سيرة مناضلة … ليلى خالد: الأسطورة الفلسطينية الثائرة
مشاركة
الأردن العربي – الأربعاء 27/11/2019 م …
* إعداد جميلة صابر
ليلى خالد
الأسطورة الفلسطينية الثائرة
“أنا لست معادية للسامية، أنا معادية للصهيونية،
لن أقبل هذا الاحتلال أبدا، أرضي استعمرها أناس جاؤوا من مكان آخر، لذلك قررت في وقت مبكر للغاية حمل السلاح للدفاع عن أرضي“.
“عندي قضية نبيلة، أكثر نبلا مني، قضية من جرائها،
يجب أن تكون في مرتبة ثانية كل المصالح والاهتمامات الخاصة“.
“لا يمكن تقاسم الحرية أو تقسيمها،
لن يكون هناك سلام طالما يوجد صهيوني واحد على الأرض الفلسطينية“.
“إن المرأة هي التي تعطي الحياة، إذن فهي التي لها القدرة على الدفاع عنها،
هي التي تعمل على استمرار البشرية، لهذا السبب فأنا فخورة أن أكون امرأة“.
من أقوال ليلى خالد
مقدمة:
ليلى خالد مناضلة “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“، هي الثورية الفلسطينية التي لم تر طريقة أخرى لتذكير العالم بقضية الشعب الفلسطيني، و تنبيهه لصمته المخزي تجاه الشعب الفلسطيني المهجر و المقتل، سوى اختطاف الطائرات، و قد استطاع فعلها هذا حقا أن يجلب الأنظار لها كامرأة، و من تكون هذه المرأة، و ما هي القضية و الأسباب و الدوافع، التي جعلتها تقوم بذلك، و أصبحت صورتها تتداول في كل وسائل الإعلام، صورة لليلى خالد بكوفيتها الفلسطينية التي تلف رأسها و احتضانها للبندقية، تعبر عن اختيار ليلى و معها “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” ذات التوجه الماركسي – اللينيني الثوري، الكفاح المسلح طريقا ثوريا لإنجاز التحرر الوطني على كامل أرض فلسطين التاريخية.
لفتت ليلى خالد نظر العالم حول دورها في تحويل الطائرة – رحلة AWTرقم 840 – سنة 1969، – والتي هدفت إلى التعريف باضطهاد الفلسطينيين من طرف الكيان الصهيوني– من روما إلى أثينا.
فمن تكون هذه المرأة الشجاعة؟ كيف تنظر لأسلوبها في الكفاح ضد الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين؟
1) ليلى خالد: المولد والنشأة وسياق “البندقية هي الحل“:
ولدت ليلى خالد ابنة علي خالد وجميلة لطوف في مدينة حيفا بفلسطين، التي كانت جزءا من منطقة الانتداب البريطاني، وذلك في 9 أبريل 1944، أجبرت عائلتها على مغادرة حيفا مسقط رأسها بعد سقوط المدينة في أيدي قوات الاحتلال الصهيونية في 13 أبريل 1948 عندما كان عمرها أربع سنوات بالكاد، كان ذلك بعد أربعة أيام من عيد ميلادها، الذي لم يتم الاحتفال به أبدا بعد ذلك، وكان التاسع من أبريل، اليوم الذي يخيم فيه الحزن على فلسطين، حيث الذكرى الأولى لمذبحة “دير ياسين “1.
لجأت عائلة ليلى خالد إلى لبنان سنة 1948 تاركة الوالد، أحد ضحايا الاحتلال الصهيوني، واستقرت العائلة في مدينة صور اللبنانية. درست ليلى خالد في مدارس الاتحاد الإنجيلي في صور، وأنهت دروسها الثانوية في مدرسة صيدا للبنات.
في سنة 1959، في سن 15 سنة، انضمت ليلى إلى حركة القوميين العرب، التي أنشأها جورج حبش في أواخر الأربعينات، وأصبح الفرع الفلسطيني لهذه الحركة يسمى “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” بعد حرب الأيام الستة سنة 1967، وذلك في إطار التحولات التي عرفها اليسار العربي بعد هزيمة 5 يونيو 1967.
في سنة 1963، التحقت ليلى بالجامعة الأمريكية في بيروت، وانتخبت في اللجنة الإدارية للاتحاد العام لطلبة فلسطين في بيروت، وكان عليها أن تغادر الجامعة بعد عام من ولوجها، لأن أسرتها لا تستطيع دفع رسوم الجامعة.
بين سنتي 1963 و1969، درست اللغة الإنجليزية في المدارس العامة بالكويت، وانضمت إل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” منذ تأسيسها في دجنبر 1967، ومن سنة 1969 إلى 1972، شاركت ليلى خالد في العمليات العسكرية الخارجية ل“الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“، التي نظمها الدكتور وديع حداد2.
في 29 غشت 1969، اختطفت هي ورفيقها سالم عيساوي طائرة تابعة لشركة AWT، وقد تم سجنهما في سوريا لمدة شهر ونصف، ثم أطلق سراحهما.
في 6 شتنبر 1970، كانت ليلى خالد واحدة من مختطفي طائرة العال الإسرائيلية، واحتجزت لمدة شهر في بريطانيا، عندما هبط الطيار في لندن، وقد قتل رفيقها الأمريكي، وأصله من نيكاراغوا على متن الطائرة على أيدي رجال الأمن الصهاينة.
بين سنتي 1973 و 1977، دافعت ليلى خالد عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين خلال الحرب الأهلية اللبنانية، إما كإطار في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” أو كعضو في الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ووقفت إلى جانب النازحين الفلسطينيين و الجرحى. تم انتخابها كعضو في أمانة الاتحاد النسائي في المؤتمر الثاني لتلك النقابة سنة 1974، بصفتها ناشطة نقابية.
شاركت ليلى خالد في العديد من المؤتمرات الدولية و الإقليمية و المحلية، و في العديد من ورشات العمل المخصصة لشؤون المرأة، ساعدت أيضا سنة 1978 في تأسيس “دار أطفال الصمود” لرعاية أطفال شهداء مخيم “تل الزعتر” للاجئين شمال بيروت، عندما سقط في أيدي القوات اليمينية (المجموعات الفاشية المسلحة التابعة لحزب الكتائب) خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
بين عامي 1978 و 1980، درست ليلى خالد في جامعتي موسكو و روسطوف، لكنها توقفت عن دراستها عندما استدعت “منظمة التحرير الفلسطينية” جميع طلبة الجامعة في الخارج للمساعدة في الدفاع عن الثورة الفلسطينية.
في 1979، أصبحت ليلى عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الرابعة عشرة في دمشق، و استمرت في عضويتها في المجلس، و بهذه الصفة كانت جزءا من العديد من الوفود البرلمانية الفلسطينية، و كانت عضوا في لجنة المرأة العربية في الاتحاد البرلماني العربي.
عندما غزا الكيان الصهيوني لبنان في صيف 1982، حاولت ليلى خالد (من خلال الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية) إيجاد مأوى للنازحين ومعالجة الجرحى في المستشفيات.
بعد الخروج من لبنان سنة 1982، أعيد تنظيم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“، و شغلت ليلى خالد مناصب إدارية و قيادية مختلفة. و في سنة 1986، تم إنشاء “منظمة المرأة الفلسطينية“، لتكون بمثابة إطار عام ل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“، و تم انتخاب ليلى خالد سكرتيرة أولى.
في سنة 1993، تم انتخابها لعضوية اللجنة المركزية ل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” في مؤتمرها الوطني الخامس، و في سنة 2005، و بعد هذا المسار الطويل تم انتخابها لعضوية المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
في سنة 1997، رحلت هي و عائلتها إلى عمان عاصمة الأردن، حيث استقرت هناك إلى اليوم.
مستوحية تجاربها الشخصية في النفي القسري من مسقط رأسها و معاناة والديها و شعبها، ذهبت ليلى خالد بكفاح النساء الفلسطينيات في اتجاهات جديدة و غير مسبوقة، لقد قدمت مساهمة كبيرة في المجالات الاجتماعية و الإنسانية و السياسية و في خدمة قضيتها، قضية فلسطين، و في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في التحرر و الانعتاق من ربقة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين.
2 ) المسار الثوري لليلى خالد : امرأة و قضية :
بدأت ليلى خالد التزامها السياسي، و عمرها 15 سنة، فالمناضلة الثورية و هي في سن صغيرة، ترفض احتلال فلسطين من طرف الصهاينة، و تشرح ذلك بقولها:
“أنا لست معادية للسامية، أنا معادية للصهيونية، لن أقبل هذا الاحتلال أبدا، أرضي استعمرها أناس جاؤوا من مكان آخر، لذلك قررت في وقت مبكر للغاية حمل السلاح للدفاع عن أرضي.”
كانت ليلى في سن 15 من أوائل من انضموا إلى حركة القوميين العرب، التي بدأت في أواخر سنوات الأربعينات مع جورج حبش، عندما كان ما زال طالبا في الطب في الجامعة الأمريكية ببيروت.
إن معركة ليلى من أجل فلسطين ليست بسبب ارتباط قديم ببلدها، فوالداها ليس فلسطينيين بل لبنانيين، بل كان حب العدالة هو ما يحفزها. مثل غسان كنفاني، عرفت هي أيضا انعطافا في شبابها، عندما فهمت وضعيتها فجأة، في رسالة جميلة و مؤلمة موجهة لابنه، يصف كنفاني اللحظة التي تفهم فيها وضعيته مباشرة بعد لحظة “العار من الفرار“، عندما رأى و هو في العاشرة من عمره رجال أسرته يسلمون أسلحتهم ليتحولوا إلى لاجئين، إذ يكتب :
“لا تصدق أن الرجل يكبر، لا، لقد جاء إلى العالم فجأة، كلمة، في لحظة معينة، تدخل قلبه و تعطيه قوة دفع جديدة، مشهد واحد، يمكن أن يجعله يسقط من سقف الطفولة على صلابة الطريق“.
في سيرتها الذاتية تحت عنوان “سيعيش شعبي“، تروي ليلى تجربة مماثلة، عندما ذهبت لجمع البرتقال في بستان مجاور، عندما وصلت إلى لبنان، و ما زالت تعتقد أنه كان برتقالها، فعلت ذلك ببراءة الأطفال، لكن كان لذلك الحادث ما بعده. قالت لها والدتها : “عزيزتيهذهالثمار ليستلنا، أنت لم تعودي في حيفا، أنت في بلد آخر“، قبل أن تهرع إلى المنزل لتمسح دموعها و تخفي خجلها، نظرت إليها بحزم الأم قائلة : “من الآن فصاعدا يحظر عليك أكل البرتقال، الذي ليس لك“، في إشارة القبول مثل الأطفال، أومأت بنعم، “لكن كلماتها لا تزال تتردد في رأسي، لأول مرة بدأت أتساءل عن ظلم المنفى“، تقول ليلى.
في منزل الأسرة، تتلقى ليلى خبر هزم إسرائيل لجيوش مصر و الأردن و سوريا مجتمعة، في حرب الأيام الستة، مهينة، عسكريا، العالم العربي، و استولت على الأراضي الفلسطينية المتبقية، غرب الأردن و شمال سيناء.
كان الفلسطينيون من الضفة الغربية و غزة، بمن فيهم الآلاف من اللاجئين يعيشون في ظل النظام الأردني و المصري، منذ تأسيس الكيان الصهيوني سنة 1948، و كلهم أصبحوا الآن عرضة للاحتلال العسكري الصهيوني، و على الرغم من ذلك، كان اهتمام العالم بالفلسطينيين في حده الأدنى. كان سخط الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في الأردن و لبنان و سوريا يتصاعد، و أصبحت حركة المقاومة، التي تطورت منذ منتصف الستينات من القرن الماضي أكثر ثورية و أكثر شعبية، بسبب هزيمة الأنظمة العربية المدوية في حرب الأيام الستة، و تنامي الشكوك لدى الفلسطينيين من الدعم الأجوف لبعض الأنظمة العربية.
كان من الصعب فصل حركة المقاومة الفلسطينية عن اللحظة و الأجواء التاريخية التي نشأت فيها، فبعد فترة وجيزة من حرب الستة أيام، و كأنها طائر الفينق انبعث من الرماد، و حفز أمة مهانة بأكملها من انهيار المجتمع و الجيوش العربية، فخلال انبهار البدايات الأولى حصدت المقاومة مجموعة من الأبطال من بين مجموعة واسعة من الرأي العام العربي، و قد أدى الأمر حتى بقوميي الصالونات إلى تسمية الفدائيين ب “الملائكة” و “المنقذين“. هذا النوع من الدعم سرعان ما أثبت أهميته، لكن لفترة من الوقت، كان يضغط على بعض الأنظمة العربية لدعم حركة المقاومة الفلسطينية، من خلال وضع نفسها بشكل مباشر في سياق كفاح “العالم الثالث” ضد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية و السياسية، لقد أعادت حركة المقاومة الفلسطينية إحياء العناصر الجذرية في العالم العربي.
في سنة 1967، في سن 23 سنة، ذهبت ليلى خالد إلى الأردن للتدريب مع “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“، لقد كانت ليلى خالد مناضلة ذكية، حصيفة و مثقفة، و هي على استعداد لفعل أي شيء للقتال ضد الكيان الصهيوني، إنها تذهب إلى الحد الأقصى، إنها المقاتلة المجتهدة و المخلصة لقيادة إحدى العمليات الرئيسية للحركة.
تقول ليلى خالد:
“لقد اختارت القيادة أكثر المقاتلين التزاما للعمليات الحساسة، قفزت إلى السقف عندما قيل لي أن علي اختطاف طائرة 840 لشركة AWTعلى طريق لوس أنجلس – تل أبيب، كان هدفنا إجبار الكيان الصهيوني على إطلاق سراح سجنائنا، بنفس المناسبة، أعترف بذلك، هذا إشهار ل “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“.
تقول ليلى و هي متحمسة، بالنسبة لها، هي لا تخشى الموت.
“التضحية من أجل الوطن الأم تتجاوز الحياة أو الموت، و إذا كان هذا هو قدري فليكن“.
في سن 28 كانت ليلى خالد قد حولت اتجاه طائرتين، و احتجزت عشرات الركاب رهائن، و قد تم نشر صورتها على غلاف العديد من المجلات الإخبارية، و ألصقت صورة وجهها على جدران المهاجع الطلابية، لقد أصبحت ظاهرة شعبية، و مصدر إلهام لشخصيات تعمل في مجال التلفزيون و السينما.
في يوم 29 غشت 1969، انطلق سليم عيساوي و ليلى خالد من محطة توقف بروما، لقد تم التخطيط للعملية بشكل دقيق قبل عدة أسابيع، مسلحة بمسدس 6 مم و قنبلة يدوية، تقوم ليلى بتهديد الطاقم، الذي فتح لها قمرة القيادة، جلست إلى جانب القبطان و أعلنت دوافعها للركاب و لمراكز المراقبة، و طلبت من الركاب عدم الذعر قائلة:
“لا تخافوا، لا تذعروا، لن يحدث لكم أي شيء، نحن لسنا هنا لإلحاق الأذى بكم، و لكن لضمان إطلاق سراح سجنائنا الفلسطينيين المحتجزين تعسفا من طرف إسرائيل، ستعودون بأمان إلى منازلكم، لا تخافوا“.
في غضون ذلك، و لكي تبدو جادة، عرضت أمام قبطان الطائرة قنبلة يدوية، و تمكنت من إقناعه بعدم عرقلة العملية، ثم طلبت الطيران فوق حيفا مسقط رأسها، و قبل القبطان بالطبع طلبها، تقول ليلى: “قمنا بتحويل الطريق فوق مدينتي، كنت مندهشة جدا“.
رفض مشغل نقطة تفتيش مطار تل أبيب ذكر اسم الحركة، التي باسمها تقوم ليلى بهذه العملية، فتغضب و تهدد بالهبوط بالطائرة في تل أبيب، فامتثل للأمر في النهاية، أمرت ليلى بتكرار ذلك ثلاث مرات بذريعة أنه يتكلم بصوت منخفض، و ذلك استفزازا و تحديا.
هبطت الطائرة في دمشق و نزل الركاب و فجرت ليلى قمرة القيادة بقنبلة يدوية، و قد تم اعتقالها من طرف السلطات السورية. شمل مطلب الإفراج عن الأسرى طياران سوريان تم أسرهما سنة 1967، مما شجع السوريين على التساهل، و بعد 45 يوما من الاحتجاز تم إطلاق سراح ليلى و من معها من المختطفين و الالتحاق بالأردن.
لا أحد كان يظن أن مشاركة ليلى كانت ستقف عند هذا الحد، فبمجرد إطلاق سراحها، فكرت الفتاة الثورية البالغة 26 سنة في القيام بعملية جديدة. أكسبت أول عملية لليلى سمعة سيئة عند الغرب، و هو أمر عادي جدا باعتبار أن ما قامت به ليلى حسب هذا الرأي هو فعل إرهابي، لكن الشعوب المضطهدة اعتبرتها بطلة و أيقونة النضال الثوري، مثلها في ذلك مثل تمارا بونكي و أولرايك ماينهوف و أخريات من النساء الثوريات. لم تكن ليلى محبطة، فقد وجد رؤساؤها الحل في تغيير ملامح وجهها، فبعد عملية الاختطاف الأولى، التي اهتمت بها جميع وسائل الإعلام في العالم، خضعت ليلى لست جراحات تجميل على أنفها و ذقنها لإخفاء هويتها، و السماح لها بالمشاركة في عملية اختطاف في المستقبل، فليلى خالد لا تريد أن تحمل وجه أيقونة، فهي ترى أن كل شيء ممكن في سبيل قضية عادلة : قضية شعبها، قضية فلسطين .
في يوم 6 شتنبر 1970، ستعيد ليلى الكرة برفقة أحد الأمريكيين، و أصله من نيكاراغوا، باتريك أرغيلو، بتحويل الرحلة الإسرائيلية العال 219 من أمستردام إلى نيويورك. استغرقت العملية و قتا قصيرا، فقد تم إحباط الهجوم عندما قام حراس الطيران الصهاينة بقتل رفيقها أورغيلو، و من شل حركة ليلى، رغم أنها كانت تحمل قنبلتين في ذلك الحين، إلا أن ليلى تلقت تعليمات صارمة للغاية بعدم تهديد حياة ركاب الرحلة المدنية، حول الطيار اتجاه الطائرة نحو مطار هيثرو في لندن، حيث تم تسليم ليلى إلى مركز شرطة إيلينغ، و قد تعاطف معها سجاناها، و بسرعة ربطت علاقات صداقة بين المناضلة و حراسها، و بعد 28 يوما من الاحتجاز، في 1 أكتوبر أطلقت الحكومة البريطانية سراحها في تبادل للأسرى، و في السنة الموالية تخلت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” عن أسلوب الاختطاف، رغم أن الحركات المنشقة عن المنظمة استمرت في اختطاف الطائرات.
في حادثتي اختطاف مذهلة، تتلقى ليلى فقط ما مجموعه ثلاثة أشهر من السجن، بل على العكس، خرجت بحال جيدة و معنويات مرتفعة.
عندما يقولون لليلى أن حياتها تذكر بحلقة من حلقات جيمس بوند، فإنها ترد بأن التزامها لا يمت بصلة بفيلم، و أن جميع الوسائل كانت جيدة لتحقيق غاياتها النبيلة، و تقول ليلى:
“ما الذي دفع شخصا لعبور نصف الكرة الأرضية إلى فلسطين للقيام بهذه المهمة الخطيرة؟ كان باتريك شيوعيا ثوريا، كان تصرفه الشجاع بمثابة بادرة للتضامن الأممي، إنها شعلة الحياة انطفأت، لقد أضاءت الطريق نحو العودة إلى فلسطين … عاش اورغيلو، عاش شعبي، و عاشت الثورة“.
بالنسبة لليلى خالد، كانت أحداث 1970 3، تعني أن صورتها انضمت إلى صورة تشي غيفارا، إلى الآلاف من جدران اليساريين، و أنها أصبحت بالنسبة للكثيرين نموذج المرأة الثورية.
تقول ليلى :
“عندي قضية نبيلة، أكثر نبلا مني، قضية من جرائها، يجب أن تكون في مرتبة ثانية كل المصالح و الاهتمامات الخاصة“.
تذكر مثل هذه الخطابات الثورية، بأن ليلى خالد تنتمي إلى عصر مختلف تماما : في وقت كانت فيه عملية الاختطاف أداة أساسية في تلك المرحلة، حيث كان الالتزام و المخاطر الشديدة و التضحيات تثير الإعجاب، هي دبوس النضال المسلح، مثل بطلها تشي غيفارا، كان لدى ليلى السحر و كذلك الإيمان، و كان لديها ازدراء مؤكد لزملائها الثوريين الغربيين، فكما تقول :
“لقد وجدنا أنه من الممتع للغاية أنهم كانوا يعتقدون بصدق أنهم يقومون ب “ثورة” إذا خلعوا ملابسهم علنا و استولوا على مبنى جامعة، أو صرخوا فاحشة على البيروقراطيين“.
إن ليلى خالد أيقونة تحرير فلسطين، تمثل الالتزام الثابت للمرأة الفلسطينية بالعودة إلى ديارها، هي قصة امرأة فلسطينية ولدت في حيفا بفلسطين، تبدأ جذورها عندما أجبرت عائلتها على الفرار من منزلها بحيفا، و كذلك الآلاف من الفلسطينيين أثناء نضالهم للحفاظ على منازلهم و أرضهم و حياتهم في ظل الاحتلال الصهيوني، عهد الإرهاب الصهيوني، الذي تأجج و ازداد فاشية مع نشوء الكيان الصهيوني سنة 1948، و نتج عن ذلك إلى يومنا هذا إنكار حق العودة لليلى خالد و الشعب الفلسطيني إلى أراضي فلسطين 1948.
خلاصة
فيما قامت به ليلى خالد من أعمال، فقد تأثرت بهذه القوى الثورية، التي تمور في العالم، لقد رفضت الظلم، و طالبت بالحق في العيش بسلام على أرضها، و كما تقول :
“يجب استعمال العنف ضد المحتل العنيف“.
و تضيف قائلة:
“لقد حاولت إسرائيل مرارا أن تمحو وجود المخيمات كما لو أنها أرادت أن تجعل الناس ينسون وجود الفلسطينيين، و بالمثل في فلسطين المحتلة. تم تدمير 540 قرية فلسطينية، لجأ الفلسطينيون المقيمون في بيرام و إكريت إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، التي حكمت لصالحهم، لكن “الحكومة الإسرائيلية” ترفض تطبيق الأحكام القضائية “لبلدها“، إنه أمر مجنون“.
“لا يمكن تقاسم الحرية أو تقسيمها، لن يكون هناك سلام طالما يوجد صهيوني واحد على الأرض الفلسطينية“.
عندما ظهرت ليلى على وسائل الإعلام الدولية تم وصفها بالمرأة الجذابة و الجميلة، اختطفت طائرتي ركاب لجذب انتباه العالم إلى القضية الفلسطينية. تقول ليلى في تعبير على أن الثورة تعني أيضا الحياة كباقي جوانب الحياة:
“لقد تعلمت أن المرأة يمكن أن تكون مقاتلة، مقاتلة من أجل الحرية … و أنها يمكن أن تقع في الحب و أن تحب، يمكن أن تكون متزوجة، لديها أطفال، تكون أما … الثورة أيضا يجب أن تعني الحياة كل جانب من جوانب الحياة“.
و تضيف:
“إن المرأة هي التي تعطي الحياة، إذن فهي التي لها القدرة على الدفاع عنها، هي التي تعمل على استمرار البشرية، لهذا السبب فأنا فخورة أن أكون امرأة“.
لم تندم ليلى خالد على أي من اختياراتها، ففي نظرها فكل ما فعلته هو صحيح و مبرر، و غالبا ما تقتبس من تشي غيفارا لتأكيد أقوالها، لكنها ليست في حاجة ل “حرب العصابات” لمساعدتها على عقلنة أفعالها، فحتى غاندي حمامة البعض المختارة، قال :
“حينما لا يوجد خيار سوى بين الجبن و العنف فإنني أوصي بالعنف“.
بالنسبة لليلى، فإن دور اللاجئ هو “موضوع ازدراء” و “مهين“، بين خيارين مفروضين، خيار المشي بنظرة خضوع لتسول بطانية و بطاقة تموين، و خيار الاستيلاء على الكلاشينكوف، اختارت الخيار الثاني، و توضح، عمليات الاختطافات كانت تكتيكا، لفترة قصيرة، فقط لجذب انتباه العالم، و لكي يتساءل الناس عن السبب، و يبدو أن هذا قد نجح، فحتى مضيفة أول طائرة اختطفتها ليلى، كانت قد قالت أمام الكاميرات:
“وحتى مع وجود الأشياء على ما هي عليه، لا يزال من العار أن الفلسطينيين ليس لديهم وطن“.
حدث أن طرح على ليلى خالد سؤال : “هل تظنين أنكم ستربحون الحرب بهذه الطريقة ؟ ” أي ب “الإرهاب” و اختطاف الطائرات، فأجابت:
“في الفيتنام فإن الفقراء انتصروا على الأمريكيين“.
و تضيف قائلة :
” و ماذا بعد، هناك معادلة أساسية: هناك حيث يوجد احتلال، هناك مقاومة، لا أحد يستطيع تغيير ذلك، إنه أساسي، إنه طبيعي، لا يمكن تغيير الشمس و جعلها تشرق من الغرب، إنها الحقيقة، إنه أمر طبيعي عندما تعيش تحت القمع فإنك تقاوم“.
الهوامش:
1ــدير ياسين: قريةفلسطينية توجد غرب القدس تعرضت في9 أبريلسنة1948 لمجزرةرهيبة على أيدي المنظمات الصهيونيةالإرهابية المعروفة بأسماء“إرغون” و“شتيرن” و“ليهي” و“الهاجانة“،وقد ذهب ضحية المجزرة مآت الفلسطينيينمن شيوخ وشباب وأطفال ونساء. وقدنقل بعض المراسلين من عين المكان صوراعن الفظائع التي ارتكبها الهمج الصهاينةضد سكان قرية دير ياسين. ويحكيأحد المراسلين الصحفيين عما شاهده قائلا:” إنهشيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه. لقدأتوا بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها، ثمانتهوا منها، وبدأوا بتعذيبها، بل وقطعوانهديها ثم ألقوا بها في النار“.
2ــ وديع حداد: ولد وديع حداد في مدينة صفد الفلسطينية سنة 1927. وكان وديع يعرف بلقبه الحربي: أبو هاني وهو من رفاق جورج حبش الأوائل منذ تأسيس “حركة القوميين العرب“، وساهم في تحويل الفرع الفلسطيني للحركة إلى “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“. ويعرف وديع حداد بكونه كان القائد الفعلي ل ” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، العمليات الخارجية” (أطلق عليها كذلك “مجموعة العمليات العسكرية الخارجية“، أو “مجموعة العمليات الخاصة“) التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
كانت المخابرات الصهيونية والامبريالية تعتبره “الخطر الأمني” رقم واحد. كان وديع حداد يمتلك، إضافة إلى قدرات قيادية كبيرة وذكاء باهر، عقلا استراتيجيا هائلا جعل كل مخابرات العالم تهابه. إنه صاحب شعار” وراء العدو في كل مكان“، وتحت قيادته اشتغلت ليلى خالد كمقاتلة في الصفوف الأمامية للثورة الفلسطينية.
توفي وديع حداد في 28 مارس 1978 في ألمانيا الدمقراطية نتيجة تسميمه من طرف المخابرات الصهيونية.
التعليقات مغلقة.