سعد الحريري (2005 – 2020): من الميليشيا إلى الانقلاب / ليلى نقولا




  • أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

يتَّجه الحريري هذا الأسبوع، كما يقول مقرّبون منه، إلى إطلاق مواقف نارية ضد “التيار الوطني الحرّ” ورئيس الجمهوريّة خلال ذكرى اغتيال والده في 14 شباط/فبراير، وإعلان “الطّلاق النهائي” مع التسوية الرئاسية.

ليلى نقولا ليلى نقولا

في خضمّ الأزمة المصيرية التي يعيشها لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، اعتمد الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، بعد استقالته، سياسة الاعتكاف والحرد، ومحاولة دفع البلاد إلى السّقوط في الهاوية، لعلّ ذلك يدفع المعنيين إلى محاولة الاستنجاد به “للإنقاذ”.

يتَّجه الحريري هذا الأسبوع، كما يقول مقرّبون منه، إلى إطلاق مواقف نارية ضد “التيار الوطني الحرّ” ورئيس الجمهوريّة خلال ذكرى اغتيال والده في 14 شباط/فبراير، وإعلان “الطّلاق النهائي” مع التسوية الرئاسية.

وقد يكون من المفيد في معرض هذه المناسبة، إجراء جردة حساب لمسيرة الحريري السياسية منذ اغتيال والده ولغاية اليوم، والتي يمكن إيجازها بالمراحل التالية:

1- المرحلة الأولى: ما بعد اغتيال الأب: تأسيس “ميليشيا”

بعد اغتيال والده في 14 شباط/فبراير2005، انساق الشاب اليافع الآتي من خارج الدائرة السياسية كلياً وراء مشاريع فؤاد السنيورة وصقور “المستقبل”، يُضاف إليهم قوى “14 آذار”، وخصوصاً وليد جنبلاط. هذه القوى التي أرادت تصفية حساباتها مع النظام في سوريا عبر تحميله مسؤولية اغتيال الحريري.

شكّلت تلك القوى حجر الزاوية في مشروع الرئيس الأميركي جورج بوش، للمنطقة، فاستعانت بالخارج لتنفيذ أجندة تدويل الأزمة ووضع لبنان تحت ما يشبه الوصاية الدولية عبر قرارات الفصل السابع، ثم تمّ ربطه بمشاريع خارجية لاجتثاث المقاومة فيه، عبر مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الَّذي كانت حرب تموز أحد تجلّياته، كما قالت كوندوليزا رايس.

لم يردع الفشل في حرب تموز السنيورة وصقور “تيار المستقبل”، بل تمّ السعي لتحويل التيار من تيار العلم والكفاءات (كما أراده المؤسِس) إلى “ميليشيا” تتلقّى التدريب العسكري والسلاح والتمويل بهدف تحجيم حزب الله في لبنان (كما أعلن فيلتمان)، وذلك تحت نظر الحريري الشاب، فكانت نهاية هذا المسار في 7 أيار/مايو 2008.

وكشفت “ويكيليكس” أنَّ السّفيرة الأميركيّة سيسون، التقت سعد الحريري في 12 أيار/مايو من ذلك العام، بحضور مستشاريه نادر الحريري وغطاس خوري.

وخلال الاجتماع، اقترح الحريري أن تحلّق ولو “طائرة أميركية واحدة” فوق سوريا “تهديداً” لها، أو تنشر أسطولها البحري السادس على طول الحدود الساحلية السورية، حيث إنَّ قوى 14 آذار لا يمكنها أن تصمد طويلاً (عسكرياً) أمام “حزب الله”، وإلا فقد يضطرون إلى “إبرام اتفاق”.

وفي لقاء آخر بعد مؤتمر الدوحة (24 أيار/مايو 2008)، التقت سيسون سعد الحريري، و”كان مزاجه انهزامياً جداً”. وقال في معرض قيامه بمراجعة نقدية: “كان علينا أن نفعل ما فعلناه لإنقاذ لبنان”.

2- المرحلة الثانية: مصالحة دمشق كبوابة للسرايا الحكومي

في عام 2009، وبتشجيع من السّعودية، زار الحريري سوريا وصافح الرئيس السوري بشار الأسد. بعدها، حصلت الانتخابات النيابية، وحصد تحالف قوى “14 آذار” الغالبية النيابية. وفي نتيجة الزيارة والانتخابات، تمّ تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة.

وفي عام 2011، وفي خضمِّ تطورات “الربيع العربي”، وبعد قرار الرئيس باراك أوباما التحالف مع “الإخوان المسلمين”، ومحاصرة ما يُسمى “حلف الاعتدال” الذي تتزعَّمه السعودية، وإحلال “الإسلام التركي المودرن” مكانه، وعودة الحديث إلى وجوب إسقاط النظام السوري، تمّت الإطاحة بالحريري في بيروت، بعد خلاف مع شركائه في السلطة على المحكمة الدولية وقضية شهود الزور.

وفي مراجعة لتلك المرحلة (حوار مع صحيفة “النهار” في 14 شباط/فبراير 2019)، وحول زيارة دمشق، يقول الحريري: “من الصَّعب أن يسلّم الشخص على من قتل أباه، لكنني قمت بهذا الأمر من أجل بلدي، وليس من أجلي. أعتبرها من أصعب اللحظات التي خضتها في حياتي. شخصياً لم أستفد من هذه المصافحة”.

وأضاف: “أقول لمَن يلومني على قيامي بهذا الأمر: ماذا استفدتُ من الأمر سوى أني ذُبحتُ شخصياً. كلّ ما قمت به هو للبنان”.

3- المرحلة الثالثة: التسوية الرئاسية “بوابة” السرايا بعد الإفلاس

بعد انخراط قوى “14 آذار” بشكل عام، و”تيار المستقبل” بشكل خاص، في دعم “الثورة” السورية لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، تأخَّرت عودة الحريري إلى الحكم في لبنان.

في العام 2016، وفي لحظة مؤاتية إقليمية ودولية، في عزّ تراجع قوى “14 آذار”، وبعد أن تعرَّضت أعماله وشركاته في لبنان والخارج للإفلاس، أجرى الحريري “تسوية” مع الوزير جبران باسيل، بموافقة حزب الله ومباركته، قضت بوصوله إلى رئاسة الحكومة، مقابل وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية.

لم يمضِ الكثير على التسوية، حتى بدا أنَّ السعودية تريد إسقاطها، فكانت عملية استدعاء الحريري إلى المملكة واحتجازه لإجباره على الاستقالة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، موجّهاً الاتهام إلى حزب الله بمحاولة اغتياله كما حصل مع والده.

كانت تجربة قاسية على الجميع، قام خلالها الرئيس عون بتحدّي الإرادة السّعوديّة، فلم يقبل استقالة الحريري واشترط أن يقدّمها بنفسه في بعبدا. أما وزير الخارجية جبران باسيل، فطاف العالم لكسب الدعم ومحاولة الضّغط على السعودية للإفراج عن الحريري.

بالفعل، عاد الحريري إلى بيروت، وتوعَّد بـ”بقّ البحصة” وكشف جميع المتآمرين، لكنَّه لم يفعل.

4- حراك 17 تشرين الأول/أكتوبر: الانقلاب!

باءت جميع المحاولات التي قام بها الحريري لتحسين علاقاته مع السّعودية بالفشل. وقد ظهر جلياً، بعد الانتخابات النيابية في العام 2018، والَّتي حصد فيها التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفاؤهما الغالبية النيابية، أنَّ السعودية لن ترضى على الحريري الذي تتَّهمه بـ”الضعف” أمام جبران باسيل وحزب الله.

وكانت التظاهرات التي حصلت في 17 تشرين الأول/أكتوبر فرصة ذهبية للحريري للانقضاض على حلفائه في السلطة، وتحميلهم مسؤولية الفشل، فاستقال محاولاً العودة على حصان أبيض باسم “الحراك”، من خلال تلبية مطالب الخارج بإخراج حزب لله من الحكومة وإضعاف التيار الوطني الحر.

هذه الخطّة لم يُكتب لها النجاح، بسبب الفيتو السعودي على عودة الحريري، والذي تمظهر بغياب الدعم القواتي لإعادة تكليفه، فكانت حكومة حسان دياب.

وهكذا، يتَّجه الحريري في 14 شباط/فبراير 2020 إلى القيام بمراجعة شبيهة بالمراجعات النقدية السابقة، فيعلن أنَّه “اضطر” إلى عقد التسوية الرئاسية مع باسيل “من أجل لبنان”، وأنه – شخصياً – “دفع ثمنها الكثير”، تماماً كما وصف كلّ ما فعله واتَّخذه من خيارات سياسية سابقة بقوله إنه كان “مضطراً… من أجل لبنان”.

ومهما يكن أمر تلك المراجعات النقديَّة المتكرّرة، يبقى الأهمّ في نجاح المسيرة السياسيَّة الداخليَّة للحريري و”تيار المستقبل” – المرتبط عضوياً بالسعوديّة – مدى اقتناع الحكّام السّعوديين بقدرتهم على الاتكال عليه كحليف قوي قادر على الحفاظ على مصالحهم الحيوية في لبنان.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.