روسيا .. ممنوع إسقاط سورية.. حتى لانسقط / د. نسيب حطيط
د. نسيب حطيط ( السبت ) 26/9/2015 م …
تسارعت الخطوات الروسية على الساحة السورية بشكل فاجأ اكثر الدول الإقليمية والغربية، لكنه لم يفاجىء أميركا وإيران وسورية، فتدفّقت المساعدات العسكرية من الأسلحة المتطورة والكاسرة للتوازن حتى مع العدو “الإسرائيلي” لجهة صواريخ أرض – جو، وغيرها من طائرات “سوخوي” الحديثة، وأسلحة متطورة لم يُكشف النقاب عنها، والأهم أن لاحدود ولا خطوط حمراء أمام هذه المساعدات الروسية، كما أعلنت القيادة الروسية، بل وأعلنت روسيا استعدادها للقتال في سورية إذا طلبت سورية ذلك، وعلى كل المستويات، لمنع إسقاط الدولة السورية والمؤسسات الأمنية والعسكرية، كما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي، أو كما حدث في ليبيا بعد ما يسمى “الثورة” القطرية والسعودية والتركية التي لم تبنِ دولة حتى الآن، مع أن القذافي قُتل، و”الناتو” والخليجيين “أسياد” ليبيا!
لكن السؤال: هل تقاتل روسيا في سورية دفاعاً عن سورية، أم عن نفسها؟ ولماذا تقاتل؟
بعد تعرُّض روسيا للخداع في ليبيا، وتغطيتها لعدوان “الناتو” عبر مجلس الأمن، وبعد العدوان السعودي على اليمن، ومحاولة الأميركيين السيطرة على باب المندب، ومحاولة السيطرة على سورية عبر إسقاط الدولة السورية، بحجة إسقاط الرئيس الأسد ودعم المعارضة السورية (غير الموجودة أصلاً)، وبعد تلمُّسها للخطر الداهم لها في الدول ذات الأغلبية المسلمة في آسيا الوسطى بعد أوكرانيا، وخشية من أن يطيح الاتفاق النووي الإيراني مع الـ”5+1″ بالوجود الروسي في المنطقة، والتي كانت الامبراطورة كاترين الثانية قد قالت: “مفاتيح بيتي في دمشق.. وإن لم نصل للمياه الدافئة سنتجمد في صقيع الشمال”، لذا قرر بوتين المواجهة وخلع القفازات الدبلوماسية، وأعلن استعداده للقتال في سورية للأسباب الآتية:
1- تقاتل روسيا في سورية ضد الإرهاب التكفيري الملقّح بأكثر من 2000 روسي، عدا عن التكفيريين من جمهوريات طاجيكستان وقرقيزستان وأوزباكستان والشيشان، وغيرها، حتى لا يتم نقلهم إليها بعد انتصار أميركا في سورية.
2- لم يبقَ لروسيا أي تواجد على البحر المتوسط، وكذلك على المضائق الأربعة (هرمز وجبل طارق وباب المندب والبوسفور) التي تتحكم بالتجارة العالمية والنفط وحركة الملاحة، إلا قاعدة طرطوس البحرية في سورية، وإن سقطت تجمّدت روسيا وحوصرت في الملاحة البحرية وما إلى ذلك من تداعيات.
3- ظهور المارد الصيني الاقتصادي والعسكري وعلاقته الاقتصادية المميزة مع أميركا، أخاف الروس وأقلقهم من مقايضة أميركية – صينية تقوم على أن السياسة والنفوذ العالميَين لأميركا، والاقتصاد للصين، ما سيقلّص الدور الروسي، أو ربما شطبه دولياً، كما حدث للدول الأوروبية التي تلعب دور “الكَوْرَس” في السياسة الأميركية وليس دور الشريك.
4- ظهور النفط والغاز مقابل الشاطىء السوري، وما يمثله هذان المنتجان في أساسيات السياسة الدولية، وتأثيرهما الاقتصادي، وبعد توقيع الاتفاقيات السورية – الروسية حولهما، أجبر الروس على القتال دفاعاً عن مصالحهم المتعددة المستويات.
هذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى التحالف الروسي – السوري التاريخي، ولا ننسى الصمود السوري الرائع والمميز مع حلفاء سورية الذين يقاتلون معها منذ بداية الأزمة، دفع القيادة الروسية للتجرؤ على اتخاذ أول قرار عسكري وسياسي منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي وهزيمته في أفغانستان، للدفاع عن الاتحاد الروسي، خوفاً من تعرّضه للتفتيت؛ كما حصل مع السوفيات قبل ذلك..
روسيا تدافع عن نفسها وعن العالم قبل الدفاع عن سورية، فالإرهاب التكفيري يهدد العالم، بمن فيهم صانعوه وداعموه، ما عدا الأب الروحي والجيني؛ الأميركي.
إن التدخّل الروسي سيقلص من حجم التدخل “الإسرائيلي” في سورية، خصوصاً الغارات الجوية “الإسرائيلية”، والدعم للتكفيريين والجماعات المسلحة، وسيجعل روسيا و”إسرائيل” متناقضَيْن في الميدان السوري، فـ”إسرائيل” في خندق “جبهة النصرة” وأخواتها، وروسيا في خندق المواجهة مع التكفيريين، وهذا ما يزيد من الخسائر “الإسرائيلية” في سورية، وتقليص الدعم، خوفاً من المفاجآت العسكرية؛ كما حصل مع صواريخ “الكورنيت” في حرب تموز 2006 في لبنان.
سورية خط الدفاع الأخير للأمن الروسي، وإن لم يقاتل الروس في سورية ستقاتلهم أميركا عبر التكفيريين في شوارع موسكو، وستعتصم المعارضة الروسية في الساحة الحمراء حتى إسقاط القيصر بوتين!
التعليقات مغلقة.