تقييم تجربة العمل الحزبي في الأردن بعد مسيرة 30 سنة من الديمقراطية! / د. صالح ارشيدات
حقائق ثابتة!
• سعى النظام الأردني، حامل مبادئ وارث الثورة العربية بالحرية والاستقلال والكرامة، منذ تأسيسه إلى تكريس الانتخابات الدورية وتحقيق المشاركة الشعبية لتأكيد شرعية النظام السياسي.
• أكدت روح الدستور الأردني لعام 1952 والقوانين المنظمة للحياة السياسية، شرعية ممارسة المواطنين الأردنيين العمل العام والعمل النقابي والعمل الحزبي، وحرية التعبير، وحددت المادة الأولى في الدستور هوية النظام السياسي بانه نيابي ملكي وراثي.
وساهمت وحدة الضفتين باختلاط وتطور النشاط السياسي والحزبي لسكان الضفتين.
• كانت الحياة الحزبية والنيابية والعمل العام ولعدة اعوام سبقت هبة نيسان عام 1989، مجمدة بفعل قوانين الاحكام العرفية التي سادت لأكثر من عقدين، بالرغم من وجود المجالس الاستشارية الثلاثة للأعوام 1972-1986.
• كان العمل السياسي والعام اثناء الأحكام العرفية تمارسه النخب والمستقلون والأحزاب السياسية الممنوعة لعقود من الزمن، من خلال مجالس النقابات المهنية ومن خلال الصالونات السياسية المنزلية والدواوين.
تقييم المرحلة!
• اليوم وبعد ثلاثين عاما على عودة الحياة الديمقراطية كيف تقيم النخب السياسية والفكرية مسيرة الديمقراطية الأردنية وادواتها المعروفة: «مجالس النواب، والحياة الحزبية، ومؤسسات المجتمع المدني، والبيئة الحاضنة للعمل العام».
• كيف ينظر النظام السياسي اليوم الى مجمل العملية السياسية ومكوناتها بعد المبادرات الملكية الإصلاحية، واخرها الاوراق النقاشية الملكية.
بداية عودة الديمقراطية
• منذ عودة الديمقراطية في عام 1989 وصدور الميثاق الوطني بقيادة الملك عام 1991 انتعشت الأحزاب الايدولوجية القديمة القومية والاممية والدينية بعد أن كانت معظمها ممنوعة عن العمل الرسمي بفعل الاحكام العرفية، (ما عدا جماعة الإخوان المسلمين).
ولكن الملك أصدر تعليماته بضرورة مشاركة كل الأحزاب والقوى الممنوعة في الانتخابات البرلمانية قبل صدور الميثاق لتحمل جميعها مسؤولية مواجهة تخطي تحديات عام 89 العميقة والتي هددت الاردن في اكثر من محور.
الملك يخلق منعطفاً سياسياً تاريخياً عام 1989!
• وصلت الأحزاب والشخصيات الوطنية العامة بعد انتخابات هبة نيسان 1989 بشكل كبير إلى البرلمان رغم قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية المحتلة حيث تنوعت القوى السياسية فيه فقد فاز الإسلاميون ب 28% من المقاعد ال80 وفاز القوميون واليساريون والوسطيون ب 13% والمستقلون بأكثر من 50% من المقاعد (لم ينجح انصار منظمة التحرير).
• نجح البرلمان الحادي عشر الجديد في وضع بصماته على قوانين الغاء الاحكام العرفية وإطلاق الحريات العامة وقوانين الصحافة والمطبوعات والأحزاب وتفعيل المشاركة العامة في القرار السياسي المحلي والاقليمي والتصدي للفساد.
• قاد الملك التوافق الشعبي والرسمي، بعد اشهار الميثاق الوطني (كإطار للاجتهاد ومرجعية نظرية لفكر الأحزاب،) لترسيخ مفاهيم جديدة لتجذير النهج الديمقراطي وصولا إلى الدولة المدنية وتعظيم دور المواطن والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في العمل العام وصنع القرار الوطني.
• برز تنظيم التجمع القومي الديمقراطي اثناء حرب الخليج الثانية على الساحة الاردنية وهو خليط من قوى قومية ويسارية ومحافظين وشارك اعضاؤه في حكومتين متتالتين وظهر كمنافس لتنظيم الحركة الاسلامية.
• شهدت الأحزاب بمختلف اطيافها نموا واقبالا واسعا بعد إقرار قانون الاحزاب رقم32 عام 1992 لتصبح 22 حزباً صاحبها حركة اندماج واضحة عام 1995 للأحزاب اليسارية (اليسار الديمقراطي) تبعها اندماج تسعة احزاب وسطية عام 1977 (الوطني الدستوري).
أثر عملية السلام على التنمية السياسية
• تراجعت مسيرة العمل العام والاحزاب الاردنية بسبب اعطاء الحكومات الاولوية لتداعيات مسيرة السلام مع إسرائيل منذ عام 1994وكذلك بسبب تداعيات حرب الخليج وتداعياتها على الساحة الأردنية.
أولاً: تقييم مجالس النواب بعد عودة الديموقراطية!
المجلس النيابي الحادي والثاني عشر!
• كان مجلسا النواب الحادي عشر عام 1989 والثاني عشر عام 1993 أقواها تميزاً (بالرغم من أن اجراء انتخابات الثاني عشر كان قد تم على قانون الصوت الواحد الجدلي).
• كان التمثيل الحزبي والنقابي والنخبوي والشعبي في اعلى تواجده وتأثيره البرلماني، حيث مارست المجالس النيابية أعلى درجات الرقابة والتشريع والسياسية.
كانت الإرادة السياسية العليا المعلنة واضحة في تلك الفترة بمساندتها لسقف حرية التعبير النيابي العالي، مما أدى إلى إنجاز ملفات سياسية كبيرة وشائكة على مستوى الوطن خلال فترة المجلسين، هما محاربة الفساد وملف السلام مع إسرائيل، وملف تفعيل مخرجات الميثاق الوطني، وإطلاق التنمية السياسية وقوانين الحريات والأحزاب والغاء الاحكام العرفية.
المجالس النيابية من الثالث عشر حتى الثامن عشر
• تراجعت قوة المجالس النيابية السياسية والرقابية المتتابعة وكذلك تراجعت الحياة السياسية والعمل الحزبي، ابتداءً من المجلس الثالث عشر عام 1997 حتى الثامن عشر الحالي عام 2018، بالرغم من طرح مشاريع الاصلاح السياسي والمبادرات الملكية المتعددة: كما في الأجندة الوطنية وكلنا الأردن ولجنة الحوار الوطني، والأوراق النقاشية الملكية.
تراجع ديمقراطية قوانين الأحزاب والانتخاب!
• أثر قانون الصوت الواحد على تراجع زخم المد الشعبي السياسي والعام لمسيرة الديمقراطية، بعد إصدار قانون انتخاب الصوت الواحد رقم 25/992 الذي ساهم الى حد كبير في اعادة تشكيل النخب الاردنية الجديدة على نفس الاسس القديمة وابرزها العشائرية والجهوية وأدى الى تباطؤ الحراك السياسي الاجتماعي الذي نادى به واشعله الميثاق الوطني عام 1991 ولعب القانون دورا سلبيا، في تبدل قوة وتمثيل النخب السياسية في المجالس النيابية، بالرغم من تضاعف عدد الأحزاب السياسية المرخصة اليوم الى 49 حزباً.
مسيرة الحياة الحزبية خلال فترة الملك عبدالله!
• في عهد الملك عبدالله الثاني منذ عام 1999 عادت المبادرات الإصلاحية الملكية لتنشيط العمل الحزبي من خلال المبادرات المعروفة واهمها مبادرة الاردن اولا وكلنا الاردن عام 2002 ومن خلال انشاء وزارة التنمية السياسية عام 2003، حيث وضعت الدولة تصورا لنمو الأحزاب من 10 شروط أهمها:
• التزام الاحزاب بالدستور والسعي لتعميق الخيار الديمقراطي وصون التعددية وتمتين الوحدة الوطنية.
• واعتبرت وثيقة الاجندة الوطنية الرسمية المكونة من 9 محاور عام 2005 مشروعا شاملا للإصلاح السياسي والاقتصادي حيث اكدت الوثيقة: «إن الحزب هو أساس الحياة السياسية وأكدت حقه في تداول السلطة التنفيذية ولكن إنجازات الأجندة الوطنية وزخمها لم تر النور بسبب مقاومة قوى الشد العكسي للتغيير المطروح.
• أكدت مخرجات لجنة الحوار الوطني عام 2011 بعد احداث الربيع العربي نفس المضامين الاصلاحية للعمل الحزبي الواردة في الميثاق الوطني، حيث انتجت القائمة الوطنية لأول مرة في قانون الانتخاب لعام 2012.
• لم تساهم نتائج القائمة الوطنية التي اعتبرتها الاحزاب رافعة للعمل الحزبي في انتخابات 2013 في ايصال العمل الحزبي الى البرلمان، بدرجة مرضية للنظام.
• طرحت الاوراق النقاشية الملكية السبع منذ عام 2012 مفاهيم رغبة النظام السياسي الجديدة بالإصلاح السياسي وتعزيز النهج الديمقراطي بهدف الوصول الى الحكومات البرلمانية وهو ما الهم القوى الوطنية والاحزاب السياسية بالمشاركة العامة.
الأحزاب السياسية!
• الأحزاب مؤسسات وطنية شعبية تمثيلية تعتبر الركيزة الاساسية للمشاركة العامة والتعددية السياسية وتداول السلطة البرلمانية وانتاج التنمية السياسية والتعبئة الوطنية الايجابية، وهي تؤمن بالثوابت الوطنية المعروفة للجميع.
• ساهمت الأحزاب بجدية في تفعيل مسيرة الديمقراطية الاردنية ولديها برامج سياسية واجتماعية محكمة وموضوعية لمعالجة تحديات الاردن المتعددة في التعليم والفقر والبطالة والاقتصاد والخدمات.
• شاركت الأحزاب بكل اطيافها في كل الانتخابات النيابية منذ 1989 وتراجعت نتائجها بالتدريج بما فيها احزاب الطيف الاسلامي العميق والمتجذر تاريخيا، وفقدت خلال تلك الفترة جزءا من الاهتمام الوطني وزخمها الشعبي والنيابي وتراجع العمل الحزبي!
اليوم نتساءل ما الذي كبح مسيرة الديمقراطية؟ ومسيرة الاحزاب السياسية خلال الثلاثة عقود؟، هل هي الاحزاب نفسها ام القوانين الناظمة، ام البيئة الحاضنة؟
وهل هناك فرصة حقيقية للعمل الحزبي ليصبح جزءا استراتيجيا من النظام السياسي؟
تفاؤل الاحزاب رغم التراجع!
لا زالت معظم الاحزاب تعتقد بوجود فرصة لدور لها بسبب توفر حافز المرجعية الدستورية الايجابية وتوفر المبادرات الملكية الاصلاحية التي تعزز وتدعو العمل الحزبي لأخذ دوره في الحياة السياسية الديمقراطية والمطلوب لتفعيل ذلك قناعة النظام باقرار قانون انتخاب عصري يشرع للاحزاب وتوفير الحقوق الدستورية للمعارضة السياسية، بالمقابل مؤسسات الحكم وبعد طرحها وتبنيها لمفهوم الحكومات البرلمانية لا زالت لم تضع خطة تنفيذ لمضامين الاوراق النقاشية و لم تأخذ قرارا تشريعيا يؤكد الاعتراف بالأحزاب كخيار استراتيجي دائم للعمل السياسي الحقيقي واعتباره جزءا من النظام البرلماني السياسي في مسيرة الدولة.
واقع الحياة الحزبية بعد ثلاثين عاماً!
• العمل الحزبي امام واقع مأزوم بكل ابعاده، وهو يواجه اليوم عزوفا لعدم توفر البيئة السياسية والاجتماعية الرسمية والشعبية الصديقة للعمل الحزبي وللتطور السياسي المتراكم، الامر الذي يزيد من درجة العزوف الشعبي.
كيف يمكن اصلاح وتنمية الحياة الحزبية؟
هناك فرصة متاحة لعودة الحياة الفاعلة للأحزاب والاهتمام الرسمي والشعبي بالعمل الحزبي.
والفرصة تكمن في ان يتبنى النظام السياسي، وبقناعة، فلسفة الاوراق النقاشية الملكية، في الديمقراطية الاردنية المتجددة يهدف الوصول الى الحكومات البرلمانية، وهي خلاصة رؤية الملك للتجربة الاردنية في المسار الديمقراطي حيث ستلعب الاحزاب دورا اساسيا في تنفيذ ذلك.
خارطة طريق للوصول الى الحكومات البرلمانية!
• أن تتبنى الحكومات رسمياً وعلنا مضامين الأوراق النقاشية واعتبارها مشروع الأردن الإصلاحي النهضوي، والإعلان عن خطة عمل زمنية لتنفيذ مضامينه المتشابكة رسمياً.
• قيام الحكومة وبإرادة ملكية سامية، بتشكيل لجنة وطنية (مؤتمر وطني) للتوافق حول اولويات مخرجات الاوراق النقاشية ووضعها في ميثاق وطني وتشريعات ملزمة للجميع، حسب روح الدستور، ومقتضيات الامن الوطني والاستقرار المجتمعي.
• بدء الحكومة بإصلاحات شاملة في مكونات الدولة واداراتها يشمل اصلاح مؤسساتها المختلفة ويشمل كذلك اصلاح الاحزاب السياسية، وتطبيق ديمقراطية النظام السياسي، وتجذير الثقافة الديمقراطية من خلال برنامج الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ووضع نظام وطني شامل للحوافز والتوعية.
• إعطاء الحكومة أولوية للإصلاح السياسي لأنه المظلة للإصلاح الشامل.
• التزام الحكومة بانتخاب مجالس نيابية سياسية تمثل المجتمع الاردني تمثيلا حقيقيا وادراج قائمة حزبية (ليس كوتا) في النظام الانتخابي الجديد يكون هدفها الاساس هو مأسسة العمل الحزبي داخل البرلمان.
• تمكين الأغلبية البرلمانية الحزبية من تشكيل الحكومة البرلمانية مستندة إلى أحزاب برامجية وطنية وحضور حزبي في مجلس النواب يحقق الشراكة الحقيقية الفعالة في صنع القرار الوطني.
التعليقات مغلقة.