الفكر القومي تحت مظلة الخلافة العربية الإسلامية / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد* ( سورية ) – الجمعة 6/12/2019 م …
مع مجيئ الإسلام, جاءت العقيدة, فتكوّن لدى العرب شعور برسالة هم حملتها. لقد أراد الإسلام أن يحل وحدة العبادة بدل الروابط القبلية الضيقة.. أي أراد أن يجعل العقيدة بديلاً عن العصبية, وإحلال الشريعة بدل العرف والعادة. لقد أوجد الإسلام فكرة (الأمة) القائمة على أساس العقيدة, فتشكلت ملامح أو إرهاصات أولية جديدة لوعي الذات عند العرب, بأنهم أمة (خيرة) ذات رسالة إنسانية تدعو إلى الخير والمحبة والعدل بين الناس. وبأن لهم منزلة خاصة بسبب حملهم لهذه الرسالة وللغتهم العربية لغة القرآن, ولغة أهل الجنة كما يقول الرسول.
بالإسلام توحدت القبائل العربية شكلاً, بينما ظلت عقلية الداحس والغبراء جوهراً, وبالإسلام انطلقوا إلى الخارج, وشكلوا امبراطورية واسعة من قوميات عدة, إلا أنها – أي الامبراطورية – استطاعت أن تعيد تشكيل الاطار الجغرافي والبشري إلى حد ما للعرب من جديد بعد تلك الهجرات القديمة (السامية) شمال وغرب الجزيرة العربية.
مع مجيئ الأمويين إلى السلطة, وتحول الخلافة إلى ملك عضوض, بدأ عامل العقيدة الذي حاول تشكيل أمة جديدة يأخذ بالانحلال هنا, وعاد الصراع من جديد بين القبائل العربية وخاصة بين البيت القُرشي ذاته من جهة وبين القيسية واليمانية من جهة ثانية. وعل الرغم من قيام حركة التعريب في هذا العصر, إلا أنها لم تستطع أن تشكل وعياً قومياً آنذاك, أو لم تكن تهدف أساساً إلى تحقيق هذا الهدف, وذلك لأن الدافع لقيامها لم يكن يهدف إلى بلورة الشعور القومي بشكل قائم على معرفة بأهمية هذا الشعور ودوره في نهضة العرب, وإنما كانت الأسباب العميقة وراء هذا الدافع تعود بنظري إلى اتساع رقعة الدولة بسبب الفتوحات, وإخضاع شعوب وأثنيات أخرى عديدة تحت راية الخلافة الأموية لم يكن ولاؤها – أي الأقليات – اصلاً للدولة أو الخلافة الأموية أولاً, ثم مع زيادة غنائم هذه الدولة, وازدياد أسرارها وعلاقاتها السياسية كان لا بد لها من الغاء دور النخب من الكتبة والموظفين غير العرب الذي كانوا يشغلون مهمة تسيير أمور الدواوين وإحلال نخب عربية موالية للخلافة الأموية ثانياً. فالحرص إذاً على الدولة وسلامة أمنها من الموظفين والمنسقين لعمل دواوينها من غير العرب كان برأينا أحد الدوافع الرئيسة لحركة التعريب في عهد الأمويين.
مع مجيئ العباسيين إلى السلطة, وبدء اختراق آلية عمل الدولة من قبل الأعاجم كالفرس والترك الديلم .. الخ في فترة ضعف الخلافة, أخذت المكانة السياسية للعرب تتراجع شيئاً فشيئاً سياسياً واجتماعياً وثقافياً, ومع صول الخليفة العباسي “الواثق” إلى سدة الخلافة عام (232هـ) سيطر “الترك” على هذه الخلافة وقام الخليفة “المتوكل” بوضع التاج على رأس القائد التركي (إشناس) الأمر الذي أدي إلى بدء عهد جديد من غياب سلطة الخليفة العباسي الذي تحول إلى ببغاء في قفص, امتد حتى عام (447) هـ ), وهو ما جعل السيوطي عندما وضع الخليفة المتوكل على رأس إشناس يقول: ( وأظن أنه أول خليفة استخلف سلطانا. فإن الترك إنما كثروا في عهد أبيه).
* كاتب وباحث من سورية
التعليقات مغلقة.