استشهاد أبو دياك وتراجيديا الأسر والاستشهاد / د. ابراهيم أبراش

نتيجة بحث الصور عن سامي ابو دياك

إبراهيم أبراش ( فلسطين ) – الثلاثاء 26/11/2019 م …




نتيجة بحث الصور عن ابراهيم ابراش د. أبراش

رحل الشهيد الأسير سامي أبو دياك صباح اليوم السادس والعشرين من نوفمبر في عيادة سجن إسرائيلي دون أن تتحقق أمنيته في رسالته لوالدته  :”لا أريد أن أفارق الحياة وأنا مكبل اليدين والقدمين ، وأمام سجان يعشق الموت ويتغدى ويتلذذ على آلامنا ومعاناتنا ” ، أمنية تبدو بسيطة وعادية ولكنها بالنسبة لأسير مصاب بمرض السرطان ومحكوم عليه بالسجن المؤيد قضى منها 17 عاماً ويتعرض للإهانة بل والموت البطيء كل يوم لمجرد أن يُصبح ويُمسى على وجوه سجانيه وجلاديه الكريهة وإذلالهم الممنهج الجسدي والمعنوي ،أمنية تعتبر ذات مغزى ومعنى كبير لا يدركه إلا من عانى الاعتقال لفترات طويلة وكل حر أبيّ .

الشهيد أبو دياك واحد من بين 222 أسيراً استشهدوا داخل سجون الاحتلال وأغلبهم بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي ،وواحد من عشرات الأسرى المصابين بأمراض خطيرة منهم الاخوين محمد ورمزي أبراش من مخيم الأمعري ،وعمر أبو الخرج وعكاوي وبسام السايح الخ ،وكان من بين 6500 أسير ما زالوا في سجون الاحتلال ،وحسب احصائيات رسمية فقد بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين دخلوا سجون الاحتلال منذ عام 1967 حتى مارس 2019 (1,000,000) مليون مواطن بينهم اطفال ونساء ونواب تشريعي ومعتقلين إداريين ،وهناك 56 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاما بشكل متواصل ، 26 أسيراً معتقلون منذ ما قبل اتفاقية أوسلو ، أقدمهم نائل البرغوثي وكريم يونس وماهر يونس .

الأسر والاستشهاد تراجيديا لازمت الشعب الفلسطيني طوال تاريخه المعاصر الممتد لأكثر من مائة عام ،ولكل أسير وشهيد قصة ورواية ما قبل وأثناء وبعد أسره أو استشهاده ،قصص تستحق التأريخ وأن تتحول لأفلام ومسلسلات تُترجَم لكل اللغات حتى يعرف العالم حقيقة العدو الإسرائيلي الذي يزعم أنه دولة حضارية وديمقراطية ،وفي نفس الوقت يطَّلِع العالم على عظمة الشعب الفلسطيني وتضحياته واستمراره ممتطيا صهوة جواد النضال والمقاومة ولم يترجل يوما طوال مائة عام  ،ولن يترجل حتى تحقيق الحرية والاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس .

الأسرى كالشهداء أشرف وأكرم الناس فينا ، لولا الشهداء والأسرى ما كانت قضية وطنية ولا مؤسسات وطنية ،وما أصبح الوزير وزيراً والقائد قائداً والمسئول مسئولاً ،وما كان لفلسطيني أن يرفع رأسه مفتخرا بذاته وهويته ،لولاهم ما كان العالم سمع بقضيتنا .

الشهداء والأسرى هم القادة الحقيقيون للشعب الفلسطيني ،وصفة مناضل يجب أن تذهب لهم لا لغيرهم ،ليس معنى هذا أن كل الشعب الفلسطيني يجب أن يكون إما شهيداً أو أسيراً ،فللنضال طرق وأشكال متعددة ،إلا أن قمة النضال والعطاء أن يُقدم المواطن على عمل وطني وهو يعرف أنه سيُعتَقل أو يستَشهِد ومع ذلك لا يتردد ولا يخشى الاعتقال أو الموت .

كل ما يمر به أسرانا وشعبنا الفلسطيني في مختلف مناطق تواجده على أرض الوطن وفي الشتات هو النتيجة الحتمية والصيرورة الطبيعية لشعب يناضل من أجل حريته ويرزخ تحت احتلال من أكثر ما مر على البشرية اجراماً ووحشية ،ولكن الأكثر إيلاماً أن نعايش تلك العذابات في ظل ظروف سياسية داخلية مزرية وتشعرنا بالعار مما آلت إليه الأمور  بين مكونات الطبقة السياسية من فرقة وتخوين وانقسام يتفشى كما تفشى السرطان اللعين في جسد الشهيد أبو دياك وغيره من الأسرى الذين ينتظرون  الموت في أية لحظة .

علينا الاعتراف بالعجز والإهانة أمام مطالب الأسرى البسيطة والأساسية في  معارك الإضراب عن الطعام ،حاجتهم لهواتف وأغطية مناسبة وتحديد فترات السجن الإداري  وحقهم في علاج ملائم وزيارة الأهل الخ ،وخلال تراجيديا الأسر والإضراب يسقط  منهم الشهداء ويدّهَم آخرون مرض يذكره بكل لحظة بعذاب السجن والبعد عن الأهل وبكل لسعة ألم من إهانة سجانيه وتفننهم في تعذيبه الجسدي والنفسي على مدار سنوات سجنه .

عجز وخجل يعترينا أمام كل  ما يدور حولنا من تراجع للزخم الذي كانت تمتاز به قضيتنا العادلة ، وأمام إنهاك المواطن ولهثه وراء مطالب الحياة اليومية ، وفشل القيادات السياسية ،وتراجع برامج المقاومة بكافة أشكالها ، وترجل أبو دياك مريضاً ومتوسلاً الجميع بأن يموت في حضن أمه ، إلا أن كل ذلك لم ولن يجعل مسار الأمور تأخذ منحى آخر في التعامل مع عديد من قضايانا الملحة من انقسام ومن انحدار وتراجع لمفاهيم الوطنية .الكل سينعى ويندد ويرفع الشعارات وما بعد أيام العزاء الثلاثة ستعود الأمور إلى العادية في انتظار أسير يسقط شهيدا  لنكرر نفس شعاراتنا وكلامنا الممجوج حول النضال وقدسية قضية الأسرى الخ .

قضية الأسرى كمثيلاتها من قضايا وطننا المكلوم بحاجة إلى وحدة وتوافق ومجابهة الاحتلال وممارساته ضمن استراتيجية توظف كل ما نملك إلى مخرز في كف اسرائيل يهددها ويقض مضجعها ،ويوصِل للعالم رسالة أن الأسير والشهيد والحي المحاصر والمريض الممنوع من العلاج  هم أبناء شعب يخضع للاحتلال ويمارس حقه المكفول في ممارسة كافة أشكال النضال لنيل حريته وليس كما يروج الكيان الاسرائيلي بأننا شعب ارهابي .

[email protected]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.