دراسة … البعد الاقتصادي لهدم وإغراق أنفاق رفح / حسن عطا الرضيع

 

 

حسن عطا الرضيع * ( الثلاثاء ) 29/9/2015 م …

*باحث اقتصادي

حفر الأنفاق : الخطيئة الاقتصادية الكبرى للحكومة الفلسطينية المقالة رغم أهميتها من الناحية الإنسانية.

في ظل تفاقم الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2006 بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية في دورتها الثانية وحصولها على 74مقعد من أصل 132 مقعداً (حصلت حماس على 56 % من عدد المقاعد, في حين رفضت المشاركة في انتخابات العام 1996م )؛ وتشكيلها للحكومة ومعارضة قوى وطنية في المشاركة بالحكومة وعلى رأسها حركة فتح والتي تقود السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينيتين ؛ تعرضت تلك الحكومة لمعارضة شديدة من العديد من الحكومات بالعالم على اعتبارها حكومة تديرها حركة حماس والتي تنتمي فكرياً لجماعة الأخوان المسلمين لتكون بذلك التجربة الأولى عربياً لوصول قوى الإسلام السياسي لسدة الحكم بانتخابات اعترف العالم بنزاهتها, رفضت تلك الحكومة مراراً وتكراراً شروط الرباعية الدولية؛ الأمر الذي أفضي بفرض عقوبات اقتصادية عليها تمثلت بتفاقم الأزمة المالية؛ وعدم تمكنها من صرف رواتب للموظفين وساهم ذلك بحدوث حالة من الركود الاقتصادي وتراجع أداء الأسواق, إضافة لأزمة سيولة في العملات المتداولة وتحديداً الدولار الأمريكي والدينار الأردني في البنوك العاملة في قطاع غزة (منع البنك المركزي الإسرائيلي التعامل مع بنوك قطاع غزة بعد أن اعتبر قطاع غزة كياناً معادياً بتاريخ 2007-9-19 ؛ قامت البنوك بدفع رواتب بالشيكل أحياناً وأخرى بالدولار والدينار؛ مما عزز ذلك تضارباً واختلالاً واضحاً في سعر الصرف وذلك بسبب وجود فرق بين سعر صرف وحدة 100 دولار مثلا بحوالي 5شواكل تذهب لصالح البنوك وكبار محلات الصرافين في حين يفقد المواطنين حوالي 2-1% من قيمة مدخراتهم ودخولهم بسبب تلك العملية المثيرة للدهشة في قطاع غزة والتي تؤدي مع مرور الوقت لمزيد من التعقيدات في المجتمع بقطاع غزة كميله المتنامي نحو اللا عدالة واللا إنسانية أحياناً ولهذا تأثيرات كبيرة مستقبلاً , حيث أن تأثيراتها في الوقت الراهن محدودة ولكن تتسع مع مرور الوقت إلى أن تنفجر وتتسع بقعة الزيت), ونتيجة لتفاقم وتيرة الحصار والذي تمثل بإغلاق إسرائيل لمعابرها مع قطاع غزة والبالغة 7معابر(أغلقت إسرائيل 5 معابر منذ العام 2006 ولغاية الآن)؛ ومنع إدخال السلع والبضائع والتي تقلصت من 9000 سلعة إلى قرابة 30 سلعة , والذي ساهم بارتفاع المستوي العام للأسعار والتي اقتربت من 10% في العام 2008م, وهو العام نفسه الذي شهد ارتفاعاً في معدلات البطالة والتي بلغت قرابة 50% والفقر فاق أل 70% وهي نسب مرتفعة قياساً بالأعوام السابقة لما قبل الحصار الإسرائيلي المستديم والذي لا يتوقف؛ في ظاهرة أكثر تعقيداً كون أن هناك بطالة يرافقها ارتفاع في المستوى العام للأسعار وهي الحالة الأكثر تأثيراً وكارثية في الاقتصاد بشكل عام , أدت تلك الظروف الصعبة إلى اتجاه الفلسطينيين في قطاع غزة إلى البديل الأسوأ والأكثر كارثية من الناحية الاقتصادية والتنموية وهي حفر أنفاق للتهريب بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية؛ تلك الأنفاق وكشكل جديد مر به الاقتصاد الغزي يعتبر جزء من علاقات اقتصادية غير متكافئة وتميل أنشطتها للطفيلية والريعية من جهة وآثارها التدميرية من جهة أخرى, وشكلت مبدأ الاقتصاد الأسود والأكثر خفياً؛ وغير المنتج في عدداً كبير من أنشطته المتنوعة؛ وهذا ما أظهرته الدراسات المتعلقة بذات الموضوع أو بموضوعات ذات صلة بالاقتصاد في قطاع غزة حيث بلغت قيمة الاقتصاد الخفي في قطاع غزة في ذروة عمل الأنفاق عام 2012م إلى حوالي 2 مليار دولار , في حين يبلغ متوسط قيمة الاقتصاد غير المنظم (الخفي,الأسود) سنوياً قرابة 817 مليون دولار وهو ما يشكل 16.9% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة , لقد بدأ العديد من عمال قطاع غزة بحفر الأنفاق في العام 2007م رغم وجود أنفاق في عهد سابق لإنشاء السلطة الفلسطينية استخدمت لتهريب عدداً من السلع, بدأ العام 2007 ببناء 20 نفقاً وارتفعت إلى حوالي 1532 نفقاً في العام 2013, تزايدت وتيرة بناء الأنفاق بوتيرة عالية وكذلك بتكلفة مرتفعة إذ يبلغ تكلفة المتر الواحد قرابة 100 دولار,ساهمت تلك الأنفاق المنتشرة على الحدود بين رفح ومصر على إدخال آلاف السلع والبضائع وحففت من حدة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وذلك بتوفيرها للسلع الأساسية والضرورية, ثم انحرفت عن مسارها الحقيقي التي وجُدت من أجله, لتشكل مكاناً للمضاربات وإدخال الممنوعات والتركيز على بعض المنتجات كمواد ولوازم الإنشاءات والوقود, على حساب السلع الغذائية والمواد الخام التي تستخدم لنمو الإنتاج المحلي, وهذا يظهر باستحواذ مواد البناء على 50-40% من حجم التهريب والبالغة سنوياً قرابة مليار دولار, وهذه الكميات الكبيرة من مواد البناء والتشييد التي دخلت غزة خلال تلك الفترة ساهمت بارتفاع نمو قطاع الإنشاءات وزيادة مساهمته في الناتج, حيث وفر هذا القطاع ما يقارب 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر و 40 ألف بشكل غير مباشر, إضافة لذلك فإن هناك فروقات في أسعار مواد البناء؛ حيث أن تكلفة المواد التي يتم تهريبها عبر الأنفاق والتي تستخدم في قطاع الإنشاءات أفل من أسعار المواد المستوردة من المعابر الإسرائيلية بحوالي 40-30% ( أسعار الأسمنت أقل ب 30% والحديد ب 3% والبسكورس ب 12%), هذا الانخفاض في الأسعار أدى أن يكون تكلفة الوحدة السكنية التي استخدمت سلع الأنفاق أقل من التي استخدمت مواد مستوردة عبر المعابر بحوالي 18-15%.

اقتصادياً إغلاق الأنفاق : شر لا بد منه

قام الجيش المصري بتدمير عدداً كبيراً من الأنفاق المنتشرة مع قطاع غزة في يونيو 2013, وتسبب ذلك بتفاقم مشكلات غزة الاقتصادية, ويتضح ذلك بالارتفاع المتنامي في معدلات البطالة والفقر, حيث فقد حوالي 100-70 ألف شخص لفرص عملهم بسبب عملية الإغلاق وساهم ذلك بارتفاع معدلات البطالة إلى حوالي 44% في العام 2014 بعدما بلغ 32% قبيل الإغلاق حيث بلغ عدد العاملين في الأنفاق 12 ألف إضافة إلى وجود 3 آلاف يعملون في مجالات مرتبطة بالأنفاق كالتجارة الداخلية والنقل , إضافة لخسائر إجمالية فقدها اقتصاد غزة بلغت 500 مليون دولار وفقا لتقارير رسمية من غزة, في حين قدرت السلطة الفلسطينية خسارتها الضريبية خلال عمل الأنفاق بحوالي 200-160 مليون دولار سنوياً (وهي أل 17-16% كضريبة مقاصة تفرض على واردات تقترب من مليار دولار سنوياً), وهو ما يشكل 12-10% من إجمالي إيراداتها الضريبية, ومن سلبيات الإغلاق هي ارتفاع الفجوة بين الطلب والعرض على الوحدات السكنية حيث وصلت تلك الفجوة إلى 95%, وسبب ذلك أن ما يدخل قطاع غزة من مواد ومستلزمات البناء من المعابر الإسرائيلية لا يزيد عن 10% من حاجة السوق,ومع هذه الكميات المنخفضة نسبياً فإن واقع قطاع غزة يميل للمزيد من التدهور وخصوصاً مع النمو الكبير في الطلب على الوحدات السكنية حيث أن النمو السنوي يقدر بحوالي 6% في حين أن ما تحتاجه غزة سنوياً من الوحدات السكنية يزيد عن 10 آلاف ولمدة عشر سنوات قادمة , إضافة إلى العجز المتراكم والبالغ 40 ألف وحدة سكنية فقط في سنوات 2014-2007, يُذكر أن عدد الأنفاق التي استخدمت لإدخال الأسمنت بلغت 6 وكانت تُدخل 35-30 طن يومياً , وبسبب إغلاق الأنفاق فقدت الحكومة الفلسطينية مورداً مالياً مهما حيث أشار وزير الاقتصاد الوطني بالحكومة المقالة الدكتور علاء الرفاتي أن حكومته قد فقدت قرابة 460 مليون دولار بعد شهرين من الإغلاق وأدت ذلك إلى حدوث أزمة مالية للحكومة منعتها من صرف رواتب لموظفيها البالغين 43-39 ألف منذ ديسمبر 2013 , ساهم ذلك بارتفاع التزامات الحكومة للعاملين لديها إذ بلغت مديونية حكومة غزة السابقة 350 مليون دينار أردني( 500مليون دولار).

 

قطاع غزة : غير قابل للعيش في العام 2020

أشارت تقارير الأونكتاد أن قطاع غزة غير قابل للعيش في العام 2020 , ولكن من يتابع مؤشرات الاقتصاد في قطاع غزة يلاحظ أن الأوضاع الكارثية ومأساويتها تعني أنها غير قابلة للعيش في الوقت الراهن, حيث أن مؤشرات الانهيار الاقتصادي باتت قاب قوسين أو أدنى حيث تباطؤ الإنتاج بنسبة 15% إضافة لمعدلات بطالة وفقر هي الأعلى عالمياً, إضافة لاعتماد قرابة 80% من الغزيين على المنح والمساعدات الخارجية, وعدم قدرة 93% منهم على الحصول على متطلبات الحياة الأساسية, ناهيك عن تناقص المخزون الجوفي وعدم وصول المياه لنسبة كبيرة من الأسر الغزية, وارتفاع نسب الملوحة بمياه الشرب, إضافة لتأخر عملية الإعمار وارتفاع التشوه في أنماط الاستهلاك , حيث يزيد الاستهلاك عن الناتج بحدود 30% , وهذا تسبب في تناقص معدل الادخار الوطني وبلوغه نسب سالبة, مما يعني وجود فجوة كبيرة ومتنامية مع الوقت في الموارد المحلية الفلسطينية في قطاع غزة, كل تلك المؤشرات تشكل بداية لحدوث كساد اقتصادي شديد يمتد لحدوث انهيارات في عدة أنشطة , ومن أبرز سمات هذا الكساد التشوه الكبير في أسواق العمل حيث ارتفاع عدد الداخلين إلى سوق العمل بنسب كبيرة تستعصى وجود حلول في المدى المتوسط والطويل, حيث يفوق عدد العاطلين عن العمل أل 200 ألف عاطل منهم حوالي 110 ألف خريج جامعي, إضافة لارتفاع نسبة بطالة خريجي الدراسات العليا.

البعد الاقتصادي لإغراق الحدود الفلسطينية مع مصر بمياه البحر في سبتمبر 2015:

بدأ الجيش المصري بإغراق الحدود مع قطاع غزة والتي تمتد إلى 12 كيلو متر بمياه البحر لتدمير منطقة الأنفاق والتي تم إغلاقها في يونيو 2013 , ولتلك العملية مخاطر كبيرة محدقة بالتربة وبمخزون المياه الجوفي, حيث ترتب على ذلك حدوث انهيارات كبيرة في التربة, مما يهدد المساكن القريبة من المنطقة, ويعرض السكان للخطر, إضافة إلى زيادة في نسبة الملوحة في التربة والمياه, مما يجعلها غير قابلة للزراعة, ومن أبرز تداعيات ذلك تراجع إنتاج القطاع الزراعي شبه المُنهار أصلاً , وتناقص المخزون الجوفي من المياه و تدهور التربة , وفقدان المئات من المزارعين لفرص عملهم , وتباطؤ القطاع الزراعي ولذلك انعكاسات أخرى على نمو الاقتصاد, ومن الآثار كذلك ارتفاع في مستوى الأسعار وتحديداً الخضروات المزروعة في رفح وخانيوس وهي الأماكن الأكثر تضرراً من غرق الأنفاق بمياه البحر كونها المنطقة الأكثر إنتاجا زراعي في قطا ع غزة.

رفح : وتأثير نظرية الفراشة the butterfly effect

تُعتبر محافظة رفح الفلسطينية من أكثر المناطق في قطاع غزة اهتماماً بالقطاع الزراعي, كونها منطقة زراعية وتمتلك لمساحات شاسعة من الأراضي والتربة الملائمة للزراعة, حيث يبلغ عدد سكان رفح قرابة 250 ألفاً, منهم 8000 مزارع , وتبلغ نسبة النساء العاملات في القطاع الزراعي برفح 16%, وتتسم مدينة رفح بارتفاع مساهمة الزراعة في الناتج المحلي, وارتفاع قيمة الإنتاج الزراعي مقارنة بمحافظات قطاع غزة الأخرى, ويعود ذلك لارتفاع عدد المشاتل الزراعية والمعاصر والآبار الزراعية ووجود عدداً كبيراً من التراكتورات الزراعية, حيث يبلغ عدد المشاتل الزراعية 19 , وعدد المعاصر 2, والآبار الزراعية يبلغ عددها 380 بئراً, إضافة لوجود 3فقاسات لإنتاج البيض , و101 تراكتور زراعي, وتبلغ المساحة الكلية لرفح 60,000 دونم منها 21,000 مستغل بالزراعة أي ما نسبته 35% وهذا ما يجعلها مدينة زراعية, وتبلغ مساحات المراعي 300 دونم, بلغ إنتاج مدنية رفح عام 2012 حوالي 91مليون دولار, منها 31.3 مليون دولار إنتاج حيواني و 0.385 مليون دولار إنتاج الثروة السمكية, تشكل الزراعة في رفح رافداً مهما للقطاع الزراعي الفلسطيني بسبب زراعتها لنسبة كبيرة من المحاصيل الزراعية والحقلية والفاكهة والحمضيات والزهور والتوابل والأسماك, حيث تزرع رفح 57 صنفاُ من المحاصيل الزراعية, و19 من المحاصيل الحقلية, و 12صنفاً من الفاكهة, و9 أصناف من الحمضيات, و 6 أصناف من الزهور, إضافة إلى 42 نوعاً من الأسماك.

وعليه فإن قيام الجيش المصري بإغراق الأنفاق بمياه البحر سيترتب عليه تأثر القطاع الزراعي برفح من خلال تناقص المساحات المزروعة بالخضروات والفاكهة وتراجع الأمن المائي لمحافظة رفح, الأمر الذي سُيلقي بظلاله على حجم المعروض السلعي وبالتالي ارتفاع الأسعار في قطاع غزة ككل, وهذا أثر الفراشة , فإذا رفرفت بجناحها برفح وأثرت على القطاع الزراعي تأثر كل اقتصاد قطاع غزة, حيث أنه من المتوقع أن ترتفع معدلات البطالة في رفح وخصوصاً في النشاط الزراعي, وعلى الرغم من أن عدد من سيفقد عملهم هم بالمئات إلا أن تأثيرات ذلك على المدى المتوسط سيكون كبيراً, حيث تناقض المخزون الجوفي وارتفاع درجة ملوحة التربة , وتناقص الإنتاج الزراعي , إضافة لإمكانية إفراغ رفح من سكانها وعدم تمكن عدداً من أبناءها لبناء مساكن وزراعة أراضيهم.

نفقات التشريعي تفوق نفقات وزارة الزراعة في الموازنة الفلسطينية :

في ظاهرة خطيرة, وتمثل اختلالاً بنيوياً في الموازنة العامة الفلسطينية , وتهدد مقومات الاقتصاد الفلسطيني تكمن في تراجع نصيب الزراعة في الموازنة الفلسطينية, حيث لا يزيد نصيب الزراعة في الموازنة الفلسطينية في أحسن أحوالها على 1% رغم أهميتها القصوى في توليد الدخل ونمو الاقتصاد وتوفير الأمن الغذائي , في حين تبلغ نفقات المجلس التشريعي الفلسطيني(132 عضواً لا ينتجون شيئاً منذ عشر سنوات) سنوياً قرابة 121 مليون دولار أي 2% من قيمة الموازنة الفلسطينية البالغة 5 مليار دولار أي ضعف حصة الزراعة, إذ يبلغ متوسط مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني السنوي 4.7%, في حين تبلغ حصته من التمويل كنسبة من إجمالي التسهيلات البنكية 1.2%, وهذه المؤشرات السلبية إضافة لعدم حصول المزارعين على تعويضاتهم وخصوصاً في غزة إلى تراجع الإنتاج الزراعي وتحديداً المساحات المزروعة بالفراولة والتي تناقصت بنسب كبيرة بسبب خسارة المزارعين الناجمة عن منع التصدير وتراجعه من 10 مليون دولار سنوياً إلى بضع آلاف من الدولارات, كل هذا التراجع في النشاط الزراعي وتراجع الاهتمام الحكومي والمؤسساتي بالزراعة ومع إغلاق الأنفاق وتعرض التربة برفح للتدهور سيؤثر سلباً على كافة مناحي الحياة الاقتصادية في قطاع غزة.

علاج الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة والتقليل من آثار الفراشة :

نظراً للخصوصية التنموية في قطاع غزة, ومع تفاقم المشكلات الاقتصادية وتراجع مستويات النمو والتنمية, وعلى الرغم من تعدد البرامج الحكومية المنتهجة للحد من درجة الحرمان والفقر عبر تكثيف الجهود الرامية لتخفيف من حدة الفقر كبرامج الحماية الاجتماعية التي تنفذها وزارة الشؤون الاجتماعية, إلا أن ذلك لم يحد من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية, ويعود ذلك لعدم الاهتمام بالأبعاد التنموية لتلك السياسات, وبناءاً على ذلك فإنه للحد من معضلة البطالة في قطاع غزة, فإن ذلك يستلزم إعادة النظر في السياسات الاقتصادية المنتهجة في الأراضي الفلسطينية والتي تعتمد على اقتصاد السوق والذي أثبت بالأدلة الدامغة عدم مواءمته للاقتصاد الفلسطيني الذي لا يمتلك أدنى مقومات الاستمرار والعيش, ويتضح ذلك من خلال تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي وتراجع حجم الإنتاج, وارتفاع مستويات الاستهلاك لحدود تفوق الإنتاج المحلي, والاعتماد المتنامي على قطاعات الخدمات بمفهومها الشامل, ويرى مُعد المقال إلى أن أهم المشاريع التي من الممكن أن تحد من المشكلة الاقتصادية في قطاع غزة تكمن بالنقاط التالية:

1- الاستثمار في مشاريع البنية التحتية, كشق وإصلاح الطرق والأراضي , وتكثيف الاستثمار في القطاع الزراعي والصناعات التحويلية, ودعم مشاريع البناء والتشييد؛ حيث أن المؤشرات الراهنة تدلل على ذلك وتحديداً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير المعروف بالجرف الصامد والذي أدوي بحياة قرابة 2200 فلسطيني, حيث أنه وفقاً لبعض الدراسات أن حاجة قطاع غزة فقط للعام 2014 تصل إلى 70,000 وحدة سكنية , وأن هناك حاجة سنوية إلى 13,000 وحدة سكنية ؛ مع وجود زيادة طبيعة تقدر سنوياً بحوالي 6%, وستصل الحاجة في العام 2020م إلى حوالي 180,000 وحدة سكنية, وعليه فإن الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والمرتبط ببدء إعمار قطاع غزة من شأنه أن يوفر الآلاف من فرص العمل ويقلل ذلك من آثار وصدمات الأزمات المتفاقمة في قطاع غزة, ويكبح جماح البطالة ووقف ارتفاعها المتنامي.

2- تركيز الاهتمام بالتمويل الميكروي والذي يقوم على إقراض الفقراء والعاطلين عن العمل وإدخالهم بسوق العمل , ويمكن لتحقيق ذلك, اشتقاق الدروس من فلسفة التمويل الأصغر والتي يتسم بإقراض العاطلين عن العمل مبالغ مالية تكفي لإنشاء مشروع متوسط ويدر دخلاً سنوياً ومستمراً بشكل يحقق درجات معينة من الآمان وتحقيق الذات لصاحبه , وذلك بدون أسعار فائدة وبفترات سماح عالية نسبياً, ومن أبرز التجارب الناجعة في ذلك؛ هي التجربة البرازيلية والهندية ومحمد يونس ببنجلادش وعبد اللطيف جميل في السعودية وتجربة بنك ناصر الاجتماعي بمصر, ونظراً لارتفاع معدلات البطالة ووصول عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة لقرابة 220,000 شخص في نهاية العام 2014 وإمكانية لارتفاع العدد لقرابة 250,000 خلال شهور؛ وتعتبر تجربة البروفيسور محمد يونس في علاج المشكلة الاقتصادية وإدخال الفقراء والعاطلين عن العمل في سوق العمل الأكثر تناسباً للدول النامية بما فيها اقتصاد قطاع غزة ؛ رغم التباين الكبير في كلا البلدين من حيث إمكانية تطوير ودعم مشاريع نسائية وزراعية وصناعة المواد الغذائية وبعض الصناعات التحويلية وأهما صناعة المنسوجات والأثاث, حيث بدأت التجربة البنغلادشية بإنشاء البروفسور محمد يونس بنك جرامين لإقراض الفقراء وتنمية المجتمعات الفقيرة في العام (1976) وتقديم قروض صغيرة للفقراء وخصوصا النساء لتمويل مشاريع متناهية الصغر لم تتجاوز 200 دولار في المجال الزراعي والمهن والتصنيع وبدون أي شروط وبدون ضمانات ولم يأخذ بعين الاعتبار توفر الجدارة الائتمانية للمقترض والتي غالبا ما تكون منخفضة جدا للفقراء ومحدودي الدخول الذين يفتقرون للإمكانيات المادية التي تساعدهم في إنشاء مشاريع تخرجهم من دائرة الفقر, وتقوم فلسفة محمد يونس على أن الفقراء يحتاجون القليل من المال ليصبحوا منتجين وفاعلين في مجتمعاتهم وبالتالي ينتقلوا من مستوى( دخل منخفض _ادخار منخفض _استثمار منخفض) إلى (دخل منخفض _توفير _ استثمار_ دخل أكبر(.

3- إنشاء مناطق صناعية في محافظات قطاع غزة, يمكن من خلالها توفير الآلاف من فرص العمل من جهة, والنمو في الإنتاج الصناعي كأهم مورداً للنمو الاقتصادي من جهة أخرى, وأن يكون إنتاج تلك المناطق كافياً ويلبي احتياجات قطاع غزة, وتحديداً في توفير السلع الضرورية من غذاء وملابس وبعض الاحتياجات التي يحتاجها المواطن الفلسطيني.

4- تنمية المخيمات الفلسطينية المنتشرة في قطاع غزة, عبر دعم وتقديم التسهيلات اللازمة لإنشاء عدداً من المشاريع الصغيرة, وتحديداً مشاريع المرأة كالأعمال النسوية والخياطة وتعليب المواد الغذائية وبعض المشاريع التي لها علاقة بالصناعة السياحية, وهذا من شأنه توفير مئات من فرص العمل في كل محافظة من محافظات قطاع غزة.

5- تفعيل الثورة البيضاء “المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية”, وإتباع سياسات اقتصادية داعمة للمنتج المحلي, وتحديداً في بعض السلع والمنتجات التي يتميز بها القطاع الصناعي الفلسطيني, كصناعة النسيج والأحذية, والمواد الغذائية والأثاث وغيرها من المنتجات المحلية, وهذا من شأنه دعم وتنمية الاقتصاد في قطاع غزة.

6- إعادة النظر في موازنة السلطة الفلسطينية والتي تهتم بالأمن والقطاع الاجتماعي على حساب القطاعات التنموية, وذلك بزيادة حصة الزراعة والصناعة والبنية التحتية من الموازنة, وإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية ككل, كزيادة دور القطاع العام, وتشديد الرقابة على الأسعار وعلى عمل الجهاز المصرفي ومؤسسات الإقراض المتخصصة والتي تلعب دوراً محدوداً في توفير فرص العمل, كما يتوجب الاستثمار المكثف في الزراعة كونها مصدراً لتوليد الدخل ووطن, وكذلك إنشاء مزارع لتربية الأسماك لتغطية النقص في الثروة السمكية, وبناء العديد من الدفيئات والفقاسات والآبار الزراعية وذلك لإنتاج ما يكفي غزة من الثروة الزراعية والحيوانية.

7- توجيه المنح والمساعدات الخارجية لقنوات الاستثمار الحقيقي, بدلاً من تمويلها للعجز في الموازنة العامة الفلسطينية, والضغط على إسرائيل للاستفادة من موارد الأراضي الفلسطينية كغاز بحر غزة والذي يوفر دخلاً سنوياً يزيد عن 3مليار دولار ,والثروات المادية في مناطق c بالضفة الغربية .

8- زيادة الاهتمام بالمورد البشري في قطاع غزة, عبر الاهتمام بالقطاع التعليمي والبحث العلمي, والاستثمار في قطاعات البرمجة والتطوير, إضافة لبناء مستشفى تخصصي يهدف للارتقاء بالمستوي الصحي واستقدام علماء وأطباء من الخارج وتحديداً من مصر من جهة , وإرسال بعثات من أطباء وطلاب غزة لتعلم العلوم الدقيقة في الصحة كاستشاري القلب وغيرها من التخصصات التي تفتقدها مستشفيات قطاع غزة, وبذلك يتم توفير عشرات الملايين من الدولارات والتي تدفع كتحويلات للعلاج بالخارج.

9- نظراً للارتفاع في ملوحة المياه, والنقص الحاد في المياه العذبة , يتوجب على السلطة والحكومة الفلسطينيتين الاستثمار في إنشاء محطات لتحلية المياه على مستوى محافظات غزة , ومن المتوقع أن يساهم هذا المشروع والذي يكلف قرابة 450مليون دولار؛ مئات فرص العمل ويحد من مشكلة نقص الأمن الغذائي في قطاع غزة.

10- إعادة النظر بالسياسات المالية المنتهجة في قطاع غزة, والعمل قدر الإمكان على زيادة النمو في الإنفاق الحكومي بوتيرة أعلى من النمو في الإيرادات الضريبية, وكذلك تطبيق سياسات اقتصادية تتجه نحو مزيداً من العدالة الاقتصادية والاجتماعية, وفرض حد أدنى للأجر وربطه بمستوى المعيشة وبحد الفقر , إضافة لفرض ضرائب تصاعدية على الدخول والأجور, ووضع حد أقصى للأجور , والاهتمام أكثر بالضرائب المباشرة على الدخول وأرباح الشركات, وتقليل اعتماد الحكومة على موارد مالية جُلها من المساعدات والضرائب غير المباشرة والتي بتحملها الفقراء وذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة .

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.