عباس وقنبلته التي لم تنفجر / ابراهيم ابو عتيلة
ابراهيم ابو عتيلة ( الأردن ) الجمعة 2/10/2015 م …
في ظل ترويج إعلامي غير مسبوق من رجالات سلطة اوسلو وإعلامها ، وبفارغ من الصبر، وربما لأول مرة ، انتظر أبناء الشعب الفلسطيني والعربي ماذا سيقول عباس في خطابه أمام إجتماعات الدورة ال ( 70 ) للجمعية العامة للأمم المتحدة ، وما هي القنبلة التي سيفجرها هناك ، ولا أدري عندما علمت أن نسبة كبيرة جدا من أبناء الشعب الفلسطيني تنتظر الخطاب بفارغ من الصبر كيف ارتبط بذهني كما انتظرنا خطاب الزعيم جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967 ، ففي الحالتين هناك هزيمة ، فهزيمة حزيران لاتقل في وقعها عن هزيمة ضياع أكثر من عقدين من الزمن في مفاوضات عبثية وأحلام تخلت السلطة من أجلها عن كل شيء إلا المناصب ، ومازالت تدعي الشرعية والاستمرار بتمثيل الشعب ، فيما اعترف حينذاك الزعيم عبد الناصر بالهزيمة وتحمله الكامل للمسؤولية وعندما أعاد الشعب ثقته به زعيماً لايمانه بقدراته خطط وبرمج وأوصل الجيش المصري لوضع كان كفيلاً بتدمير خط بارليف وتحرير سيناء لولا تخاذل خليفته ، صورتين متناقضين يجمعها الهزيمة والتلهف لسماع الخطاب .
انتظرت الخطاب ، واستعمت له بإهتمام كبير علني أجد فيه بعضاً من طموح شعب يسعى إلى الحرية ، سمعت كلاماً لا يخلو من الإبداع الإنشائي في وصف بعض ما يعاني منه الفلسطينيون تحت براثن الاحتلال الصهيوني بعصاباته وقطعان مستوطنيه .. كلاماً يمكن أن يصدر عن أي شخص سوى أن يحمل صفة الكلام الذي يصدر عن قائدٍ لثورة .. كلام فيه الكثير من الاستجداء والتذلل للمجتمع الدولي وللكيان الصهيوني ، ولا يخلو في نفس الوقت من طمأنة الاحتلال بأن الفلسطينيين لن يلجأوا للعنف حين قال : “الوضع الحالي غير قابل للاستمرار، وسوف نقوم بتنفيذ هذا الاعلان بطرق ووسائل سليمة وقانونية ، لن نلجأ للعنف” وقال “سنمضي قُدمًا لإنهاء الاحتلال بكل الوسائل المًتاحة ، فلسطين طرف متعاقد باتفاقات جنيف ، وطرف في معاهدة روما ، وعضو بالمحكمة الجنائية الدولية، ومن يخشى القانون الدولي والمحاكم علية أن يكف عن ممارساته، نحن لسنا مغرمين بالذهاب للمحاكم، لكن الاعتداءات تلزمنا على ذلك”، فبهذه العبارات يبرهن على سلمية ” او استسلامية ” النهج الذي يتبعه فثورة بلا عنف ليست ثورة وثورة دون مقاومة حقيقية ليست ثورة حيث يمكن تسميتها بأي شيء إلا ان تسمى ثورة .. فبلا قوة ومقاومة كيف سيتم التحرير ؟؟؟ علاوة على ان ما ورد يفسر احجام سلطة اوسلو عن التوجه لمحكمة الجنايات الدولية وتهميشها لقرارات مجلس حقوق الإنسان ف ” نحن لسنا مغرمين بالذهاب للمحاكم ” وأتساءل متى سترغم سلطة اوسلو للذهاب للمحاكم لمعاقبة المجرمين الصهاينة فالحقائق تثبت إدانتهم .
ويواصل عباس عباراته المبهمة حين يقول ” إما أن تكون السلطة ناقلة من الاحتلال للاستقلال، أو أن تتحمل إسرائيل مسؤولياتها كاملةً ” “ وإلتزامًا منا بمبادئ القانون الدولي، دولة فلسطين ستستمر بمساعيها للانضمام لكافة المواثيق الدولية، ليتوائم وضعنا مع القانون الدولي” ، فخيار ان السلطة ناقلة من الاحتلال للاستقلال خيار اثبت أنه فشله وذلك لعدم وجود أو تبني نهج المقاومة ، فكل ما تبنته السلطة سابقاً يخضع لإملاءات اوسلو وشروط الصهاينة ، فمهما إدعت السلطة أنها ناقلة من الاحتلال للاستقلال لا يعدو كونه كلاماً للاستهلاك ودغدغة عواطف البعض من أبناء الشعب الفلسطيني ، عدا أن سيادته لن يعلن صراحة وبشكل واضح تخليه عن إتفاقية اوسلو وشروط تنسيقها الأمني فكيف سيتم تحميل دويلة الكيان الصهيوني مسؤولياتها !!!!! وأتساءل ألا تكفل المواثيق الدولية مقاومة الاحتلال بالقوة ، أولا يعرف سيادته ذلك، أم أن اعترافه بالمواثيق الدولية يخضع للتجزئة بما يجسد النهج الاستسلامي الأوسلوي !!! وواصل الرئيس حديثه بالقول “ما زلت أمد يدي للسلام الذي يضمن حقوق شعبي ، وأقول لجيراننا الشعب الاسرائيلي ، أن السلام مصلحة لكم ولنا ، ولأجيالنا القادمة ، فكُلي أمل أن تعيدوا قراءة الواقع ، وأن تقبلوا للشعب الفلسطيني ما تقبلوه لانفسكم ، وستنعمون بالأمن والأمان والأستقرار ، وهذه القيم التي نسعى لتحقيقها ” ناقلاً تسمية الاحتلال من قوة مغتصبة إلى جيران يسعى للمودة والسلام معهم وكأنه قطعاً ، وهو كذلك ، يعترف ببقاء الاحتلال وحقه في تراب فلسطين … أبالإستجداء يتحقق السلام !!! … أم أن القوة والمقاومة هي التي تفرض شروطها على الواقع ، وهي السلاح الأمضى والأنجع لفرض الواقع الجديد ، فمن واقع المقاومة والانتفاضة ولدت سلطة الحكم الذاتي حين أجبرت الانتفاضة العالم أجمع على الاعتراف بحق الفلسطينيين في الوجود ، فقد جاءت الانتفاضة بالسلطة وبسلف محمد عباس وأتت به من بعد سلفه رئيساً للشعب الفلسطيني واعترف العالم أجمع بذلك .
ووجه الرئيس عباس خطابه للعالم بما فيهم الرؤساء حيث قال “شعبنا يعلق آماله عليكم ليتحقق هدفه في دولة ذات سيادة ، وينال حقوقه كما باقي شعوب الأرض، وحل قضية لاجئيه ، وفق قرار 194″، وتساءل “هل ذلك كثيرٌ علينا ؟”، وشدد “نحنُ طلاب حق وسلام ، وإن قرار تقسيم فلسطين التي بموجبه اقيمت إسرائيل ، وما زال الشق الثانيِ (فلسطين) ينتظر التنفيذ ، فهل يرضي سيادته بجزء من قرار التقسيم وهل الضفة وغزة هي دولة فلسطين التي أشار إليها قرار التقسيم ، فمع رفضي لذلك القرار ، أقول كم كان محبباً من الناحية السياسية أن يطالب سيادته بتطبيق قرار التقسيم كاملاً بجغرافيته التي نص عليها كبديل لدولة الوهم الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 ، ربما حينها يكون قد وضع شيئاً من الديناميت بقنبلته لتحريك الوضع الراهن ، أما عن حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 فلا يعدو كونه دغدغة أخرى لعواطف اللاجئين الذي سبق وتخلى عن حقهم بالعودة لبلداتهم الأصلية إلا بعودتهم كسياح فقط !!!!
وبعد أن استمعنا للخطاب القنبلة ، أقول ، أي قنبلة تلك التي رهنت قضية شعب بالتمني والاستجداء وتحريك العواطف ، لقد صور مطبلو السلطة أن خطابه سيفجر الوضع من جديد وسيضع النقاط على الحروف من أجل تحميل الاحتلال مسؤولياته ، وعلى الأقل بجعله احتلالاً مكلفاً لا أن يبقى كما هو ” أرخص احتلال تكلفة عرفه التاريخ ” ، فقيادة الثورة التي أولاها الشعب والقانون مقاومة الاحتلال وتحرير الوطن أصبحت عبارة عن شرطي يقدم خدماته للاحتلال ، فثورة وقيادة تمنع شعبها من المقاومة أو من التعبير عن النفس ولو بالتظاهر ، ليست بثورة ، والترهيب الذي يمارس من قبل السلطة ضد كل مقاوم ولو بالتظاهر مما قد يحصل له من عقاب – على اعتبار المقاومة المسلحة وحتى التظاهر إرهاباً كما نصت عليه اوسلو – أدى إلى تكميم الأفواه تحت طائلة الاعتقال ، ومن جانب آخر ، مارست السلطة الترغيب والإغراءات للبعض حتى تضمن سيرهم في ركبها وتصفيقهم لها ، وما شاهدناه في الآونة الأخيرة من مظاهرات مفتعلة مؤيدة لسلطة أوسلو يؤكد تلك الإغراءات ، وما شاهدناه من احتفالات بثورية الخطاب وبالقنبلة الوهمية قبل تفجيرها يؤكد أننا في طريق أكثر خطورة مما سبق والخوف كل الخوف أن يصل الأمر إلى صدام بين المعارضة وزُلم السلطة في وضع يعاني منه الفلسطينيون من انشقاق عميق في الرؤية والنهج ….
كم كنت أفضل أن لا يقوم الرئيس بمثل ذلك الخطاب ، فخطاب يخلو من برنامج وطني واضح للمقاومة يجمع عليه الشعب الفلسطيني يصبح مجرد حديث لا يلزمنا بشيء ، وأضيف أن كانت قنبلة عباس قد انفجرت ، فقد انفرجت بين أبناء الشعب الفلسطيني حين أيد الخطاب الموالاة كما هي دائماً عند الشعوب العربية فيما عارضه كل من يؤمن بالمقاومة المشروعة نهجاً للتحرير والكرامة وانتزاع الحقوق المشروعة .
التعليقات مغلقة.