هذا ما فعلته «أميركا».. بـ «اليابان»!/ محمد خروب
محمد خروب ( الأردن ) الثلاثاء 22/9/2015 م …
في اليابان… تتواصل المظاهرات العارمة منذ أسابيع، على وقع «القراءة الجديدة» للدستور التي تسمح بإحياء «الروح العسكرية» في البلاد التي استسلمت بلا قيد أو شرط للحلفاء، أو قل للقوات الأميركية التي فرضت عليها بعد أن وَقّع جنرالاتها (اليابان)… صك الاستسلام، أن تغادر مربع العسكرة وأن تكرّس نفسها لعهد جديد هو عهد السلمية أو الاستسلام (سمّه ما شئت)، المهم… هو ان لا يتم بعث الجيش الامبراطوري وكل ما هو مسموح أميركياً.. للامبراطورية المهزومة، هو تشكيل قوات «الدفاع الذاتي» التي لا مهمة عسكرية خارجية لها تحت اي ظرف، في إطار فرض التخلي عن خوض الحروب الخارجية، التي شدد الأميركيون على تكبيل اليابان بها.
واصلت اليابان العمل بوثيقة الاستسلام المفروضة أميركياً والتي وقعّها إلى جانب الجنرالات اليابانيين المهزومين، القائد الأميركي المنتصر الجنرال ماك ارثر، الذي غدا الحاكم الفعلي لليابان، تلك الامبراطورية التي جاءت نخبتها السياسية والحزبية (دع عنك الاقتصادية التي لم تقطع مع الدوائر الرأسمالية الغربية أصلاً) موالية للأميركان، حدود الاذعان وعدم الخروج على طاعتهم وتنفيذ أوامرهم بالضد من رغبات ومصالح شعبهم، الذي استشعر ذلاً واستعلاءً واستكباراً، ناهيك عن مقارفات الجنود الأميركيين غير الأخلاقية بحق اليابانيين وخصوصاً اليابانيات، والفضائح التي تلت عمليات التحرش والاغتصاب والقتل.. لكن ذلك لم يمنع أو يحول دون استمرار «التحالف» بين طوكيو وواشنطن، وعدم إدخال أي تعديلات على وثيقة الاستسلام، بما في ذلك استمرار القواعد العسكرية الجوّية والبحرية، رغم المظاهرات الشعبية العارمة التي تقوم بها قوى عديدة من الشعب الياباني، تُطالب برحيل القواعد الأميركية وخصوصاً تلك التي تحوي أسلحة نووية كما هي الحال في أوكيناوا.
استمر «عهد السلمية» في اليابان إلى أواخر القرن العشرين، وإن كانت النفقات العسكرية اليابانية قد ارتفعت جراء صفقات السلاح التي عقدتها مع الولايات المتحدة، وارتفاع عديد قوات «الدفاع الذاتي» اليابانية، بعد ان ازدادت وتيرة التوتر في المحيط الهادئ وبحر الصين والنزاع مع بيجين حول الجزر الثلاث غير المأهولة التي تحاول الصين اقامة قواعد مراقبة عسكرية فيها، ناهيك عن الملف النووي الكوري الشمالية واستمرار التجارب الصاروخية الباليستية الكورية الشمالية، التي سقط بعضها في جزر يابانية، اضافة الى تهديدات بيونغ يانغ بضرب الجزر اليابانية.
عندما غزا جورج بوش العراق في العام 2003 – وقبله افغانستان – سعى الاميركيون بعد ان غاصوا في المستنقع العراقي تشكيل تحالف دولي (غير التحالف الثلاثيني الذي تولى إخراج الجيش العراقي من الكويت في شباط 1991) وكان أن فرضت واشنطن على طوكيو المشاركة فيه، وتجاوز دستور العام 1947 الذي يحظر اي مشاركة عسكرية خارجية، وتم اخراج الموضوع بطريقة ملتوية وتحت ضغوط هائلة لقيت تجاوباً من الطبقة السياسية المتأمركة في اليابان وكانت كما يقول المأثور الشعبي (اول الرقص… حَجَلان).
قبل أيام أو يوم الجمعة الماضي على وجه التحديد، تغيّرت صورة اليابان المهزومة والمستسلمة وغير المسموح لها باحياء «روح الحرب»، وغدت منذ الثالث عشر من ايلول 2015، دولة ذات وزن عسكري بمقدور قوات الدفاع الذاتي القيام بمساندة قوات «حليفة» خارج الحدود، حتى لو لم تتعرض اليابان لهجوم(..)، هذا التفويض الذي بات نهائياً الان، أقره المجلس الاعلى (الشيوخ) للبرلمان الياباني، بعد ان كان المجلس الأدنى (النواب) قد صدق على رزمة القوانين الرامية الى ادخال تعديل على دستور العام 1947 في الصيف الماضي.
هنا.. ثار اليابانيون الرافضون لإعادة عسكرة اليابان؛ والمشاركة في حروب ومغامرات ذات عنوان واضح وهو دعم حروب الولايات المتحدة التي اعلنت رسمياً انها ستنقل اهتمامها العسكري والاقتصادي وثقلها الاستراتيجي الى منطقة المحيط الهادئ، ما يعني ببساطة محاولة تطويق «الصعود» الصيني قبل ان تتكرس الصين دولة عظمى يصعب احتواؤها او تحجيمها او تقليل وزن آلتها العسكرية وخصوصاً قواتها البحرية والفضائية.
المعارضة اليابانية لحكومة رئيس الوزراء شينزو آبي، تبدو مُكبّلة وغير قادرة على تغيير النتيجة، رغم إصرارها على رفض «قوانين الحرب» كما وصفتها، والتي تتعارض مع مبدأ التخلي عن الحرب ودستور العام 1947 المفروض اميركياً، ما أدى – ضمن توترات واحتقانات اخرى – الى عراك بالايدي بين اعضاء مجلس الشيوخ، لكن التصويت جاء الى صالح حكومة آبي.
للمرء ان يدقق جيداً وطويلاً في هذا السلوك الانتهازي والاستعماري الاميركي، الذي لا يقيم وزناً إلاّ للمصالح الاميركية، والذي يدوس على كل المبادئ والدساتير والقوانين الدولية والإنسانية ولا يتورع عن ممارسة اسوأ انواع الضغوط والتهديدات لتمرير قوانين واستصدار قرارات، تتعارض ومصالح الشعوب الحقيقية.
انظروا الى ما فعلوه (ويفعلون) في منطقتنا، وما قارفوه في اميركا اللاتينية وارتكاباتهم التي لا تتوقف في آسيا ودائماً في افريقيا..
إنها الرأسمالية النيوليبرالية في اسوأ مراحل.. تَوَحُشِها.
التعليقات مغلقة.