فى ذكرى أربعين الأستاذ نور الشريف.. فيلسوف الفن ومبدعه.. / علا الشافعى
علا الشافعى ( مصر ) الإثنين 21/9/2015 م …
*نظر للمشهد الدنيوى بعيون “المتأمل”.. ورصد بشخوصه كيف نعيش ونجرى ونلهث ونموت ونخون ونحلم ونقتل ونفرح
فى الفيلم الرائع “all that jaz” للمخرج الأمريكى بوب فوس، والذى كان يتحدث عن فلسفة الموت وبهجة لا يعرفها إلا من يدرك تلك الفلسفة، من خلال رحيل مخرج كان يحلم بتقديم فيلم استعراضى رائع.. ولا يتخلى عن فكرة أن الموت سيأتيه كامرأة جميلة، وفى الاستعراض الأخير تتردد كلمات أغنية “الوداع يا حياتى، الوداع يا سعادتى، مرحبا بالوحدة، أشعر أنى أستطيع الموت الآن” وهى التيمة التى قدمها أيضا المبدع يوسف شاهين فى فيلم “حدوته مصرية”، وناقش فيها الموت من منطلق فلسفيا يليق باسم يوسف إدريس والذى شارك فى كتابة الفيلم، حيث رأى الموت كأنه حياة أخرى مشرقة، نور الشريف، أو يحيى شكرى بطل الفيلم، ولا أعرف لماذا أشعر أن الشريف يحاكى تماما بطلى الفيلمين “all that jaz” وحدوته مصرية، يقف فى مكان ما ينظر إلى المشهد الدنيوى.. حيث ما زلنا نعيش ونجرى ونلهث ونموت ونخون ونحلم ونقتل ونفرح ويضحك هو متأملا كل التفاصيل، متأملا حيوات كاملة وشخوصه التى لا تزال تعيش بيننا.. شخصياته الإبداعية والتى رسم تفاصيلها وتفنن تجسيدها على الشاشة فتحولت إلى لحم ودم شخوص تنبض بالحياة، وهموم الطبقة الوسطى.. من يجرؤ على نسيانها، شخوص تستطيع أن ترصد من خلالها حياة اجتماعية وسياسية كاملة، خصوصا وأنه فنان لا يكتفى بالتفسير السطحى للشخصيات والأعمال الدرامية لكنه يجتهد فى البحث حولها ورسم تفاصيلها مطعما إياه بمخزونه من التجارب الإنسانية وقراءة البشر.
ويبدو أن هذا هو ما ساعد نور على الانتقال من شخصية إلى أخرى بحرفية شديدة، فهو كمال عبد الجواد بطل “قصر الشوق” و”السكرية” ثم يكون بعد سنوات نور فى “زوجتى والكلب” ثم يوسف شاهين فى “حدوتة مصرية” وحسن فى “سواق الأتوبيس” وسيد فى “ليلة ساخنة” وجعفر الراوى فى “قلب الليل” وقبله كامل فى “السراب” والأستاذ فرجانى فى “آخر الرجال المحترمى”.. ويوسف كمال فى “البحث عن سيد مرزوق”، والذى يعد واحدا من أهم أعماله، والذى رصد واقعا سياسيا واجتماعيا شديد التراجع، حيث تقوقع اليسار بكل أطيافه حول نفسه وترك الساحة لغيلان الانفتاح.
وهناك أيضا شخصية طالب الطب إسماعيل التى قدمها نور الشريف فى فيلم “الكرنك” 1975، والذى استعرض بشكل صريح للنظام السياسى فى استخدامه لكل أنواع التنكيل والقهر ضد من يخالفه الفكر والرأى السياسى.
المخرج على بدرخان ونور هنا أسسا لسينما سياسية أكثر جرأة، وصاحب فيلم “الكرنك” ضجة كبيرة فى الوسط الفنى، وأرخ الفيلم لفترة سياسية، تعتبر من أهم فترات التاريخ السياسى المصرى (منذ الهزيمة فى 1967 وحتى حرب أكتوبر 1973، مرورا بحركة التصحيح فى 15 مايو 1971)، رغم أن البعض اعتبره تشويها لثورة يوليو، وحسن سواق الأوتوبيس، سيد سائق التاكسى فى ليلة ساخنة، شحاتة أبو كف لاعب الكرة القادم من الأرياف شديد الموهبة والذى لا يملك خبرة حياتية تذكر، جعفر الراوى فى “قلب الليل”، تلك الشخصية التى صاغها المبدع محسن زايد بعبقرية، كمال تاجر المخدرات فى العار بلزماتها الجدية، فى حركة الرقبة، والحوارية فى جملة صرنا نرددها فى مواقف بيننا “حقها ولا مش حقها”، والأستاذ فرجانى فى آخر الرجال المحترمين، وجابر عبد الغفار فى بئر الخيانة وناجى العلى.
شخصيات كثيرة متنوعة ومختلفة ما بين الشاب الرومانسى، الثورجى، الثائر، المنتقم، الأستاذ المحامى، المصور الصحفى، الرجل العصامى، لاعب الكرة، الفتوة، الفيلسوف، أينما نلتفت نجد صدى وظلا بل نورا لهذه الشخوص.
وتظل شخصية “حسن” التى قدمها الأستاذ فى “سواق الأتوبيس” أيقونة، والتى أجمع عليها المبدعين والفنانين الذين شاركونا فى إختيار أفضل شخصياته.
التعليقات مغلقة.