روسيا في سوريا.. استراتيجية قائمة أصلا / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الأحد 4/10/2015 م …

” لقد ابتدأت مجابهة بوتين بعد فترة قصيرة نسبياً من فترتي رئاسته الأولى. كان في البداية منشدّاً إلى تصفية حكم المافيات في روسيا, وإلى ضبط الأمن وفرض سلطة الدولة على كافة بقاعها المتسعة, وإعادة الاقتصاد الروسي إلى حيويته وأوضاعه الطبيعية, واستعادة مؤسسات القطاع العام التي خصخصها يلتسين مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, فقام بفرض سلطة الدولة عليها,”

ـــــــــــــــــــــــــ

كثر الحديث مؤخرا عن مصطلح “الاستراتيجية الروسية الجديدة في سوريا”!. المتمسكون بهذا القول إما لا يعرفون مفاصل الاستراتيجية الروسية التي تبلورت في رئاسة بوتين الأولى, ولا يعرفون شيئا عن طبيعة العلاقات بين روسيا وسوريا أو يتجاهلون كل ذلك!. من الحقائق الجديدة على الصعيد الدولي: أن العالم لم يعد أحادي القطبية بتفرد الولايات المتحدة الأميركية به وبقضاياه، وأن روسيا اليوم هي غير روسيا في عهد يلتسين وأن اتحادها الفيدرالي هو الوريث الطبيعي للقطب العالمي الذي كان يشكله الاتحاد السوفياتي, فلقد وضع الرئيس الروسي في فترات رئاسته الثلاث حداً للأحادية القطبية، وهو الذي تحدث مراراً في خطاباته عن ضرورة “التعددية القطبية”. كان أبرزهذه الحطابات: خطابه في مؤتمر الأمن في ميونخ في عام 2007, وقال فيه: لطالما تعبت روسيا من “حشرها في الزاوية” من قبل الغرب الذي اتهمه بوتين: بأنه دائماً ما”خدع روسيا واتخذ قرارات من وراء ظهرها”. واعتبر أن الغرب يتمسك بسياسة “تفتيت روسيا منذ عهد القيصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وصولاً إلى القرن العشرين في مواجهة الاتحاد السوفياتي”. واعتبر بوتين أن الأوروبيين والأميركيين اجتازوا الخط الأحمر حين ساعدوا على تنصيب حكومة موالية للغرب في كييف، ضاربين عرض الحائط بالاتفاق الذي وُقّع بين يانكوفيتش والمعارضة”, فما كاد حبر الاتفاق يجف ( وقد جرى توقيعه بحضور مندوبين غربيين) حتى جرى خلع يانكوفيتش!.

لقد انتقد بوتين الدول الغربية وسياساتها الحمقاء في يوغسلافيا, وكوسوفو وأفغانستان, والعراق, وليبيا, بالفعل تصرف الغرب في هذه الدول على قاعدة الصلف والعنجهية, وفي بعضها الاحتلال المباشر تحت مسمى ” نشر الديموقراطية” و” إزاحة الأنظمة الدكتاتورية” و”مصادرة أسلحة الدمار الشامل” كما جرى في العراق. الذي تبين أنه لا أسلحة دمار شامل في العراق , وأن الفوضى وانعدام الأمن هو الذي جرى في العديد من هذه البلدان على ضوء التدخل الأميركي ـ الغربي فيها. العديد من هذه الدول عادت عقوداً إلى الوراء, وهي تعاني من النزاعات الطائفية والمذهبية والإثنية والاقتتال فيما بينها، إضافة إلى إمكانية تقسيمها.هذا ما جلبته السياسات الأميركية-الغربية على هذه الدول. إنها بالفعل”سياسة تدميرية”مثلما وصفها بوتين.” يعتقدون أنهم يتمتعون بمكانة استثنائية, ويشعرون بأنهم المختارون وبإمكانهم تقرير مصائر العالم وأنهم فقط من هم على حق”.هكذا وصف بوتين الغربيين.

لقد ابتدأت مجابهة بوتين بعد فترة قصيرة نسبياً من فترتي رئاسته الأولى. كان في البداية منشدّاً إلى تصفية حكم المافيات في روسيا, وإلى ضبط الأمن وفرض سلطة الدولة على كافة بقاعها المتسعة, وإعادة الاقتصاد الروسي إلى حيويته وأوضاعه الطبيعية, واستعادة مؤسسات القطاع العام التي خصخصها يلتسين مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, فقام بفرض سلطة الدولة عليها, وصادر أموال العديدين من المليارديرات(الأغنياء الجدد ومعظمهم تابعين للحركة الصهيونية) فوضع البعض في السجون, وهرب آخرون من روسيا بعد أن استقامت ظروف الفيدرالية الروسية. أولى بوتين الأهمية الكبرى لسياسات روسيا الخارجية ومجابهة عالم القطب الواحد. وأبرز خطوة قام بها على طريق هذه المجابهة هي الحرب الروسية-الجورجية في عام 2008 حين قام بالتدخل لحماية الروس في تلك الجمهورية. في فترة رئاسته الثانية التي ابتدأت مع مجيئه إلى السلطة في عام 2012 , صاعدت روسيا من مجابهتها للغرب. ما جرى في شبه جزيرة القرم من انتصار روسي, وفي جورجيا .. وتطوير العلاقات مع سوريا ومع إيران وتسليم الصواريخ إليها .. يأتي في سياق الحرص الروسي على تأكيد مجابهة روسيا للغرب عموما وحليفته الصهيونية .. باللغة والفعل العملي وبالأساليب التي يفهمها جيدا أطراف هذا المعسكر… لغة المجابهة والتحدي.

العين بالعين والسن بالسن هذا ما تطبقه روسيا في عهد بوتين. عقوبات أميركية وأوروبية ضد مسؤولين روس قابلها بوتين بعقوبات ضد مسؤولين أميركيين. حصار روسيا لم يؤثر عليها .. والرئيس الروسي يدرك تماماً أن الغرب يحتاج إلى بلده في شأن الكثير من القضايا العالمية.

كان بوتين وراء تشكيل ائتلافات دولية جديدة, ولم تأتِ صدفةً تسمية أحدها بـ” الاتحاد الاقتصادي الأوراسي” الذي يضم روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقيزغستان، والذي دخل حيز التنفيذ في بداية العام 2015، فتعبير “أوراسيا” يعني حرفياً قارتي آسيا وأوروبا، ويعني في الجغرافيا السياسية: الكتلة الأساسية للعالم القديم، التي تعني السيطرة عليها, السيطرة على قلب العالم كما عبر عن الفكرة زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، وأحد أهم علماء الجغرافيا السياسية في العالم في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى” (2006) حين قال إن السيطرة على أوراسيا تعني السيطرة على اثنتين من أكثر ثلاث مناطق تقدماً وإنتاجية في العالم، مما يعني السيطرة أيضا على إفريقيا فعلياً، وتهميش النصف الغربي من الكرة الأرضية سياسياً وقارة أوقيانيا، بخاصة أن أوراسيا يوجد فيها ثلاثة أرباع سكان العالم، وثلاثة أرباع موارد الطاقة العالمية المعروفة حتى اليوم.أوراسيا تحمل بعداً ثقافياً عميقاً بالنسبة لروسيا، بسبب امتدادها عبر القارتين تاريخياً، وصراعها الداخلي لتحديد هويتها، وما إذا كانت أوروبية أم آسيوية، كما أن المفهوم يحمل عند الروس أبعاداً قومية سلافية، تضم أقساماً واسعة من أوروبا الشرقية، كما يحمل ابعاداً تتعلق بالأمن القومي الروسي.

بالنسبة لسوريا, فإن روسيا (منذ الحقبة السوفياتية) رأت فيها بُعداً جغرافيا وامنيا لمناطقها ومناطق حلفائها في الجمهوريات الإسلامية, بالتالي ما يجري في سوريا يؤثر بشكل مباشر على الوضع الروسي بكل تفاصيله. منذ بداية الصراع وقفت روسيا إلى جانب سوريا انطلاقا من استراتيجيتها في المنطقة. سوريا تدرك هذه الاستراتيجية منذ بداياتها, ولذلك تقدمت بطلب للانضمام للاتحاد الأوراسي.

في أعوام سابقة تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين.. اقتصادية تجارية, نفطية, متعلقة بالغاز, وسياسية أيضا.

يبقى القول: أنه ومع عوامل الصراع الجديدة في سوريا والمنطقة عموما والآخر الخفي على الساحة الدولية .. يجري تطوير للعلاقة الاستراتيجية القائمة أصلا بين البلدين منذ بدايات بوتين … أما شكل المساندة الروسية لسوريا فلا تحددها فقط أوضاع سوريا! وإنما أوضاع المنطقة والساحة الدولية عموما! نتنياهو حاول استغلال الوضع السوري ليبرز دور كيانه كلاعب إقليمي في المنطقة!.. لكنه عاد من زيارته ومقابلته لبوتين بخفي حنين!.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.