أنقرة تستنجد بدمشق…هل يضطر أردوغان للتفاوض مع الأسد؟ / د.خيام الزعبي

 

 

د.خيام الزعبي ( سورية ) الجمعة 2/10/2015 م …

برغم إختلاف وجهات النظر بينهما في الكثير من الملفات الشائكة، أثار التقارب الروسي – الأمريكي وتغير المواقف الدولية بشأن الرئيس الأسد سؤالاً مفاده: هل ثمة حوار سياسي وشيك يجمع دمشق وأنقرة على مائدة تفاوض واحدة؟، هذا السؤال وبرغم صعوبة التكهن بإجابته، بات مهماً وضرورياً خصوصاً بعد أن قبلت واشنطن ودول غربية أخرى التفاوض، وتوحيد جميع الأطراف لضرب تنظيم داعش، ودعوة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة للضغط على المجموعات المسلحة من أجل القبول بالحل السياسي في سورية، كما أن زيارة الرئيس أردوغان لموسكو والحديث عن تفهمات سياسية بشأن المنطقة يعزز هذا الأمر، في إطار ذلك فإن المراقبون ذات الشأن إختلفوا حول الإجابة، فهناك من أكد إمكانية التوصل لحلول في ظل التطورات الأخيرة وما أفرزته إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لحل الأزمة السورية، بينما أكد آخرون أن الأمر ليس ممكناً في الوقت الحالي.

اليوم يقف أردوغان وحيداً، فلا ندوات ومؤتمرات أصدقاء سورية باتت تعقد، ولا الحليف الأمريكي مستعد لإقامة مناطق آمنة وحظر جوي، والأهم من ذلك أن هناك تفاهم روسي- غربي -عربي  لحل الأزمة السورية وإجتثاث الإرهاب من جذوره في المنطقة، فالخطأ الأكبر الذي إرتكبه أردوغان يتمثل في أمرين أساسيين، الأول هو حساباته وتقديراته الخاطئة بأن هذه الحرب في سورية لن تدوم أكثر من أسابيع معدودة وبعدها يسقط النظام، والثاني الإعتقاد بأن التحالف العربي الغربي الذي تكون بمبادرة تركية يمكن ان يسقط النظام السوري مثلما أسقط النظام الليبي ومن قبله العراقي.

فبعد خمس سنوات من الحرب على سورية سجّل الرئيس أردوغان إنعطافة غير مسبوقة بقوله إن الرئيس الأسد جزء مهم من حل الأزمة السورية، فالمتتبّع للتصريحات التركية إزاء سورية منذ بداية الأزمة يستغرب حقيقة هذا الإنحراف التركي المفاجئ نحو إجتراح الحلول، وهي الدولة التي راهنت كثيراً على قدرتها على عزل القيادة السورية وتدمير سورية ولم تدّخر جهداً على كل الصعد للوصول إلى هذه الغاية، هنا نتساءل عن أسباب إنقلاب أردوغان في موقفه تجاه الأسد وحكومته، ويمكن إيجازها بصمود الشعب والجيش السوري وصلابة الموقف الإيراني والروسي الذي عبّر عنه الرئيس بوتين فى العديد من المحافل الإقليمية والدولية، بالإضافة الى مراجعاتٌ أميركيةٌ وأوروبيةٌ طوت صفحة المطالبة بتنحّي الأسد قبل أي حل سياسي، فضلاً عن التعامل الإيجابى لدول الخليج، خاصة المملكة السعودية مع المبادرة الروسية الأخيرة، لذلك فإن كل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب الغربي والعربي  كي لا يجد نفسه وحيداً في مواجهة بوتين خاصة بعد فشل عاصفة الجنوب وتفاهمات أردنية وخليجية روسية بشأن الازمة.   

يعلم جميع المراقبين السياسيين أن تركيا منذ بداية الأزمة عملت بكل الوسائل والإمكانات المالية والإعلامية والعسكرية في سبيل تجنيد مقاتلين وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم وإرسالهم إلى سورية، أما اليوم  ووفقاً للوقائع التي أخذ يفرضها الميدان السوري، فإن تركيا باشرت مرحلة حصر الأولويات، فبدأ همّها الوحيد  يتحول إلى الحرب على الإرهاب، وبدأت تعيد حساباتها بالنسبة للأزمة السورية، وتخشى من توتر خطير في علاقاتها مع طهران وبغداد وموسكو وبكين، كما باتت قلقة من إنزلاق السلاح المتطور الذي يجري تهريبه عبر الأرض التركية الى الأراضي السورية الى أيدي المقاتلين الأكراد، وتخوفاً من جبهة قتال جديدة ضد تركيا، لقد أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن انهيار الدولة سيؤدي بالتبعية إلى حدوث إضطرابات كبرى داخل تركيا ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الحظيرة على وضع الأكراد داخل تركيا .

في سياق متصل إن الدور السلبي لأردوغان في سورية، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار والطمأنينة، فيما ألسنة النيران تشتعل في سورية، فالتجربة أثبتت أن الأمن القومي لأي بلد من بلدان المنطقة يرتبط إرتباطاً عضوياً مع أمن الإقليم ، وأن طريق تركيا نحو الإزدهار الإقتصادي يمرّ بالضرورة على دمشق، وأنه في حال بقاء طريق دمشق مغلقاً في وجه تركيا، فلا يُستبعد أن ينهار الإقتصاد التركي وتعم الفوضى، وبذلك يخرج أردوغان من الباب الضيق للسلطة، لذلك فإن تركيا أمام مأزق خطير ومن صنع يدها، تتواضع أمامه كل المآزق الأخرى، بما في ذلك أخطار تنظيم القاعدة الأم، وبالتالي فإن الرئيس أردوغان لا يملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليه أن يتعاون مع النظام السوري لضرب هذه المجموعات التكفيرية التي عملت سورية على ضربها منذ البداية، وتخطئ أنقرة إذا لم تتعاون مع القيادة السورية في القضاء على الإرهاب، لأنّ سورية هي بوابة التصفية لمشروع داعش في المنطقة، بإختصار شديد يمكن القول إنه  من الحكمة على تركيا إعادة فتح قناة اتصال مع الحكومة السورية لمكافحة خطر التنظيمات المتطرفة، و أن تبتعد عن لغة التهديد والوعيد وشن الهجمات على سورية، وأن تجنح الى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا اليها الحكومة السورية بإستمرار والجلوس الى طاولة المفاوضات لإيجاد الحلول السياسية العادلة لكافة المشاكل عن طريق الحوار المباشر، الهادف والبناء االذي يخدم المصالح المشتركة لجميع الأطراف ويحفظ جميع حقوقهم في المنطقة.

[email protected]

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.