بعد سليماني: ما المعادلات الناظمة للصراع الدولي في المنطقة؟ / د. أمين حطيط

نتيجة بحث الصور عن حطيط

امين محمد حطيط ( لبنان ) –   الجمعة 17/1/2020 م 

فرض الرد الإيراني على جريمة اميركا باغتيال الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس مشهدا جديدا في المنطقة التي بات محكومة بمعادلات جديدة، اذ انتجت الجريمة والرد عليها قواعد اشتباك ومواجهة لم تكن قائمة اصلا او فرض عليها تغييرا خلافا لما كان موجودا قبلها.




لقد اتخذت اميركا قرار اغتيال الشهيدين بعد سلسلة إخفاقات منيت بها استراتيجيا في مواجهة محور المقاومة، إخفاقات حالت دون تحقيق اميركا لأهدافها الاستخراجية التي عملت من اجلها طيلة 3 عقود من الزمن والتي ما كان “الحريق العربي ” المسمى اميركيا بانه “ربيع عربي “ما كان هذا الا من اجل تحقيقها.

فقاسم سليماني شكل في أدائه العسكري والسياسي وفهمه الاستراتيجي لمجريات الأمور في المنطقة والعالم وادارتها، شكل حالة مميزة ناظمة لعمل محور المقاومة وضابط الإيقاع فيه في مواجهة المشروع الأميركي المعد للهيمنة على المنطقة. ولذلك كان القرار الأميركي بتصفيته ظنا من اميركا ان قتله سيخلق فراغا في الميدان، وسيبث الرعب في صفوف القادة في محور المقاومة الذين تصنفهم إسرائيل وتؤيدها اميركا بأنهم الأخطر على المشروع الانكلوسكسوني صهيوني وتاليا على وجود إسرائيل. لذلك كان قتله لوقف قطار انتصارات محور المقاومة ولضعضعة هذا المحور واحداث وهن في العلاقة والتعاون والتنسيق بين مكوناته ما يمكن اميركا من السير في مشروعها المتعثر واستنهاض ادواتها التي ظهر عليها الوهن وباتت مكوناتها تتخبط بالإخفاقات.

وعليه نرى ان القرار الأميركي بقتل سليماني لم يكن صدفة او عملا عارضا في سياق مواجهة قائمة بل كان مخططا كعمل استباقي وقائي لمنع الدخول في مرحلة جديدة خشيت اميركا منها بعد ان لاحت خطوطها مع ما آل اليه الصرع في المنطقة في السنوات العشر الأخيرة وبشكل خاص ارادت اميركا من الاغتيال قطع الطريق على تطور انتصارات المقاومة الى إطلاق حرب تحرير بوجه الوجود الأميركي بعد ان لاحت بوادرها في العراق وسورية فضلا عن المخاوف الجدية على هيبة اميركا العسكرية.

فأميركا كانت تدرك ان الصراع في المنطقة المتعدد الأطراف والوجوه لا يحتمل بالنسبة لها مثل هذه الأمور وهنا من المفيد لإيضاح الصورة ان نسلط الضوء على تلك الأطراف وأهدافها كالتالي:

فمن حيث القوى المتصارعة تعرف اميركا انها ليست الوحيدة المقررة في المنطقة بل هناك قوى يمكن تقسيمها الى 3 فئات: فئة اللاعبين الأساسيين اصحاب المشاريع الخاصة، (اميركا وروسيا وتركيا وإسرائيل وإيران ومعها محور المقاومة) وفئة المتحركين كقوى مستفيدة او مساعدة او حتى أدوات في المشاريع، (الصين فرنسا المانيا بريطانيا والسعودية الامارات مصر).  وأخيرا الدول أصحاب   مسرح العمليات حيث تتحرك الفئتان الأولى والثانية. (العراق سورية لبنان اليمن ليبيا.)

اما من حيث الأهداف الاستراتيجية فتدرك اميركا بان هناك أكثر من مشروع يعمل له في المنطقة وليس كما يروج الاقتصار على مشروعها والمشروع المقاوم فأهداف الأطراف متعددة يمكن مقاربتها كالتالي:

أولا الاهداف الأميركية: تريد اميركا التي تنشر في المنطقة حاليا أكثر من 70 ألف جندي وضابط يتوزعون على 52 قاعدة عسكرية تساندهم اساطيل بحرية فيها بالحد الأدنى 52 قطعة بحرية تريد إعادة انتاج منظومة حراس مصالحها في المنطقة وتثبيت نظام سيطرة وهيمنة يمكنها من التحكم بالمنطقة عن بعد دون الحاجة الى استمرار الانتشار العسكري وبهذا تضمن التحكم بالعالم نفطا وغازا ومعابر تجارية دون جهود عسكرية تذكر وهذا ما عطله حنى الان محور المقاومة.

ثانيا الأهداف الروسية  :تهدف روسيا التي وجدت في الباب السوري معبرا لها الى المنطقة و في محاربة الإرهاب سببا للدخول  تهدف الى تثبيت وجود فاعل في شرق المتوسط ذو طبيعة  دفاعية ومصلحية  يمنع اميركا من حصارها و حرمانها  من موقع ريادي في الصف الأول  في النظام العالمي قيد التشكل كما انها تريد امتلاك إمكانيات التأثير على سوق النفط و الغاز و خطوط النقل و المعابر .و لذلك تجد روسيا ان المواجهة مع أي طرف من اللاعبين الأساسيين في المنطقة يعطل أهدافها ،و ان التعاون و التنسيق مع ايران و تركيا و مهادنة إسرائيل و اروبا و تجنب المواجهة الميدانية مع اميركا مفيد لها، هذا مع الاستمرار في دعم سوريا ضد الارهاب.

ثالثا الأهداف التركية: تريد تركيا الإمساك بمنطقة نفوذ وموقع تأثير وسيط بين اميركا وروسيا. بعد ان سقط مشروعها الامبراطوري الكبير الذي كان يتكامل مع المشروع الأميركي ويخدمه. لكن تعثر تركيا في مشروعها الامبراطوري جعل اميركا تتصرف مع أدوات ومساعدين جدد دون ان تسقط الدور التركي. وبالمقابل اتجهت تركيا أيضا للعمل مع روسيا في تبادل مصالح يعوض عليها تراجع الاهتمام الاميركي بها ولهذا اتصف الدور التركي بالزئبقية المتحركة بين روسيا واميركا وهي تراه بيضة القبان الاستراتيجي بينهما يحرصان عليها.

رابعا الأهداف الإسرائيلية: تريد إسرائيل تثبيت وجودها ووظيفتها في المنطقة، وجودا صهيونيا قوميا لليهود، ودور في خدمة المشروع الأميركي الغربي الذي كان يجد في إسرائيل المتكأ والقاعدة الغربية المتقدمة في الشرق الأوسط. لكن إسرائيل دخلت في العقد الأخير في حالة فقدان هذا الدور بعد ان عجزت عنه بسبب محور المقاومة فتم الانتشار العسكري الغربي المباشر، وانحصر اليوم مشروع إسرائيل بالهدف الوجودي مع عطف هذا على هدف مصلحي او ريادي في داخل بعض دول المنطقة خاصة الخليجية.

خامسا الأهداف الإيرانية: تريد إيران مع حلفائها في محور المقاومة ارساء حالة استقلالية في المنطقة تمنع السيطرة الأجنبية عليها وتنتج “منطقة لأهلها ” خلافا لمشاريع الهيمنة او الاغتصاب والاحتلال وبسط النفوذ الأجنبي. وترى إيران ان محور المقاومة هو القوة الاستراتيجية لتحقيق مشروعها في مقابل مشاريع الاخرين التي تتصادم إيران معهم بدرجات متفاوتة، صداما مباشرا فوريا او تعارضا ضمنيا مؤجلا. ولهذا تعمل إيران على خطين لتحقيق مشروعها: الأول الخط الاستراتيجي الذي يفرض مواجهة غير قابلة للمهادنة او التراجع او المساكنة كما هو حال المواجهة مع أميركا وإسرائيل، ومواجهة مؤجلة مع قابلية التعاون المرحلي او المساكنة الاستراتيجية القائمة تحت السيطرة والتحكم. كما هو الحال مع وتركيا.

وتحقيقا لأهدافها  و اخذا بالاعتبار  لأهداف الاخرين اعتمدت  اميركا في المواجهة أسلوب الحرب البديلة او غير المباشرة ، و يبدو ان جميع القوى الأخرى في الفئة الاولى تابعوا  هذا النوع من الحرب ، لكن الأمور تغيرت في أواخر العام 2019 حيث تحققت اميركا من ان القوى المناهضة لها  خاصة روسيا و ايران تستفيدان من نتائج   المواجهة وتتمددان عن طريق القضم المتدرج و العمل التراكمي ، فشاءت اميركا ان توجه انذارا لتلك القوى خاصة بعد المناورة البحرية الثلاثية (الصين روسيا و ايران ) و بعد التحرك الميدان العراقي في غير صالح اميركا ، و بعد انطلاق سورية بدعم روسي في معركة تحرير ادلب ،وبعد فشل الخطة المعدة لاسقاط حزب الله في لبنان واخراجه من الحكومة . لكل ذلك وجهت اميركا ضربتها لإيران ولمحور المقاومة مبتغية وقف المسار الانحداري لها فكان اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

وبالتالي لم تكن عملية الاغتيال عملا عارضا او قرارا عفويا بل جاء نتيجة تقدير استراتيجي عالي المستوى جعل صاحبه يقدم على قرار مخطط من طبيعة المغامرة-المقامرة، فان ربح حقق المطلوب وان خسر فانه لا يغير الواقع كثيرا طالما ان سلسلة التراجع قائمة فهل صدقت الحسابات الأميركية؟

في مواجهة المغامرة – المقامرة الأميركية كان الرد الإيراني الذي خذل اميركا في توقعاتها، وبصرف النظر عن حجم الخسائر التي أحدثها، فانه أرسى بعد الجريمة الأصل معادلات جديدة تؤكد ظهور إيران كقوة عسكرية كبرى ذات قدرات عالية تبعد الحرب وتنذر بحرب تحرير قادمة وتمنع الاخرين من خداعها وتؤكد على التالي:

1)    وهن هيبة أميركا وفقدانها قوة الردع الفاعل الحاسم لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية

2)    تسليم اميركا بعجز الحرب البديلة عن تحقيق أهدافها وعدم الجهوز للحرب المباشرة الشاملة

3)    التوجه الى تحرير المنطقة من الاحتلال بحرب تخوضها الشعوب وفقا لقواعد الجيل الرابع

4)    التأرجح بين رسم حدود نفوذ او حدود تعاون وتنسيق بين القوى الأجنبية والإقليمية

5)    مضاعفة اعتماد اميركا على الحرب الاقتصادية والتجويع بالإضافة الى نوع من الحرب الناعمة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.