لو كنت اسرائيلياً ! / رشاد أبو داود

رشاد ابو داود ( الأردن ) – الجمعة 31/1/2020 م …



لسألت أبي: أين ولدت؟ اين ولد جدي وأبو جدي؟ ثم أسأله: بلدكم.. هل كنتم مرتاحين فيه؟ وهل كان أحد يقول لك هذه ليست بلادك؟ هل كان أحد يرفع البندقية أو الحجر أو السكين في وجهك ويقتلك؟ هل كان البيت بيتك أم بيت غيرك، غيرك الذي طردته بعيداً وسكنته وسكنك؟ هل كنت تجلس في المقهى وأنت تخشى أن يهاجمك شبان من أحفاد صاحب الدار الذي طردته فترتشق القهوة على ملابسك وربما يتراشق دمك؟ هل كنت تنام وسلاحك جنبك خشية أن يقتحم أحدهم غرفتك لينام في سريره الذي سرقته من طفولته؟.
سيجيب ابي: لكن هذه أرض الميعاد، أرضنا
لقد خدعوك يا أبي. قالوا لك أنها أرض بلا شعب. سبعون سنة مرت وشعبها يطالب بأرضه، أصحاب البيوت التي سكنتوها يحملون مفاتيحها التي صدأت ولم يصدأ حلمهم بالعودة. انهم ما زالوا يحملون السلاح بل يخترعون السلاح من الحجارة وورشات الحدادة. قتلنا منهم الآلاف وسجنا عشرات الالاف لكنهم عنيدون يا أبي. انهم ينجبون ويتكاثرون ويقاومون. هل سمعت بتهريب الأجنة من داخل معتقلاتنا الى ارحام نسائهم ليحملن ويلدن؟ أتدري أن الذين يطعنون مستوطنيننا وجنودنا في «أورشليم» هم احفاد الذين رمونا بالحجارة في انتفاضة 1978، وأن الذين ولدوا في انتفاضة 2000 اصبح الآن عمرهم 20 سنة، وهؤلاء هم من سيشعلون انتفاضة ثالثة ورابعة.
ماذا تريد أن تقول يا بني؟ هل كذبوا علينا؟
نعم يا ابي. انها الحركة الصهيونية. أرادوا «اسرائيل» دولة صهيونية وليس يهودية. كان ثمة يهود يعيشون في فلسطين بحرية، يمارسون أعمالهم وشعائرهم. غولدا مائير اعترفت انها كانت فلسطينية وشمعون بيريز دخل هذه البلاد بتأشيرة من حكومة فلسطين، وغيرهما بل كلهم قبل 1948.
الناس هنا طيبون. لم يكونوا يفرقون بين مسلم ومسيحي ويهودي. نحن الذين شردناهم من بيوتهم وارتكبنا المذابح الجماعية وبقرنا بطون النساء الحوامل. نحن الذين رفضنا العيش معهم وأردنا اقتلاعهم من جذورهم.
هذه رواياتهم هم العرب. انهم كذابون.
لا لا يا ابي. هل قرأت ما كتبه المؤرخون الجدد؟ انهم مجموعة كبيرة من الباحثين والمؤرخين الاسرائيليين ممن عملوا على إعادة قراءة التاريخ بطريقة تدحض الروايات الرسمية للأحداث المرتبطة بنشأة الحركة الصهيونية إضافة إلى الأحداث التاريخية المرتبطة بتأسيس إسرائيل، لا سيما فيما يخص دور القوى الدولية، الصراع مع العرب، الانتهاكات المرتكبة بحق الفلسطينيين، ظروف عيش اليهود في أوروبا، الهجرة اليهودية، بل حتى فكرة الشعب اليهودي نفسه.
أول هؤلاء سيمحا فلابان صاحب كتاب نشأة اسرائيل: الاساطير والحقائق. بيني موريس الذي كشف عن مذابح ارتكبتها العصابات الصهيونية قبل 1948. ايلان بابيي الذي تعرض لضغوط داخل اسرائيل واستقر في بريطانيا العام 2008. آفي شلايم اليهودي العراقي صاحب كتاب: الحرب والسلام في الشرق الأوسط. شلومو ساند: «كيف اخترع الشعب اليهودي» و»كيف لم أعد يهوديا» وهو معارض شرس للصهيونية، توم سجيف: «إسرائيل الأخرى: أصوات الرفض والانشقاق»، باروخ كيميرلينغ: «إسرائيل بين تعدد الثقافات والحروب الثقافية». إيديث زرتال:»الهلوكوست الإسرائيلي وسياسة التوطين».
هل تقرأ ما يكتبه جدعون ليفي في «هآرتس» خاصة مقاله «سنرحل..سنرحل».
لكن يا بني اسرائيل دولة نووية قوية هزمت اربع دول عربية في حرب الأيام الستة 1967، واحتلت بيروت 1982، وها هي دول عربية تعترف بها. والأهم ها هو ترامب، الرئيس الأميركي، يعلن صفقة القرن وستخطو اسرائيل خطوة كبيرة لتصبح «من الفرات الى النيل».
يا ابي، حتى لو حصل وهزمناههم، فكيف نهزم الخوف داخلنا، وكيف نوقف الفلسطينيات عن الانجاب، بل وكيف نقنعهم أنهم ماتوا؟.
– اذن ماذا ترى؟.
أرى ما قاله ذاك الجنرال الاسرائيلي العجوز الذي خاض كل حروب اسرائيل لابنه: يا بني، انصحك أن تحزم حقائبك وترحل، فهذه البلاد ليست لنا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.