أوجه الاختلاف بين الوجود السوفيتي في أفغانستان والدعم الروسي لسورية
الأردن العربي كتب محمد شريف الجيوسي ( الثلاثاء ) 29/9/2015 م …
تدخل السوفييت في أفغانستان في صيف سنة 1979 بعد 6 أشهر من توقيع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بـ 6 أشهر؛ توجياً للمخابرات المركزية الأمريكية يخوّلها القيام بحملات دعائية لأجل ( تحويل موقف الناس ضد الحكومة الثورية ) الأفغانية الشيوعية .
وباتخاذ أمريكا هذا القرار ، وجد الإتحاد السوفيتي من حقه التدخل العسكري المباشر باعتبار أن أمن أفغانستان يمس مباشرة أمن الاتحاد السوفييتي في الجنوب منه ؛ حيث الجمهوريات الإسلامية السوفياتيات الـ 3 طاجاكستان و أوزباكستان وتركمانستان يقعن شمال أفغانستان ، وباعتبار أن أفغانستان (الإسلامية ديمغرافياً) تقع بين باكستان الإسلامية جنوباً وإيران الإسلامية غربا (التي تفجرت فيها ثورة إسلامية طموحة )وباعتبار أن الصين تقع شرق أفغانستان التي لم تكن لتربطها علاقات صداقة مع السوفييت، وقامت لاحقاً بدعم الحركات المناهضة للحكم الأفغاني الشيوعي الصديق للسوفييت إلى جانب كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وباكستان .
وتزامن تدخل الإتحاد السوفييتي مع تورطه في غير حرب ، في أنغولا واليمن الجنوبية وأثيوبيا .. ولحق ذلك (الثورة العمالية )في بولونيا، التي رسمت مقدمات إنهيار الكتلة الإشتراكية والاتحاد السوفييتي إلى جانب عوامل أخرى عديدة، منها اجتياح الكيان الصهيوني للبنان وإشغال سورية فيه وتراجع القضية الفلسطينية .
وتوالت التغييرات السوفيتية الداخلية برحيل طاقم الحكم السوفييتي (بريجنيف بودغورني كوسيجين ) فمجيء أندربوف ( الذي لم يمكث طويلاً وهناك تساؤلات وشكوك حول رحيله المتعجل ) فـ تشيرنينكو ، حدث ذلك كله خلال فترة وجيزة لم يستقر خلالها الحكم السوفييتي ، وجاء غورباتشوف إلى الحكم بـ (إنقلاب) فكري (إن صح التعبير) عبر عنه بما أسماه (إعادة البناء ) فكانت بمثابة إسقاط لتقاليد الحكم السوفيتي بعد عقود من رسوخه ، ومضى غورباتشوف بعيداً فوقّع مع الرئيس الأمريكي ريغان الأسبق اتفاقيات عسكرية إستراتيجية بدا فيها السوفييت يتراجعون، فيما بدا الأمريكان يتقدمون،وأظهرت وسائل الإعلام غورباتشوف وهو يقف إلى جانب رونالد ريغان صغيراً تابعاً وكأنها أرادت ان توحي أن الاتحاد السوفييتي مقبل على زوال..بمعنى أن السوفييت عندما خاضوا حربهم الأفغانية كانوا في حالة مقدمات إنهيارهم.
أما روسيا الاتحادية الآن فأمرها مختلف تماماً عن الإتحاد السوفيتي السابق، فهي في حال دخلت الحرب مباشرة إلى جانب سورية ، لا تخوض حرباً محادة لها كما الاتحاد السوفييتي في حينه ، ولا تخوض روسيا حرباً ببعد أيديولوجي كما كان حال الاتحاد السوفييتي ، ولا في زمن انهيارات واحترابات بحجم حروب الاتحاد السوفييتي وانهياراته، بل في زمن صعود روسي وعالمي ضد الإمبريالية والإستعمار والغرب وتراجعاته الإقتصادية ، كما لا يعيش الروس الآن عداوة مع الصين ولا هامشاً من القلق تجاه ثورة إيران الإسلامية بل على النقيض هما حليفان مهمان جداً لروسيا الاتحادية .
وبوتين الصاعد ليس هو غورباتشوف الساقط..أو يلتسين الأحمق ولا بريجنيف المتكلس.
وما يسمى الربيع العربي رغم كل الآلام والدمار والضحايا والخراب الذي أحدثه، لم يحقق مشروع الشرق الأوسط ،بل بدأ المشروع بالإنقلاب على أصحابه دولاً غربية وإقليمية رجعية وعصابات مسلحة، على النقيض من مشروع التخريب الأمريكي الأوروبي الغربي الصهيوني الذي حقق بسرعة أهدافه في أوروبا الشرقية الإشتراكية، وحولها إلى تابعة مستجدية.
والدولة الوطنية السورية لم تأت نتاج إنقلاب على الملكية ، بل ولا تحمل أيديولوجيا معينة معادية لما اعتادت عليه الديمغرافيا الأفغانية ولا تحاد جغرافياً دولاً إسلاموية مغلقة بالقدر الذي كانت عليه الباكستان ، ولا دولة كبرى معادية لروسيا ( في حينه ) كالصين ، أو ثورة إسلامية وليدة كإيران .. بل إنهما الآن دولتان حليفتان .
بل تمتلك سورية عناصر إيجابية توفرت لدى أفانستان حينها وهو تناحر العصابات الإسلاموية مع العصابات الإرهابية في سورية بكل ما بينها من بأس شديد واحترابات وخلافات فكرية، ليس أكثرها إعلان الخلافة من جانب فريق واحد من هذه الجماعات، ومرجعياتها المتناثرة .
وإذا كانت الجماعات الإسلاموية في أفغانستان قد قاتلت في بيئات حاضنة تاريخياً ، فإنها في سورية بعد أسابيع قليلة وجدت العصابات الإرهابية بيئات حاضة معادية لها ، بسبب ما عليه المجتمع العربي السوري من تعددية وانفتاح وعلمانية وعيش مشترك متحاب ومتحضر .
وجاء التدخل الروسي المباشر في أفغانستان بعد 6 أشهر من تدخل أمريكي محدود ، فيما بالنسبة لسورية قد يجيء بعد 54 شهراً من حرب تشنها 82 دولة على سورية ، شارك فيها مرتزقة من بقاع الأرض الـ 4 بما في ذلك ( إسلامويون ) من الغرب ، ومن رقاع وجنسيات أوسع كثيراً ممن شاركوا في الحرب على الدولة الأفغانية الشيوعية ، وأنفقت من الأموال والدعم السياسي والإقتصادي والإعلامي والإستخباري ما يفوق ما أنفق وقدم في أفغانستان .
مع العلم أن علاقات روسيا القيصرية بسورية قديمة كما أن روسيا الراهنة ( التي هي إمتداد للإتحاد السوفييتي ) على علاقات قوية جداً بسورية قبل الآن ومنذ العهد السوفييتي ، فيما لم يكن الأمر كذلك بين الاتحاد السوفييتي وأفغانستان قبل الثورة الشيوعية في أفغانستان .
بهذا المعنى فإذا اعتور التدخل السوفييتي في أفغانستان بعض العيوب من حيث المشروعية والظروف الجيوسياسية في حينه واللاحقة والظروف الداخلية السوفيتية والأفعانية ، فإن التدخل الروسي في سورية الذي سيأتي بطلب وتنسيق كامل مع الدولة الوطنية السورية ، يحمل كل المشروعية ، من حيث أن روسيا أمهلت بأكثر مما ينبغي الولايات المتحدة والغرب والرجعية الإقليمية ، وأوضحت أن إنهاء الإرهاب يستوجب قيام تحالف واسع تشارك فيه الأطراف ذات العلاقة كافة على ما بينها من تناقضات،وفي المقدمة الدولة الوطنية السورية، وقد قبلت سورية بذلك، رغم قناعتها أنه (معجزة) وسعت لتحقيق ذلك، لكن العقلية الصحراوية التي يبدو فيها السراب ماءً، وصَغار البعض الذين يمارسون السياسة بطريقة قبضايات الحارات المكتظة بالعشوائيات، وأولئك المطرودين من أوطاننا ويطمحون بالعودة إليها بعد أن تخلوا عنها بتخلفهم وبما فتحوا الأبواب للأجنبي قبل عقود من سقوطهم، وهذه المرة بشعارات تقسيمية مذهبية فتنوية تشغل الناس عن المقدسات والأوطان والكرامة والتقدم ، وتستعيض عن العدو الصهيوني بأعداء وهميين واستبدال أولويات .. فيما كان الغرب يناور كسباً لوقت ، عله يحقق بالمراوغة ما لم تحققه كل آلة الحرب والجاسوسية والتمويل والإعلام لصالحه .
هؤلاء رفضوا قيام تحالف عريض لإسقاط الإرهاب ، فكان لا بد من استدارة روسية كاملة وعاجلة ، تفرض على الغرب وأتباعه الإقليميين ما ينبغي أن يكون ، في وقت يعلم الغرب أن معاكسة الاستدارة بات غير ممكن ومكلف أكثر من كل ما مضى .
وفشلت محاولات شراء ذمة روسيا بكل أشكال الشراء، بما فيه التهديد بنقل الإرهاب إليها ، وتعقيد الأزمة في أوكرانيا،ونصب الصواريخ في شرقي أوروبا وزرع الشكوك بإيران ، والتخويف من التداعيات البعيدة للمقاومة، وإطالة آماد الحصارات وسوى ذلك .لكن روسيا دولة عظمى صاعادة ، ليست الاتحاد السوفييتي في عهد غورباتشوف ولا روسيا يلتسين .
بكلمات صمود الدولة الوطنية السورية،وعنجهية وتصحر أدمغة أعدائها، أتاح لروسيا مشروعية التدخل، وهو فضلا عن كونه صمود سورية،هو مقدمة لولادة عالم جديد ، أكثر عدلاً واستقراراً وأمناً من عالم هيمنت عليه الولايات المتحدة ، منذ مطلع التسعينات ،وعودة لتعددية الدول العظمى وتوازن القوى العالمي، عودة تنسجم وطبائع الأشياء وقوانين الكون وعلم الاجتماع .. ولأن تفرد واشنطن خلال الفترة الماضية كان مخالفاً لما سبق،كانت الويلات كبيرة واستثنائية، لم يسلم من تداعياتها صُناع التفرد والظلم الدولي .
مجيء روسيا ما كان ليكون لولا صدقية التحالف السوري والصمود السوري وحقيقة مفادها أنه لا بد من استعادة استحقاق قوانين الكون، التي بدونها تسود شرائع الغاب .
عمان 27 أيلول 2015
التعليقات مغلقة.