د. عبد الحي زلوم يكتب عن لبنان وعن محور المقاومة … وعن العملاء والمتآمرين على الوطن والشعب!!
مشاركة
د. عبد الحي زلوم* ( الأردن ) – الخميس 12/12/2019 م …
** ثورة صامتة في لبنان خلال اكثر من ربع قرن نتج عنها محور مقاومة عابر للطوائف ومحور اخر عابر للطوائف من العملاء القائمين على توأم المذهبية والفساد تَحَرَكَ اللبنانيون اليوم لاجتثاث هولاء لإتمام ثورتهم
ثورة صامتة حققت ما لم يتوقعه أحد:
بنى الاستعمار الفرنسي لبنان منذ نشأته على أسس طائفية ومذهبية عشعش فيهما الفساد وهو إبن المذهبية. والفاسدون هم ركيزة الاستعمار وطابوره الخامس .
من كان يصدق أن لبنان الطائفي المنقسم على نفسه منذ نشاته والذي انقسمت عاصمته سنة 1975 الى شرقية وغربية، وانقسم جيشه الى جيش لبنان المسلم وجيش لبنان المسيحي يقاتل كلٌ جزء منه مع مليشيات مذهبه في حرب أهلية دامت اكثر من 15 سنة كان يُذبح المواطن فيها على الهوية؟
من كان يصدق أن يكون هناك اليوم جيش لبناني وطني واحد ومحور مقاومة واحد يشارك به المسلم والمسيحي ؟ من كان يصدق أن يصبح الجيش اللبناني مُوَحِداً عابراً للطوائف غيّر عقيدته لتصبح (اسرائيل) هي العدو ، وأن يصبح شعاره وشعار المرحلة هو (الشعب الجيش المقاومة) ؟ في المقابل أفرزت الثورة الصامتة محوراً عابراً للطوائف من الفاسدين يأتمرون بأوامر اعداء امتهم من خارج الوطن بل ويتآمرون مع العدو ضد جيشه ومقاومته في حروبهما حتى ضد الاحتلال الصهيوني أثناء احتلاله لجنوب لبنان ؟
رجلان ساهما أكثر من غيرهما بكثير في تطوير هذه الثورة الصامتة وهما السيد حسن نصر الله الذي قاد حزب الله ليصبح قوة تُجبر الاحتلال الصهيوني ان يغادر لبنان مذموماً مدحوراً في ظلام الليل دون قيد أو شرط . أما الشخص الاخر الذي رَسَّخ معادلة الشعب و الجيش والمقاومة فكان الجنرال اميل لحود والذي قاد الجيش اللبناني 9 سنوات وقاد لبنان كرئيس جمهوريته 9 سنوات اخرى رسخ خلال هذه السنوات وحدة الجيش وشرعنة المقاومة .
لم يحظى الجنرال ثم الرئيس اميل لحود ما يستحقه من تغطية إعلامية من الاعلام المأجور. وَرِثَ الجنرال اميل لحود عن والده الجنرال جميل لحود قوة الشكيمة والعزيمة ومواقفه الوطنية بالاضافة الى الكريزما وهذه الصفات لازمت الجنرال والرئيس لحود في اجتياز التحديات. هو من عائلة عسكرية عريقة فإبن اخته كان ايضاً قائداً للجيش.
بعد إستلامه قيادة الجيش في اوائل تسعينات القرن الماضي جمع ضباط الجيش الكبار وقال لهم أن الجيش يُعرّف العدو بأنه اسرائيل وبأن المذهبية والواسطة يجب أن يصبحا من الماضي وأن تكون التعينات والترقيات بناءاً على الكفاءة فقط. كذلك يقول الجنرال لحود انه وفي بداية استلامه مهام قيادة الجيش طلب منه رئيس الحكومة المقاول (لا المقاوم) ووزير الدفاع أن عليه اعلان حالة الطوارئ في جميع لبنان و سحب سلاح المقاومة وتحديداً سلاح حزب الله . لم يفعل لحود ذلك وقال هؤلاء يحاربون المحتل لاراضي لبنانية وواجب الجيش حماية اي لبناني يحمل سلاحه للدفاع عن لبنان. كذلك كانت المليشيات المدعومة من الكيان المحتل تدعم تقسيم لبنان الى فدرالية مسلمة ومسيحية . رفض الجنرال هذا الطرح وكان شعاره جيش واحد ولبنان واحد.
يقول الجنرال لحود انه لم يقابل السيد حسن نصر الله الا بعد اربع سنوات من استلامه قيادة الجيش وكان ذلك بمناسبة العزاء الذي اقامه السيد نصر الله بعد استشهاد ابنه هادي . بعد خروج الجنرال لحود من مجلس العزاء قال الى رئيس الحرس الجمهوري مصطفى حمدان الذي كان يرافقه مباشرة بعد خروجه من مجلس العزاء (سنربح.. سنربح .) كيف لا نربح وهناك من يُرسل ابنه للاستشهاد في سبيل لبنان ؟
يقول الرئيس لحود أنه لم يشعر بسعادة غامرة كما شعر عند ذهابه الى الحدود بعد انسحاب الجيش الصهيوني سنة 2000. ويقول ايضاً انه لم يساوره الشك ولو للحظة واحدة بإن المقاومة كانت ستنتصر في حرب العدوان الصهيوني سنة 2006 .
***
قمم….قمم! نتنياهو يساعد في فض خلاف الاعراب بمؤتمرات قممهم!:
يحكي الرئيس لحود عن تجربته في مؤتمر القمة في لبنان سنة 2002 والذي تم فيه اقرار مبادرة الامير ) عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي آنذاك للاعتراف بالكيان الاسرائيلي.
يروي الرئيس اميل لحود انه قبل اسبوع من القمة العربية في بيروت في نهاية شهر اذار 2002 جاءه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بنسخة عن مباردة (الامير عبد الله بن عبد العزيز) والتي اسميت بمبادرة السلام التي يقايض النظام الرسمي العربي 78% من فلسطين وحقوق منقوصة للشعب الفلسطيني للاعتراف الكامل لاصحاب تلك القمم بالكيان الصهيوني.
يقول الرئيس لحود ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل جاء للبنان قبل اسبوع من تاريخ انعقاد القمة واطلع الرئيس لحود على نص المبادرة وانه بعد قراءة النص سأل الأمير سعود الفيصل: ولكن اين حق العودة للفلسطينيين حسب قرار194 للامم المتحدة ؟ اجاب الامير “أنا لا استطيع تغيير اي نص في القرار لان الامير عبد الله عمل هذه المبادرة بموافقة دولية.” اجابه الرئيس لحود هذا الامر يهمنا جداً . فأجابه الامير سعود الفيصل “لكن هذا صعب “. اجابه الرئيس لحود ” أنا رئيس جمهورية لبنان وشعارنا لا للتقسيم ولا للتوطين . بدون حق العودة نعتبر هذا توطين بالاضافة الى أن حق العودة هو حق فلسطيني حسب القرار 194”. عندها قال له الامير سعود : سأبحث هذا الموضوع مع الامير عبد الله و قبل مؤتمر القمة يمكنك بحث الموضوع معه بعد وصوله الى بيروت.
كان الرئيس لحود يستقبل الرؤساء والملوك في المطار ويجلس بروتوكلياً معهم 5 دقائق مجاملات . لكنه جلس مع الامير عبد الله اكثر من نصف ساعة . قال له الامير عبد الله ان ياسر عرفات وهو المعني بالقضية كاملة بما فيها موضوع اللاجئين سيلقي كلمة عن طريق الاقمار الصناعية مباشرة .
يقول الرئيس لحود انه خشي أن يعلن عرفات قبوله بنص المبادرة كما وردت فسيصفق له الجميع وينتهي الامر. كان جواب الرئيس لحود للأمير عبد الله بأن حق العودة يهمنا وان القاعدة التي يجب أن تقوم عليها المبادرة “كل الحقوق مقابل كل السلام” . في اليوم الأول لمؤتمر القمة تم محاولة تمرير المبادرة واصر لحود على موقفه . في اليوم الثاني جاءه 5 وزراء خارجية واقترحوا أن يتم بحث الموضوع كملحق للقرار فرفض . في اليوم الثالث يقول الرئيس لحود أن الامير سعود الفيصل وعمرو موسى تأخرا عن المؤتمر ساعتين واتصلا بوزير الخارجية الأمريكي كولن باول والذي استغرب قائلاً من هو هذا الرئيس اللبناني الذي يظن انه يستطيع أن يُغيّر شروط مبادرة متفق عليها دولياً ! أجابوه بأنه مُصر على رأيه . يقول مصطفى حمدان أن كولن باول طلب امهاله 20 دقيقة وقام بالاتصال مع نتنياهو والذي كان آنذاك وزيراً للخارجية . بعد أخذٍ ورد وافق نتنياهو وضع بند حق العودة ضمن المبادرة فهو يعلم ان كلام القمم في النهار يمحوها الليل. يقول مصطفى حمدان ان لديه ولدى رئاسة الجمهورية تسجيلاً كاملا للمكالمات الهاتفية المذكورة.
هكذا تؤخذ قرارات دول النظام الرسمي العربي. الامرُ يأتي من تل ابيب الى واشنطن ومنها الى عواصم الكيانات العربية للتنفيذ.
في 3 ايار 2003 بعد سقوط بغداد جاء كولن باول الى دمشق وبعدها لبيروت حيث قابل الرئيس لحود وطلب منه ثلاث طلبات : أولاً وقف تسليح حزب الله عن طريق سوريا وثانياً نشر الجيش اللبناني على الحدود مع الكيان المحتل وثالثاً المحافظة على الهدوء مع دولة الكيان. لم يلتزم الرئيس لحود بهذه الطلبات فجاءت حرب ال33 يوما سنة 2006 لمحاولة تطبيقها بالقوة . عمل فريق العمالة مع الجهد الصهيوامريكي لتنفيذها وأفشلها صمود حزب الله عسكرياً وتعاون الرئيس لحود سياسياً .
***
الحراك بين اهدافه المشروعة وما يريد له الفاسدون:
خرج الشعب اللبناني إلى الشارع يطالب بأجتثاث الفساد والفاسدين والمذهبية و الطائفيه فاستنفر الطابور الخامس من فاسدين ومشغليهم ليحيدوا الحراك عن اهدافه المشروعة وذلك لتنفيذ ما فشلت حرب 2006 على تنفيذه من نزع سلاح المقاومة.
لعل اصدق تعبيرٍ عن هذا القول هو ما نقلته صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية عن حديث الجنرال آيزنكوت، في مؤتمر مركز أبحاث الأمن القوميّ (INSS)، في 10/12/2019.
تناول الجنرال بالاحتياط آيزنكوت الوضع في لبنان، فيما يتعلّق بوضع حزب الله اليوم فقال إنّ ما أسماها بـ”المنظمة الإرهابيّة” أتخذت قرارًا لمشروع فخم، لبناء أسلوب عمل يستند إلى إنجازاتٍ أكبر من السابق ، وتطوير قدرة هجوميّة ضدّ إسرائيل تحت الأرض وهجوم آلاف مقاتلي حزب الله إلى الأراضي الإسرائيليّة. أمّا الأسلوب الثاني بحسب الجنرال آيزنكوت، والذي وضعه حزب الله فهو السلاح الدقيق، مُضيفًا أنّه ما مِنْ شكِّ بأنّ كيان الاحتلال الإسرائيليّ يتواجد الآن في واقعٍ مُختلِفٍ كليًا في قدرة الدفاع وأيضًا في قدرة الهجوم إلى داخل لبنان، ولفت في الوقت عينه إلى أنّ حزب الله يعلم ذلك ومع ذلك تمّ بناء قدرةً مؤلفةً من أكثر من 130 ألف صاروخ ستتسبب بأضرارٍ للجبهة الداخليّة، على حدّ قوله.
وكان الجنرال الإسرائيليّ في الاحتياط، غيورا آيلاند، قد أكّد أنّ معضلة الكيان مع حزب الله تكمن في حجم الأضرار الماديّة والبشريّة التي سيُلحِقها في عمق الدولة العبريّة، في حال اندلعت حرب الشمال الأولى، لذا، أضاف رئيس مجلس الأمن القوميّ السابِق، يتعيَّن على الكيان استثمار الحراك اللبنانيّ من أجل العمل على نزع سلاح حزب الله.
وما يحدث في لبنان اليوم هو فرصةٍ تاريخيّةٍ ماثِلةٍ أمام الكيان لتحقيق أهدافه التكتيكيّة والإستراتيجيّة والتأثير على مجريات الأحداث، دون أنْ يضطر للجوء إلى الخيار العسكريّ.
التعليقات مغلقة.