لبنان على مفترق طرق بين دولة الطوائف والدولة المدنية / العميد د. امين محمد حطيط 

Image result for ‫امين حطيط‬‎

العميد د. امين محمد حطيط  ( لبنان ) – الأربعاء 11/12/2019 م …

بعد الذي جرى يوم الاحد الماضي وقبل 24ساعة من موعد الاستشارات النيابية التي كان رئيس الجمهورية دعا اليها بتاريخ 9\12\2019  لاختيار من يوكل اليه  امر  تشكيل الحكومة في لبنان ، و بعد الإطاحة بكل الاتفاقات السابقة بين كتل الأكثرية النيابية ورئيس الكتلة السنية الكبرى ،، بعد كل هذا لم يعد مسموعا و لا جائزا ان يسمع أولئك المتباكين على الدستور و اتفاق الطائف  و صلاحيات رئيس الحكومة و ، حيث ان الإعلان و عن لسان مفتي الجمهورية (رئيس الطائفة السنية الديني ) بان الطائفة السنية اجمعت على شخص محدد لا منازع له ولا شريك لتشكيل الحكومة و ان هذا الشخص وحده دون سواه مطلقا مخول  بهذه لمهمة  و لا يقبل احد سواه رئيسا للحكومة  ، هو امر في غاية الخطورة لأنه بكل بساطة يطيح بالدستور و يطيح بدور المجلس النيابي في اختيار رئيس الحكومة و يفرض ديكتاتورية مذهبية على أكثرية وطنية و يسقط النظام السياسي المنصوص عليه في الدستور .




صحيح ان مبدأ العيش المشترك  المنصوص عليه في الدستور اللبناني يفرض احترام  حقوق الطوائف  وخصوصياتها وموقعها  في السلطة و لكن الصحيح أيضا و قبل ذلك يجب ان  تحترم قواعد تشكيل السلطة كما ينص الدستور أيضا أي ان تحترم نتائج الانتخابات و يكرس حق الأكثرية في ان تختار من يتولى السلطة باسمها و ان لا يملى عليها امرا خلافا لإرادتها  ، و يكون من المنطقي عمليا ان تختار الأكثرية النيابية التي جاءت بها الانتخابات شخصا من بين عدة اشخاص مؤهلين و مرشحين للمنصب و بمقتضى العيش المشترك ، ليتولى تشكيل الحكومة، ولا يكون مقبولا ان تعتمد الطائفة في اختيار من يمثلها  شعار ” هذا او لا احد ” لان في هذه الحصرية الفردية الأحادية  الغاء لحق الأكثرية في تولي السلطة واطاحة بنظام الحكم البرلماني الديمقراطي .و بالتالي يكون  القبول بما حصل في دار الفتوى من تأكيد جاء على لسان مفتي الجمهورية بحصرية الاختيار في شخص واحد لتولي رئاسة الحكومة  دون اكتراث بما تقبل به الأكثرية النيابية او ترفضه و دون التوقف عند الاستشارات النيابية التي يفرضها الدستور فانه بكل بساطة يشكل سابقة تختصر بالقول “دستور لبنان لا يطبق”  .

وإذا عطفنا خرق الدستور هذا على حالات مماثلة وعلى يد اخرين فاننا نصل الى مشهد يجب الإقرار به والاعتراف به، مشهد يقول ان دستور لبنان في مكان والممارسة السياسية العملية في مكان اخر، وهذا التنافر بين النص والتطبيق هو برأينا السبب الرئيسي الذي قاد الى الماسي التي يتخبط فيها لبنان والتي حولت الشعب الى شعب جائع ومن يتولى المسؤولية الى متسول بعد ان مارس هو ومعظم من تولى السلطة عملية النهب الفاجر لثروات لبنان وأمواله العامة وبعض الأموال الخاصة. ما جعل كثير من الشعب يخرج الى الساحات رافضا هذا الواقع مطالبا بالإصلاح وبتحقيق الحد الأدنى من الحقوق المعيشية للمواطن.

وعليه فان مشكلة لبنان تكمن في الخروج عن الدستور، وتعطيل القانون والاطاحة بمبدأ   المراقبة والمحاسبة وعدم احترام حقوق الاخر ما أتاح لمتولي السلطة ممارسة النهب والسرقة وهم امنون مطمئنون الى طائفة ترسم حولهم الخطوط الحمر وتمنع محاسبتهم وتشرع جرائمهم وأجهزة محاسبة عاجزة او معطلة تمتنع عن محاسبتهم. اما الحل برأينا فيجب ان يكون واحد من اثنين:

1)  اما جعل الممارسة العملية مكرسة بنصوص دستورية وهذا يقتضي تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي المنصوص عليه دستوريا الان لاقامة نظام فيدرالية الطوائف كما هو قائم عمليا اليوم في إطار الدولة الواحدة، وعندها تأخذ الطائفة مالها وتؤدي ما عليها ودون تجاوز من طائفة على أخرى.

2)  او تطبيق الدستور في المواد التي لا خلاف عليها واجراء نقاش لأجلاء غموض ما يدور الخلاف حوله من مواد دستورية، ليخلص الجميع الى قرار ناجز معجل التنفيذ تحت عنوان بناء الدولة المدنية الواحدة العادلة القادرة، التي يدخل اليها مباشرة ولا يكون الانتماء اليها عبر الطائفة

نعم ان الحل يجب ان يكون واحد من امرين : اما دولة الطوائف ( و نحن نرفضها لانها انتهاك لوحدة الدولة و لأسباب أخرى ) والدولة العصرية المدنية التي تتماشى وروح العصر و تؤمن العدالة و المساواة بين المواطنين ، و ان الوصول الى هذا الحل لا يكون بالمعالجة  التقليدية البسيطة ، بل يستلزم قرارا جريئا قد يكون عبر المؤسسات الدستورية القائمة مع احترام قواعد الدستور و أصول تعديله و اشراك المجتمع المدني في الراي مع عرض كل ما يتم التوصل اليه من حلول على الشعب في استفتاء شعبي نزيه و حقيقي ، او يتم عبر مؤسسات موازية قد تكون مؤتمرا تأسيسيا تشارك فيها السلطة و الحراك الشعبي و المعارضة دون ان يكون للعامل الخارجي دور او موقع فيه ، و كذلك يجب عرض نتيجة الاعمال على الشعب .

اما المرحلة الانتقالية فيمكن ادارتها من قبل حكومة مختصرة تشكل بالأليات الدستورية الحالية وتقبل بها الأكثرية دون ان تشكل استفزازا للأخرين. نقول هذا مع لتأكيد ان الاستمرار في التهرب من الحقيقة ودفن الراس في الرمال امر من شانه انهيار لبنان ومن فيه بمن فيهم أولئك المعطلون المتلاعبون بمصير الناس والممارسون لأبشع سلوكيات الابتزاز والاستفزاز ومخالفة الدستور والقوانين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.