياسي العالمي في عدد الإنقلابات العسكرية)، وأعلن “هذا ليس وطن الهنود، بل وطن المسيحيين، الذي يجب أن يقودوا البلاد…”، أما المليشيات التي يدعمها الجيش والولايات المتحدة، ويقودها سياسيا وعقائديا أثرياء البلاد، ومن بينهم الإنقلابي “كاماتشو”، فإنها بثت العُنف والرّعب، خلال الإحتجاجات الأخيرة، وخربت وأَحْرقت ممتلكات الدولة، ومزارع الفُقراء ومساكنهم، وقتلت وهدّدت بالقتل بعض رموز الزعماء للسكان المحلّيين، وأرسلت تهديدات بالقتل لبعض النقابيين والرموز التقدميين من الزعماء والسلطات المحلية، وأحرقت (بإشراف ضباط من الجيش) هذه المليشيات منازل العديد من التقدميين، والسكان الأصليين، ومن المناضلات المدافعات عن حقوق النساء، وقيادات النقابات العمالية (من بينها عمال المناجم)، وهاجمت وأحرقت منزل الرئيس “إيفو موراليس” ومنزل أخته وأفراد آخرين من عائلته، ونهبت أسواق الفلاحين الذين يبيعون إنتاجهم مباشرة (من المُنتج إلى المُستهلك، بدون وساطات)،  وهاجمت وخربت ونهبت السفارة الفنزويلية (بإشراف الجيش أيضًا)…

 

يمكن توجيه بعض النّقد إلى سياسات اليسار الذي حكم في بعض دول أمريكا الجنوبية، ومنها بوليفيا، لكن اليوم يُواجه الشعب في بوليفيا وفي فنزويلا وفي البرازيل وفي إكوادور وغيرها، تهديدًا امبرياليا و”فاشيا”، تقوده الولايات المتحدة من الخارج، والبرجوازية الكمبرادورية (التي ترتبط مصالحها مع الإستعمار والإمبريالية وشركاتها)، من الدّاخل، بالتحالف مع بعض الفئات العُليا من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، كما يواجه السكان الأصليون، وتواجه النساء والمنظمات النقابية والأحزاب التقدمية، خطر الإبادة واختطاف واعتقال واغتيال قادتها ومناضليها، ومن اللافت للإنتباه، بيان أصدرته العديد من المنظمات والشخصيات النسائية في أمريكا الجنوبية، منذ يوم السبت، التاسع من تشرين الأول/نوفمبر 2019 (قبل استقالة “إيفو موراليس”) يُندّد بالتدخل الإمبريالي، ويطالب بتضامن تقدميي العالم مع شعب بوليفيا، وشعوب أمريكا الجنوبية، ضد اليمين المتطرف الذي تدعمه الشركات متعددة الجنسيات والإمبريالية الأمريكية…

 

وجب التّذكير أن الشعب التشيلي يُطالب (من خلال الإضرابات والمظاهرات)، منذ عدة أسابيع، باستقالة الرئيس النيوليبرالي “بينيرا” وبإعداد دستور جديد، بدل الدستور الحالي المَوْرُوث من فترة حكم العسكر (1973 – 1990)، ولكن الدولة تمارس العنف والقمع، ضد المتظاهرين، حيث قُتل ما لا يقل عن عشرين متظاهر، وفق الأرقام الرسمية، حتى الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2019،  بدعم من الإمبريالية الأمريكية، ومن صندوق النقد الدّولي، وأشارت المنظمات التي تتضامن مع شعب بوليفيا، إلى حالات وفاة تحت التعذيب في تشيلي، وسجن واغتصاب واعتداءات جنسية، في ظل حالة الطوارئ وحظر التجوال، وهو وضع من شأنه تذْكير أصحاب الذاكرة القصيرة، بفترة الدكتاتورية العسكرية…

 

إن هذا الحدث (في بوليفيا) لم يكن بمعزل عن المناخ الذي تمت إشاعته في أمريكا الجنوبية، وفي بلدان أخرى أيضًا، وتزامن الهجوم الرجعي المُنظّم على النظام التقدمي في بوليفيا، بهجوم مماثل في فنزويلا، وبمناخ انقلابي في عدد من بلدان أمريكا الجنوبية الأخرى، ما يُشِير إلى مُخطّط مُحكَم ومخطط، ولم تُخْفِ الولايات المتحدة دعمها للإنقلابات العسكرية، وللفئات الأكثر رجعية من برجوازيات أمريكا الجنوبية، وأظهرت الإمبريالية الأمريكية عداءها للسكان الأصليين (الذي وقعت إبادتهم في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندة) وللمنظمات النقابية والنسائية في جنوب القارة، ولحركات حقوق الإنسان وللشعوب، بشكل عام، فيما تسمح الولايات المتحدة لنفسها بنقد حكومات روسيا وإيران والصين وفنزويلا وكوبا، وباتهامها بعدم احترام حقوق الإنسان…

 

من حق شعب بوليفيا، أو شعب فنزويلا وتشيلي، أو غيره، مناقشة ومعارضة أو تأييد سياسات حكومته، لكن الإمبريالية، وشركاتها التي تستغل الثروات، بدعم الجيش والفئات الأكثر رجعية، تتدخل بعنف لتحويل وجهة النقاش، وللإلتفاف على الحوار الديمقراطي الدّاخلي، كما تتدخل لوضع حد لنمط التنمية، عندما لا يتماشى من تعليمات صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ومصالح الشركات الإحتكارية العابرة للقارات، وهو ما حصل في كوبا وفي الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا وبوليفيا وإكوادور وغيرها، ولا يمكن فَصْل التّدخّل الإمبريالي في أمريكا الجنوبية، عن ما يحصل في الوطن العربي وفي آسيا وفي إفريقيا، ما يستوجب تَضامنًا أُمَمِيًّا فَعّالاً مع كل المُضْطَهَدِين والمُسْتَغَلِّين في العالم…  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.