هجرة السوريين في الميزان / د. يحيى محمد ركاج

 

د. يحيى محمد ركاج * ( سورية ) الجمعة 2/10/2015 م …

*باحث في السياسة والاقتصاد

تعتبر عمليات تهجير السوريين الأخيرة من أخطر الأزمات التي تتعرض لها الجمهورية العربية السورية في الحرب المقامة ضدها، وتعتبر من الحروب الخطرة جداً في ضوء الصراعات التي تشهدها المنطقة للسيطرة على مكامن القوة الاقتصادية في العالم ,ولعل البحث في الدوافع والأسباب الداخلية التي قادت السوريون إلى الهجرة الكبيرة التي نشهدها هذه الأيام يعتبر من الأمور التي أكل الزمن عليها وشرب نتيجة للأعداد الكبيرة المشردة خارج البلاد بفعل العامل الإرهابي المدعوم من الدول الغربية وأمريكا والعوامل الداخلية التي شكلت حاضناً للأحداث التي تشهدها سورية والمدعومة بحرب إعلامية ونفسية، ونتيجة الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب السوري منذ فترة ليست بالقصيرة.. أما الحديث عن الأسباب الخارجية والدولية فإنه سوف يقودنا بالضرورة للبحث في تفصيلات الدول والأطراف المحرضة لهؤلاء المهاجرين والمستقبل لهم بدواعٍ مختلفة سوف نأتي على ذكرها تباعاً.

تعتبر أوروبا القارة العجوز من حيث دورها في العمل السياسي ومن حيث بنيتها الديموغرافية، حيث تعاني دول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، ومجمل الدول الأوروبية على وجه العموم من تهديد ديموغرافي يبقيها على هامش القرار السيادي العالمي حالياً، وقد يقود بها إلى الزوال خلال بضعة عقود قادمة نتيجة:

1-      ارتفاع نسبة كبار السن الذين يحتاجون لبرامج الرعاية الاجتماعية مقارنة بالقوة الاقتصادية القادمة (صغار السن) الذين يقع على عاتقهم تجديد القوى العاملة اللازمة لتحافظ أوروبا على نهضتها ورفاهها،والمترافق مع انخفاض معدل الخصوبة (عدد المواليد الأحياء المتوقع أن تنجبهم المرأة في فترة حياتها التي تستطيع فيها على الإنجاب)،والمترافق أيضاً مع ضرورة تأمين الموارد، الأمر الذي يتطلب استبدالهم بأخرى من ذوي الإنتاجية المرتفعة مقارنة بالعمالة المتقاعدة حتى يتم تأمين تكاليف الرعايه لهم، ومن ثم قبول مهاجرين بإنتاجية أعلى بكثير من إنتاجية العمالة المتقاعدة، أو بأجور أقل مما هو متعارف عليه في سوق العمل الرسمية بتكاليف تأهيل لا تكون مرتفعة، وهو ما أشارت إليه استراتيجية الاتحاد الأوروبي في حزيران 2010 والمرتكزة من أجل المحافظة على النمو والإزدهار الاقتصادي على القدرة على الاستفادة الكبرى من إمكانية العنصرين الأكثر نمواً وتأثيراً في المجتمع الأوروبي، السكان الأكبر سناً والمهاجرون، وأن اندماج المهاجرين وأحفادهم هو الهدف الرئيس لدول الاتحاد الأوروبي

2-       يتطلب انتقال الدول الأوروبية من هامش القرار السياسي في العالم حتى تصبح فاعلة في التمكين الاقتصادي الذي عليها الحفاظ عليه عن طريق تأمين العمالة والسكان اللازمين لاستمراريتها، وتواجد عسكري فاعل في مناطق النزاعات، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى تواجد جيوش إضافية، أو على الأقل أعداد كبيرة من البشر يمكنها التحكم بهم وزجهم في ساحات قتالية بعيدة عن أماكن تواجدهم ، أسوة بجيوش المرتزقة الأمريكان الذين تم زجهم في العدوان على العراق مقابل منح اللجوء والجنسيات وإقامات العمل لذويهم.

3-       إن تطورات الأوضاع في أرض الصراع الأممي (سورية) قد أرهقت بسيناريوهاتها المتنوعة الأقزام التبع للولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت تتزايد لديهم مخاوف عودة الإرهابيين الذين دعموهم، الأمر الذي يودي بطموحات الكثير من رجالات السياسة في الحكومات الأوروبية، فكانت عملية الاستيعاب العشوائي لللاجئين بغية إقناع الشعوب الأوروبية بأن الإرهاب الذي قد يضرب الدول الأوروبية التي ساهمت في صنع الإرهاب هم اللاجئون الجدد وليس من قامت الحكومات الأوروبية بدعمهم تحت مسميات المعارضة المعتدلة السورية. ومن ثم تقوم الحكومات الأوروبية بتهيئة الرأي العام لديها لاستثمار قضية اللجوء في تبرير طرق أخرى للتدخل في سورية أو إطالة أمد الصراع واستنزاف مقدراتها. كما يتم استخدامها كورقة ضغط سياسية اقتصادية ضد الحكومة السورية في حال بدأت مرحلة إعادة الإعمار دون حصول الدول الأوروبية على حصص ترضيهم من عقود الإعمار، وفي الوقت نفسه تحقق تفوقاً لصالح الكيان الصهيوني في الصراع العربي الصهيوني خاصة بعد الاختراقات التي تحققت للفصائل الفلسطينية وتدمير أماكن إقامة الفلسطينيين في سورية إذ كان بإمكان الدول الأوروبية التوجه نحو الدول الإفريقية لاستقطاب المهاجرين عموماً والمهاجرات ذوات معدلات الخصوبة المرتفعة اللواتي يُتوقع مقدرتهن على إنجاب 6 و 7 مواليد أحياء خلال حياتهم في فترة الإنجاب على وجه التحديد، إلا أن اعتبارات تكلفة التأهيل والعرق كانا لهما الاعتبار الأهم، بدمج العرق الأسود بكثافة في القارة الأوروبية قد يغير من السلالة الأوروبية مستقبلاً كما أن إعادة تأهيل وإدماج الديموغرافيا الإفريقية قد يحتاج إلى تكاليف مادية ومعنوية مرتفعة

4-       إن اختيار الديموغرافيا السورية يلبي الطموح الأوروبي لاعتبارات كثيرة أوردناها فيما سبق، ويُضاف عليها اختيار سمة اللجوء الإنساني حتى لا يستطيع المهاجر أو الوافد الجديد إليهم من المغادرة قبل فترة زمنية معينة تكون كافية لاستنزاف مدخرات السوريين الواصلين لأوروبا عبر المافيات المدعومة من الحكومات الأوروبية، وتحقيق عائد نتيجة استغلال جهدهم وإنسانيتهم في سوق العمل والإنتاج الأوروبي، وكافية أيضاً لتحقيق اختراقات جديدة في التنشئة الاجتماعية والسياسية للشعب السوري الذي لا يزال متمسكاً ببوصلته فلسطين في النضال والصراع العربي الصهيوني.

 أخيراً لابد من التذكير بأن النظريات المفسرة للنزاعات الدولية تقوم في أغلبها على تفسير الحروب والنزاعات من منظور الرؤية المالتوسية (النظرية الديموغرافية ونظرية الحاجات الإنسانية) أي أن تلتهم الحروب والنزاعات أعداداً هائلة من البشر بما يغير الموازين الديموغرافية لسكان الدول المتحاربة أو المتصارعة وحلفائها، حيث تعتبر الأحداث العالمية التي تشهدها منطقتنا على وجه الخصوص والمناطق المجاورة لها على وجه العموم من أبرز الصراعات التي تلعب نظرية الديموغرافيا والحاجات الإنسانية دوراً بارزاً فيها. لكن من يقرأ التاريخ يدرك أن صمود وعزيمة المواطن المتمسك بأرضه ووطنه تفوق قدرات المستعمر وأدواته القذرة، خاصة أن السوريين في الفترات السابقة قدموا للعالم أجمع دروساً بالصمود والثبات.

 عشتم وعاشت الجمهورية العربية السورية

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.