عزمي بشارة يستبدل «الجزيرة» بفضائيات لبنانية
كتب ناصر قنديل ( الخميس ) 24/9/2015 م …
– يكشف تقرير نشرته «الغارديان» البريطانية عن خطة لتسريح ألف موظف من مؤسسة «الجزيرة» القطرية بقنواتها المختلفة، من ضمن مشروع لتخفيض النفقات التي تقول مصادر قريبة من القناة إنها تبلغ خمسة مليارات دولار سنوياً يبلغ الهدر من ضمنها نصف مليار دولار سنوياً، وفقاً لتقرير «الغارديان»، كما قدّرته شركة متخصصة استقدمتها السلطات القطرية لدراسة إنفاق المؤسسة واقتراح خطط لترشيده. ويضيف التقرير أن الخطة ستتضمّن إضافة إلى عمليات التسريح إقفال عدد من القنوات، من دون أن يعني ذلك تراجع الحكم في قطر عن اعتبار الإعلام أداة نفوذه الإقليمي والحفاظ على الاستثمار الإعلامي كضرورة لحفظ دور للدولة الصغيرة الحجم والفعالية.
– سيتمكن أيّ متابع من التساؤل عن مدى صحة حصرية الأسباب المالية بهذا التحوّل القطري، لأنّ الهدر هو هنا نفقات وعمولات القيادات القطرية وغير القطرية المحيطة بالمشروع وسرقاتهم الصغيرة الموجودة في كلّ استثمار خليجي مشابه، وتجربة قطر مع الحصول على استضافة المونديال وما تعجّ به ملفات التحقيقات بالفساد المرافق لها تؤكد أنّ الهدر يصير الكشف عنه كسبب له قيمة عندما يصير الإنفاق كله غير مجد، لأنّ الأصل هو جدوى ولا جدوى الإنفاق، والنظر إلى المبلغ الضخم كسبب غير كاف أيضاً، فشراء أندية رياضية أوروبية كنادي سان جرمان الفرنسي، أو شراء أسهم في شركات السيارات الفخمة كشركة بورش، تستهلك أرقاماً مشابهة، خصوصاً عندما يصير البحث عن حضور إعلامي في الغرب مليء بالصفقات المشبوهة والأكلاف الوهمية، والشركات الاسمية التي لا وجود لها في الواقع. لكن كلّ ذلك تصير له أهمية وتنفتح العين عليه عندما تسقط الفائدة المرتجاة في السياسة، فعندما لا تعود «الجزيرة» استثماراً مجدياً يصير البحث برقم موازنتها الخيالي وما فيها من هدر، وعندما تفقد فرنسا وظيفة الحصان الشرق أوسطي يصير التساؤل عن سبب تحمّل خسائر سان جرمان الهائلة، وعندما تنفتح ألمانيا بقوة على إيران وتستعدّ للانفتاح على سورية يصير السؤال ولماذا ندفع خسائر ألمانيا في شركة بورش؟
– يبدأ التحوّل من تقدير أنّ «الجزيرة» كمؤسسة إعلامية أدّت دوراً استخبارياً هاماً لعشر سنوات خلت، ترسملت في نصفها الأول على الانفتاح على سورية وخيار المقاومة، وأنفقت نصفها الثاني على إشعال الحروب الأهلية، ونقل الفوضى إلى أبرز البلاد العربية. والشهادة لها أنها أدّت مهمتيها بنجاح، والذي فشل هو مشروع «الإخوان المسلمين» الذي شكل الحصان السياسي الذي وُضعت «الجزيرة» في خدمة حروبه، فأوصلته إلى حكم مصر وتونس وفشل التنظيم وليس «الجزيرة» في الحفاظ على المكاسب التي لعبت «الجزيرة» الدور الحاسم في تحقيقها، ومكنت «الجزيرة» تنظيم «الإخوان» من التقدّم إلى الصف الأول في إدارة الحرب على سورية وفشل التنظيم بنسختيه العربية والتركية ومرجعيته العالمية في توفير شروط الفوز. وعلى أبواب الموعد المنتظر للانتخابات التركية بعد شهر ونصف الشهر، سيكون لقطر موعد مع انهيار الجدار الأخير لحكم «الإخوان» في تركيا، القلعة التي حكموها منذ مطلع القرن الحالي ومنها بنوا أحلام مشاريعهم الأخرى، ولحسابهم تجنّدت مقدّرات قطر وعلى رأسها «الجزيرة»، وبات لزاماً على قطر البحث عن دور بديل وأدوات بديلة تتناسب مع هذا الدور.
– يؤكد تقرير «الغارديان» أنّ تراجع تأثير «الجزيرة» ومشاهديها كان سبب البحث عن بدائل، ولذلك فإنّ التراجع في الفعالية سيكون حكماً سبباً لتخفيض الإنفاق على «الجزيرة» من جهة، وتخفيض أكلاف الخطة الإعلامية من جهة مقابلة، لأنّ أيّ استثمار إعلامي يتزامن مع خفض موازنة «الجزيرة» إلى مليار دولار سنوياً فقط، لن يستهلك ملياراً آخر ويضمن لحكومة قطر نفوذاً أكبر وأشدّ فعالية.
– يكشف تقرير «الغارديان» أنّ أبرز البدائل التي تتجه قطر لمنحها الأولوية هي مشاريع يتولى الإشراف عليها النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة، الذي يصدر بمال قطري صحيفة عربية في لندن، ولا يتضمّن تقرير «الغارديان» ماهية المشاريع الأخرى التي يقترحها بشارة على القطريين والتي سيتولى الإشراف على ضمان المصالح السياسية لقطر من خلالها.
– انتقال بشارة من الضيف الأبرز لـ«الجزيرة» بصفة «المفكر العربي» إلى صاحب البدائل عنها، ليس مجرد نجاح لشخصه على حساب وضاح خنفر وأحمد منصور مهنياً، بل تعبير عن هزيمة مشروع «الإخوان» وفرضية جديدة يمثل بشارة رأس جسر معها، يمكن أن تشكل المشروع البديل كأداة ثقافية فكرية لتحقيق ذات الهدف، إشاعة الفوضى والسعي إلى دور تفاوضي على إيقافها، وهنا يلفت النظر البعد والخلفية اللذان يتحدّر منهما بشارة وتربطه علاقات واسعة بالمنتمين إليهما، وهما البعد المسيحي والخلفية اليسارية، فهل تريد قطر الدخول على خط جديد عنوانه تنشيط قيام مجموعات مسيحية في الشرق تمنحها منابر إعلامية باتت تتقن حرفية صناعة نجوم الشارع والثقافة والفن عبرها، بهدف تقديمها بدائل للقيادات المسيحية المشرقية التي تؤرق من يهمّ أمرهم حكام قطر، وترفع لواء التمدّن واللاعنف والديمقراطية. ومن جهة مقابلة هل تريد قطر استخدام متقاعدي اليسار العربي وتجميعهم، وتنشيطهم عبر تمويل إعلامي يعيدهم إلى الواجهة كقوة شبابية واجتماعية تمسك بالقضايا المطلبية، وتنزل بها إلى الشارع وتقول من خلالها نحن هنا؟
– يسهل على من يعيش تفاصيل السوق الإعلامية أن يلحظ صعوبة البحث في مشاريع جديدة عملاقة، من دون أن يلفت ذلك نظر المهتمّين ويؤدّي إلى طرح السؤال عن هويتها ومموّليها وأهدافها، ولذلك فمن الطبيعي أن يتوجه المشروع الجديد نحو مؤسسات إعلامية موجودة مكتوبة ومرئية ومسموعة أثبتت موجوديتها وانتزعت مشروعيتها، ومن يعرف السوق العربية إعلامياً يدرك أنّ عين بشارة على بيروت وصحفها وفضائياتها، وأنّ اجتماعات كثيرة شهدتها الدوحة ولندن تسير في هذا الاتجاه، وأنّ القضيتين المستهدفتين، مسيحيّي الشرق واليسار العربي، يبدأ تحريك عصبهما من بيروت، وها نحن في قلب الملعب، وها هي «الغارديان» مشكورة تكشف لنا نصف الحقيقة.
التعليقات مغلقة.