مقال هام … على هامش ذكرى انتفاضة تونس … من الثورة الدائمة إلى الثورة المُضادّة – “جلبير أشقر” نموذجا / الطاهر المعز

نتيجة بحث الصور عن جلبير الأشقر جلبير الأشقر

الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 17/12/2019 م … 




نتيجة بحث الصور عن تروتسكي تروتسكي

يُعتبر البروفسور اللبناني (إضافة إلى جنسياته الأخرى ) “جلبير أشقر” (مُدرّس في جامعات بريطانيا) من الرواد العرب في التيار التروتسكي (جناح “الأممية الرابعة”) خلال عقدَيْ الستينات والسبعينات من القرن العشرين (مولود سنة 1951)، ولا يزال ينشر عددًا هامّا من الكتب، ومن المقالات في المجلة النّظرية والتّحليلية، للأممية الرابعة، وقدّم نفسه خلال مقابلة مع صحيفة “معاريف” الصهيونية، بصفته “المرشد الثقافي الرسمي للجيش البريطاني”، أي إنه يلقي محاضرات ويُشرف على نقاشات بين الضّبّاط العسكريين البريطانيين، لتعريفهم ب”ثقافة وحضارة المشرق العربي”، و”العقلية العربية”، أو “الشّرقية”، بهدف تكييف الإحتلال أو تفاعله مع “العادات والتقاليد والثقافة السائدة”، ضمن برنامج أعدّته وزارة الحرب البريطانية (ويوجد ما يوازيه في الولايات المتحدة ودول امبريالية أخرى)، بغرض تَيْسِير مهمة الهيمنة على مجتمعات البُلدان التي يحتلّها الجيش البريطاني، بأسلحة “ثقافية” و”دينية” و”حضارية”، إلى جانب الهيمنة العسكرية، وهو عمل وقائي، يهدف اتّقاء الثّورات ورُدُود الفعل على الإحتلال، وهي أيضًا عملية إرشاد المُحتل، لكي ينْتِجَ دعايةً وإعلامًا، مُوَجّهَيْن نحو اجتثاث الوعي الوطني والقومي، وهي “مهنة” يُمارسها أيضًا البروفسور الأمريكي، الذي عاش فترةً من شبابه في مُستوطنة صهيونية (كيبوتز) في فلسطين المحتلة، “نوعام (أو ناعوم) تشومسكي”، مع الجيش الأمريكي، ولذلك دافع عن زميله “جلبير أشقر”، أي إن “الرفيق جلبير أشقر”، يَتَمَوّل من التّدريس في الجامعة، ومن تقديم المشورة لضبّاط جيش الإمبريالية البريطانية، في إطار إعادة انتشار القوة العسكرية، الدّاعمة لرأس المال الأمريكي والأوروبي، في الوطن العربي، وفي آسيا، وفي إفريقيا، وبذلك تنطبق عليه العبارة التي أطْلَقَها “فرانتز فانوزن” على المثقفين المحلِّيِّين المُشبَعين بثقافة الغازي والمُسْتعمِر، واعتبرهم من ذَوِي الجلود السَمْراء، لكنهم يضعون على وجوههم أقنعة بيضاء، تنطق بما يعجب المُسْتَعْمِر الأوروبي الأبيض …   

جاء “جلبير أشقر”، إلى بيروت مؤخرًا، لإلقاء محاضرة (أُلْغِيَت في آخر لحظة) بشأن “السّياق الإقليمي للإنتفاضة اللبنانية”، في ظل ارتفاع وتيرة تَوافُد المثقفين والأكاديميين الأوروبيين والأمريكيين، من ذوي الأُصول “الشرقية” أو العربية، كلما انتفض الشعب في هذه البلدان، أو يأتون كمرافقين للجنود الغُزاة، وهم “مُثقّفون في خدمة الآخر” (العبارة للرفيق “عادل سمارة”)، و”الآخر”، هو الإمبريالية، ويكون هؤلاء المثقفون دومًا في خدمة المُؤسسات “الثقافية” للغُزاة، والتي تلعب دَور الدّاعم (أو المُكَمِّل) للعمل العسكري، كالعدوان أو الإحتلال…

لم يكن “جلبير أشقر” معروفًا سوى لدى قلة من المناضلين الإشتراكيين العرب، عندما كان يُوقّع بعض النصوص الترتسكية باسم “صالح جابر”، قبل انتقاله إلى أوروبا، وبدأ ينشر كُتُبًا محدودة الإنتشار، تتكفل بتوزيعها دُور نشر صغيرة، وكان ينتقل بين فرنسا وألمانيا، ثم انتقل إلى بريطانيا، وارتقى أكاديميًّا، حيث يُدرّسُ في معهد الدراسات الشرقيّة والأفريقيّة ( SOAS ) في جامعة لندن (أي مؤسسة جامعية، وبَحْثِيّة، استعمارية بامتياز)، وتَسرّبت أخبار، تُفيد إنه قَدّمَ بعض الخَدَمات ليتمكّن من التّرقِّي في المهنة، إذ أصبح “مُرشِدًا” للجيش الإستعماري البريطاني، ولما افتضح الأمر، دافَعَ عن هذا الدّور (دَوْر الدّليل والمُخْبِر)، بذريعة عدم ترك ساحة “تَوْعِية” ضُبّاط جيوش حلف شمال الأطلسي لليمين المتطرف الذي يُدافع عن “صراع الحضارات”، وعلى هذا الأساس، قدّم له “نوعام تشومسكي” (الذي يُزاود على الجميع في نقد الإمبريالية الأمريكية) دعمًا غير مَشْرُوط، لأنه يقوم بنفس الدّور تجاه الجيش الأمريكي (ألّفا كتابًا مُشتركًا، سنة 2007، عن “السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط”)، غير إنه ليس “عربيا” أو “مشرقيا”، مثل “جلبير أشقر”، بالتوازي مع هذا الدّور، نَشر “البرفسور” كُتُبًا، في شكل بحوث توثيقية، تاريخية، مشبوهة، تُحاكِي سُلُوك من تَمسّح بالصّهاينة، في عملية ارتقاء درجات السُّلّم المهني والطّبَقِي، وسبق أن أشرنا إلى واحدة، من هذه المقابلات العديدة، مع صحيفة “معاريف” الصهيونية، بعد نشر كتاب “العرب والهولوكوست” (أي حرب إبادة النازية لليهود الأوروبيين، خلال الحرب العالمية الثانية) سنة 2010، (الطبعة العربية بعنوان “العرب والمحرقة النازية” – دار السّاقي 2010)، الذي يقطر سُمًّا، ضد “الحاج أمين الحُسَيْنِي”، وهو كتاب نَشَرَهُ صاحبه لإعلان الولاء والتّملّق والإرتزاق، ويُحمّل الشعبَ الواقع تحت الإستعمار تبعات استعماره واحتلال أرضه ووطنه، وتجاهل الكاتب كافة الوثائق المعاصرة للحاج أميسن الحسيني، ليستنتج ما يرتضيه الصهاينة، وما تروج له الحركة الصهيونية، من عداء لمن قاوم الإحتلال البريطاني، والإستيطان الصهيوني، رغم النقد الذي يمكن للتقدميين توجيهه للقيادة الرجعية والفاشلة للحركة الوطنية الفلسطينية، ومن بينها الحاج أمين الحسيني، الذي أراد الإستنجاد بعدُوِّ عَدُوِّهِ ولم ينجح، بل استخدمت الحركة الصهيونية هذا التكتيك الخاطئ ضدّه، وضد تاريخ المقاومة الفلسطينية، بينما  يعتبر “برنارد لويس”، صاحب نظرية حتمية “صراع الحضارات”، وأحد عُتاة الحاقدين على العرب، شُعوبًا وحضارة، إن العرب والمسلمين لم يُنتجوا أو يُروجوا عقيدة معادية لليهود، بل إن العداء لليهود تزامن مع الحرب الصهيونية العربية، ومع تغلغل الحركة الصهيونية في معظم الأوساط اليهودية، ولأن الكيان الصهيوني يصف نفسه بالدولة اليهودية، ويردد الإعلام الغربي ذلك، لذا فإن هذا العداء سياسي، ومعادي للإمبريالية، وليس ديني أو عُنصري، كما الحال في أوروبا، منبع العقائد العنصرية ( كتاب “ساميون ومعادون للسامية”)…

أصبح “المناضل الترتسكي” مَدْعُوًّا في ندوات عديدة، ووقع ترويج كتابه على نطاق واسع، في العالم، وكذلك الكتب العديدة التي نَشَرها عن الإنتفاضات العربية (أهمها على الصعيد العقائدي، كتاب “انتكاسة الانتفاضة العربية: أعراض مرضية”) ودعمته المؤسسات الأكاديمية ودُور النّشر الأمريكية والأوروبية، إلى جانب المؤسسات ووسائل الإعلام الصهيونية والقَطَرِية، وبعض المؤسسات المُقرّبة من مشْيَخَة “قطر”، والتي يُشرف عليها نائب الكنيست السابق “عزمي بشارة”، خُصُوصًا بعد دعم المجموعات الإرهابية، التي وَصَفَها بالثورية في سوريا، ودافع (كتابيا) في أيلول/سبتمبر سنة 2016، عن “القاعدة” وفُروعها (النّصرة”، ثم “فتح الشام”)، باعتبارها تُحارب “العدو الرئيسي” للشعب السوري، أي “النظام والجيش النظامي، وحلفائه”، ويعتبر القوات الإيرانية والروسية قوات احتلال، فيما لا يذكر شيئًا عن العدوان الأمريكي والأطلسي، ويستنتج “إنها لا تقوم باعمال إرهابية خارج سوريا”، ولذلك يمكن اعتبارها حركة مُقاومة للعدو الرئيسي في سوريا (النظام السّوري)، وبذلك يُبرِّئ الإمبريالية (وعُملاءها في الخليج) وقوى حلف شمال الأطلسي، والشركات متعددة الجنسية من حرب التّفتيت والتخريب، في سوريا وليبيا واليمن والعراق، ويعتبر “إن النظام السوري مسؤول عن الوضع الذي آلت إليه البلاد حاليا”، كما يعتبر النظام الليبي (بقيادة معمر القذافي) مسؤولا عن الوضع الحالي في ليبيا، وبذلك نُدْرِك سبب الدعم الذي  يحظى به هذا الرّمز “لليسار المُتحضّر”، لأنه يُعبّر عن هذه المواقف باسم اليسار، بما في ذلك في وسائل الإعلام الصهيوني، ويعتبر جلبير أشقر “النضال ضد الإمبريالية” بدعة اختلقها اليسار العربي الغَبِي للتنصل من الصراع الطبقي، وللتحالف مع الأنظمة القائمة، مثل النظام السّوري، وصبَّ جام غضبه على “اليسار المُناهض للإمبريالية” (هذه الإمبريالية التي يقبض منها ثمن خَدَماته التي يُقدّمها لجيوشها الغازية والمُعتدية)، وعملت جميع هذه المؤسسات الإعلامية على التعريف بكُتُبِهِ العديدة التي نَشرها بخصوص الإنتفاضات العربية، واعتباره من ذوي الإختصاص في شأن العرب والمشرق والمُسلمين، ولئن كان عمله “التوجيهي” أو “الإرشادي”، ضمن برنامج وزارة الحرب البريطانية، معروفًا لدى عدد محدود من المُطّلِعين، فإن صحيفة “مورنينغ ستار” البريطانية (25/07/2019) مكّنتْ من كَشْفِهِ على نطاق واسع، إثر نشر مقال عن مثل هذه الخَدَمات “الأكاديمية”، التي يقدمها “البرفسور جلبير أشقر” وغيره، للعسكريِّين الذين يقومون ب”مهمات” (أي احتلال وقصف وتجسس) في البلاد العربية و”الإسلامية”…

 

خاتمة:

يُعتَبَرُ “جلبير أشقر” نموذجًا لبعض رُمُوز اليسار، واليسار الترتسكي بوجه خاص، من أمثال أولئك الأمريكيين، الذي أصبحوا من المُنظِّرين اليمينيين لتيار “المُحافظين الجدد”، إلى السّورِيِّين الذين اعتبروا المنظمات الإرهابية الدينية “ثورية”، وبعض المنظمات الأخرى التي لا تتبنى رسميا “الترتسكية”، لكنها تتحالف مع الإخوان المسلمين، باعتبارهم يُمثلون “الإسلام السياسي المُعتدل”، كما تُسميه الدّعاية الأمريكية، وباعتباره “يناضل ضد الدكتاتورية”، كما ادعى زعماء بعض المنظمات العربية، سنة 2005، في تونس (حزب العمال) ومصر (الإشتراكيون الثوريون) وسوريا (حزب العمل الشيوعي)، وبذلك تحول بعض اليسار الإشتراكي، من النضال ضد الرأسمالية، ومن أجل إقامة مجتمع اشتراكي، عادل، إلى النضال “ضد الدكتاتورية”، من أجل “الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”، وهو نضال مَشْرُوع، لكنه من مهمات منظمات حقوق الإنسان، لأنه ضروري، ولكنه لا يُحقق العدالة الإجتماعية…

دَرَسَ “جلبير أشقر”، على طريقته، الإنتفاضات العربية، وأهمل، بل أزاح عَمْدًا، عامل الهيمنة الأجنبية على البلاد العربية، لِيُزيح بذلك مسؤولية الإمبريالية في تخريب وتفتيت واحتلال ليبيا وسوريا والعراق، واليمن، وهو بذلك يُعيد الصّراع العقائدي إلى فترة ما بين الحرْبَيْن العالميّتَيْن، وإلى تأمّل دَور التّدخّلات الخارجية، والإمبريالية في مُحاصرة الثورة البلشفية الإشتراكية في روسيا (ثم الإتحاد السوفييتي) من 1918 إلى 1922، وخلق وضع يُؤَدِّي إلى انتشار المجاعة وإلى فشل الثورة، التي لم تعتدِ على الإمبرياليات الأوروبية، بل دعا قادة الثورة الإشتراكية في روسيا إلى إنهاء الحرب العالمية الأولى، لأن ضحاياها من الفُقراء، في الجانبيْن المُتحارِبَيْن…

إن الخلاف الجوهري، اليوم، مع “جلبير أشقر” وأمثاله، يتمثل في تقويم مدى تأثير الإمبريالية في الحياة السياسية والإقتصادية في الدول العربية، وغير العربية، ودور صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ومنظمة التجارة العالمية، باعتبارها أدوات تستخدمها الإمبريالية للإطاحة بالأنظمة التي تُريد التّخلّص منها، إلى جانب أدوات أخرى، منها الإعلام والقوة العسكرية، والعُملاء المَحلِّيِّين من حُكام، ومن بعض المنظمات “غير الحكومية”، التي تُمول نَشَاطَها الدول الإمبريالية، وغيرها، كما يشمل الخلاف أيضًا (وهو نتيجة للخلاف الأول) طبيعة الكيان الصهيوني، ومسألة التحرر الوطني، التي اعتبرها الترتسكيون دائمًا مسألة ثانوية، بل اعتبروا، كما أسْلَفْنا، النضال الوطني والقَوْمِي رجعيًّا في جوهره، والتفافًا على الصّراع الطبقي، واعتبروا النضال الوطني (للتحرّر من الهيمنة الإمبريالية) هُروبًا من الصراع الطبقي، ووِفاقًا طبقيا مع بعض فئات البرجوازية…

تَبْدُو هذه المسائل الخلافية نَظَرِية بحتة، لكنها في الواقع تَظْهَرُ كُلّما احتدّ الصراع، وكلما انطلقت انتفاضة أو احتجاجات عامة، أو ثورة، وظهرت هذه الخلافات مُؤخّرًا في عدد من بلدان أمريكا الجنوبية، كالأرجنتين وتشيلي والبرازيل، وأدّت إلى انقسامات داخل حركة المُقاومة ضد الأنظمة أو الحكومات…  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.