حقيقة العدوان على اليمن.. وهادي غير شرعي وهذه ادلتي / عيسى محمد المساوي

 

عيسى محمد المساوي ( السبت ) 26/9/2015 م …

عندما يأتي نظام ما يزال يُصنف عالميا على انه نظام ملكي استبدادي كالنظام السعودي ليقول ان عدوانه على اليمن هو من اجل الدفاع عن ” شرعية ”  الرئيس هادي يصبح من السهل على المتابع العادي معرفة حجم التناقض القائم في هذه القضية غير المنطقية ويصبح من الممكن أيضا تلمس كيف ان مسارات التسوية السياسية ما زالت متأثرة بهذا التناقض الذي يغري ببحث ملامحه الحقيقية في محاولة لتشخيص حالة التعقيد التي تصاحب العملية السياسية في ابسط محطاتها.

عندما نتحدث عن شرعية الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي من منظور الشرعية الدستورية او الشرعية الثورية يظهر النظام السعودي في حالة انكشاف لا يمكن تجاهلها، فمن منظور الشرعية الثورية التي اوصلت هادي الى رئاسة اليمن عبر استفتاء شعبي في اطار توافق سياسي عبرت عنه نصوص المبادرة الخليجية يمكن القول ان هادي انتهت شرعيته لثلاثة اسباب رئيسية:

أولاً: انه انهى الفترة الزمنية التي حددها التوافق السياسي لرئاسة هادي بسنتين ثم سنة اضافية اعتبارا من 21 فبراير 2012م.

ثانياً: انعدام التوافق السياسي على استمرارية هادي في الرئاسة بعد احداث يناير 2015م برفض اكبر قوتين سياسيتين لاستمرار هادي في الرئاسة هما حزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس اليمن الاسبق علي عبدالله صالح وحركة أنصار الله بقيادة السيد عبدالملك الحوثي.

ثالثاً: ان القوة القهرية التي ازاحت هادي وحكومته من السلطة تعتبر بنظر قطاع واسع من المجتمع اليمني نتاجا لاستمرار الفعل الثوري المصحح لمسار ثورة 2011م وهو ما بات يعرف بثورة 21 سبتمبر 2014م التي انتجت وثيقة السلم والشراكة برعاية الامم المتحدة ومباركة مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الاوروبي.

اما من منظور الشرعية الدستورية فان سلطة هادي والتوافق السياسي والمبادرة الخليجية لا شرعية لها باعتبار ان ثورة 2011م ” وما ترتب عليها ” كان عملا انقلابياً على الشرعية الدستورية ممثلة بسلطة منتخبة جسدت الارادة الشعبية عبر انتخابات رئاسية تنافسية في 2006م اسفرت عن فوز الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح بولاية رئاسية تنتهي في 2013م بموجب نصوص دستور شرعي مستفتى عليه شعبيا وفي ظل نظام ديمقراطي وتعددية سياسية وحزبية ومؤسسات ديمقراطية منتخبة.

تلك هي الشرعية التي تدافع عنها السعودية اما منتهية الصلاحية او انها من اساسها عملاً انقلابياً في حكم الشرعية الدستورية وعرف من لا يقرون بثورات الربيع العربي، اذا ما من شرعية لتبرير العدوان سوى شرعية الهيمنة التي تزيح الستار عن الجذور الحقيقية لهذا العدوان المرتبطة بالتغيير الراديكالي لطبيعة الدور المهيمن للنظامين السعودي والامريكي على اليمن، فخلال مسار التوسع الذي اوصل حركة أنصار الله الى العاصمة صنعاء استطاعت هذه الحركة المسلحة القضاء على أعتى مراكز النفوذ التقليدية المرتبطة بعلاقة تحالف قديمة مع النظام السعودي ممثلة بمشيخة آل الاحمر المتزعمين لقبيلة حاشد، غير ان سقوط صنعاء في 21 سبتمبر 2014م وهروب اللواء علي محسن الأحمر الرجل الثاني في نظام صالح الى ما قبل موجة الربيع العربي وأحد اركان تحالف 2011م كان بمثابة الاعلان الرسمي عن سقوط آخر معقل من معاقل تلك القوى المتنفذة ، ولأن هذه القوى كانت تتزعم الجناحين القبلي والعسكري في تنظيم الاخوان المسلمين باليمن المعروف بحزب التجمع اليمني للاصلاح فقد أُعتبر هذا السقوط بمثابة كسر لأدوات الهيمنة السعودية من جهة، وضربة قاصمة لتنظيم الاخوان المسلمين المدعوم من الادارة الامريكية منذ 2011م ليشكل مع عبد ربه منصور هادي الحليف البديل لنظام صالح من جهة أخرى.

مع نهاية يناير 2015م خرجت ازمة مسودة الدستور اليمني عن السيطرة متسببة بوضع الحكومة اليمنية والرئيس هادي تحت الاقامة الجبرية بعد حرب خاطفة اسفرت عن سيطرة انصار الله على العاصمة صنعاء بكل مؤسساتها وبما تمثله من رمزية، متوجة هذه الجولة الحاسمة بإعلان دستوري ولجنة ثورية عليا لإدارة البلاد.

بعيداً عن جدلية التوصيف الدقيق لتلك التحولات الكبيرة أكانت استكمالاً لثورة 21 سبتمبر 2014م او عملاً انقلابياً او احتلالاً ميليشوياً، تبقى النتيجة واحدة وهي السقوط المدوي لتحالف 2011م الحاكم ولما يمثله من امتداد لقوى الهيمنة الاقليمية والدولية، تلك القوى التي نجحت في احكام سيطرتها على اليمن واخضاعها لنظام وصاية غير مباشر استطاع ان يبقي اليمن دولة ضعيفة لا أكثر، هذا الانتصار الساحق بنظر انصار الله حمل رسائل بالغة الدلالة لقوى الهيمنة المتكبدة خسائر فادحة جراء خروج تفاعلات المشهد اليمني عن دائرة التحكم بعد عقود من السيطرة، ليصبح الخاسر الأكبر هما النظامين السعودي والامريكي وليس تحالف 2011م الذي لم يتجاوز عمره في السلطة 4 سنوات.

المحصلة النهائية بمختلف ابعادها بما في ذلك الخروج المُهين لقوى الهيمنة وأدواتها من اليمن كانت مستفزةً بشكل صارخ لقوى الهيمنة التي تصورت ان شن حرب على اليمن كفيل بازالة هذا الواقع واستعادة زمام السيطرة وهو ما لا يبدو متاحا بعد أن ناهز العدوان على اليمن شهره السادس.

 تلك هي حقيقة العدوان على اليمن، صراع محتدم بين قوى الهيمنة الخارجية وقوى الداخل اليمني الرافضة لعودة الهيمنة، اما شرعية هادي فليست اكثر من جسر لعبور ما سيتبقى من ادوات الهيمنة في طريقة العودة الى اليمن عبر تسوية سياسية ما زالت متعثرة منذ جنيف وحتى اليوم وستظل كذلك طالما أن طاولة المفاوضات لا تشبه ملامح المتصارعين الحقيقيين، فحين تغيب قوى الهيمنة عن طاولة المفاوضات او تحضر تحت مسميات لا تعبر عن صفتها الحقيقية في الصراع يكون من الطبيعي ان تنتهي هذه الجولات الى طريق مسدود تبدو فيه الامم المتحدة بهذا القدر من العجز الذي نشاهده اليوم، وبالتالي يصبح تكرار المحاولة ليس إلا مضاعفة لعدد مرات الاخفاق لا أكثر واعطاء وقت اضافي لمزيد من القتل والتدمير في محاولة لترجيح كفة طرف على حساب آخر.

قد تستمر مسرحية الامم المتحدة العاجزة عن توفير هدنة انسانية ناهيك عن فرض تسوية سياسية إلاً أنها لا يمكن ان تنتج حلاَ، والمسار الوحيد للحل يتلخص في قدرة القوى اليمنية الرافضة للهيمنة على فتح نافذة لمفاوضات جادة يشارك فيها النظامين السعودي والامريكي للاتفاق على تسوية نهائية للصراع واذا ما بحثنا في هذا المسار عن اقصر الطرق وأقلها كلفة سنجد ان الاقتصار على الجانب الامريكي في المفاوضات هو المسار الأمثل للحل، فحين تقتنع الادارة الأمريكية بضرورة التوقيع على التسوية المنجزة في جولة المفاوضات غير المعلنة لا يمكن للشرطي السعودي الا أن ينفذ.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.