عصف المواجهات: بين المنتصر والمهزوم / د.يحيى ركاج
د. يحيى محمد ركاج* ( سورية ) الإثنين 5/10/2015 م …
* باحث في السياسة والاقتصاد (سورية) …
أعلن الميدان السوري عن أبطال الثلث الثاني من الصراع على المنطقة والعالم، فلم يعد من كان يشكك في أن مسببات الأحداث الحاصلة على الأرض السورية بعيدة عن الحدث العالمي الذي تصنعه، ولم يعد ينطلي على أحد أو يجب أن لا ينطلي على أحد بعد اليوم أقوال الربيع المزعوم والثورة والحرية والديمقراطية والطائفية والمذهبية والنظام والمعارضة، فلا شيء يأتي في شطرج السياسة عبثاً، خاصة عندما يكون اللاعبون على أعلى من مستوى من الاحترافية، حيث حساب الخطوة يتم لألف حركة قادمة بسيناريوهاتها المختلفة.
فقد أعلنت سورية في كوميديا الدماء التي قدمتها رسمياً أسماء اللاعبين الأساسيين والاحتياط المتصارعين في العالم، فأحرقت الدبلوماسية السورية أوراق أمريكا وحلفائها وأتباعها واحداً تلو الأخر خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الأحداث التي تعصف بها، وساهمت في تظهير دبلوماسية الفيتو المزدوج وتكتلاته، وأتى يوم الفصل ليقول الجيش العربي السوري كلمته السياسية بإعلانه رسمياً وبتوقيت بالغ الدقة عن دخول فريق الفيتو المزدوج وتكتلاته وأتباعه مع حلف المقاومة في خندق المواجهة، فالبداية روسية ومعها الصين وتتبعها كوريا والشيشان وتؤيدها فنزويلا ومجموعة الألبا وغيرها من الدول.
إن هذه الصورة مع مرور الأيام تصبح أكثر وضوحاً مما كانت عليه قبل خمس سنوات، ولكنها إلى الآن لم تتكشف بشكل جلي لما ستكون عليه نتيجة الصراع، ولا يستطيع أياً كان توقع ملامحها عبر تحليلاته وكتاباته وتنبؤاته، فأمريكا التي تعلم جيداً من أين تؤكل الكتف، والتي يشهد العالم بقذارتها في إدارة الحرب الباردة وإبادة الشعوب وتدميرهم، لن تقف مع حلفائها وأتباعها وعملائها الجهلة مكتوفة الأيدي أمام فقدانها السيطرة على العالم، ولن ترضخ بالاعتراف الميسر بفشلها الثاني في سورية لغرورها بأنها درست أسباب غرقها في الميدان السوري (أو المستنقع كما يسميه الساسة الأمريكان) في ثمانينيات القرن الماضي وروسيا التي استنفذت كامل الوقت في الدبلوماسية تدرك جيداً مع حلفائها أن المواجهة العسكرية والاقتصادية ليست كافية للفصل في مواجهات ميادين سورية والعراق وفلسطين ولبنان وإيران واليمن والسعودية وليبيا وتونس والجزائر والتي تشكل بتبايناتها السياسية ميداناً واحداً في الصراع على العالم، تتنوع فيه المواجهات مابين الديموغرافيا والجغرافيا، وبين الطائفية والمذهبية والحرية، وتشكل سورية قلب العاصفة فيه ومحور الحسم، وتعتبر فلسطين هي رافعة الحل والانتصار لما تمثله قضية الصراع العربي الصهيوني بالنسبة لسورية خصوصاً ولمعظم العرب على وجه العموم من أهمية.
إننا كعرب -إن بقي للعرب مكانة- سوريين وعراقيين ولبنانيين وفلسطينيين وجزائريين، أبناء أمة واحدة، يتحقق انتصارنا بانتصار أقوانا وأضعفنا، ويُعلن هذا الانتصار عندما نتوقف عن لعب دور الحطب الذي يستخدمه الكبار في إشعال نيران التسويات. لأننا كشعب عربي سوري قدم القرابين المعمدة بطهر الأرض المباركة خلال السنوات الماضية قد انتصرنا وإن لم تكتمل بعد كامل الصورة السياسية لانتصارنا في العالم، فصمودنا انتصار، ومفاوضاتنا انتصار، وقرارنا انتصار، وإنجازاتنا في الميادين كافة خلال السنوات الماضية انتصار الانتصار، وإن حملت الأيام القادمة من سيسجل هذه الإنجازات باسمه على أنه المنقذ والمخلص والمنتصر كما هي الحال دائماً، إلا أن تمتعنا بهذا الانتصار يتحقق عندما نقر بواقع بلادنا المدمرة، ونعمل معاً لبنائها، فلا نبحث عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هنا، بل ننطلق من حيث نقف الآن. لن نخوض في مشهد الصراعات اللامتناهية، لأن مجمل هذه الصراعات التي هَزَمت في الماضي من إنسانيتنا أشياءً جميلة تتكسر الآن بالتدريج أمام صمودنا وبسالة جيشنا حماة الديار. عشتم وعاشت الجمهورية العربية السورية والتي كانت –كما قال باترك سيل- مرتفع الأحلام والتصورات الوطنية التي لا تحصى، وبرأيي أنها لا تزال
التعليقات مغلقة.