مقال خطير للكاتبة الأردنية د. ميساء المصري : من البتراء حتى مكة .. سنوات التيه العربي والبيع على المكشوف
سأبدأ بالهامش من مهاجمة عدد من النواب مشروع القانون المعدل لقانون سلطة إقليم البترا التنموي السياحي تخوفا من تملك اليهود في هذه الأراضي.والذي يسمح للأشخاص بتملك الاموال غير المنقولة الواقعة في منطقة الإقليم شريطة أن تكون نسبة تملك الأردنيين فيها أكثر من 51%.. وأستغرب هنا كمواطنة عربية ثم أردنية طرح هكذا قانون خطير تحت قبة برلمان عربي أو مجلس أمة يمثل الشعب , في وقت حرج جدا من الحالة السياسية في إقليم الشرق الأوسط وإرتهان أوطان وبيع ضمائر وخيانة علنية وتطبيع مسموم ؟؟؟؟
دعونا نعود قليلا بالزمن الى فترة عام 1999 من فصل إقليم العقبة إداريا عن الأردن وضخ أموال و إنشاء المنتجعات السياحية و إنشاء ميناء جديد و تقسيم أقاليم و بيع مقدرات و ثروات و مشروع مياه الديسي و ناقل البحرالميت /الأحمر و بيع أراضي من السلط حتى وادي عربة المقدس لليهود و تنفيذ جمرك الماضونة و الحديث عن مشروع عاصمة عمان الجديدة و مشاريع المدن الإسكانية ومشروع سكة حديد السلام لتربط دول الخليج بميناء حيفا و الميناء البري و مشروع المصفاة الجديد في معان والطرق الدولية على طول خط المملكة و مشروع سكة حديد (إربد – العقبة) و مشروع الربط الكهربائي بين الأردن وفلسطين والحديث عن شراء أراضي و بيوت أثرية من السلط إلى مادبا إلى الكرك و الطفيلة و الشوبك و البتراء , وادي موسى , وادي إبن حماد و قرى عزرى و العدنانية و بصيرا و القائمة طويلة لكن الى أين سنصل بهذا ؟؟؟ والى أي مدى ؟؟؟؟.
ولمن لا يعلم الى أين نتجه , أقول ,أن لمنظمة الشباب الإسرائيلي الهيتار نشيد ديني مقدس، وفيه عبارة تقول: لنهر الأردن ضفتان: الضفة الغربية لنا، والضفة الشرقية لنا أيضاً!! ويسمون الأراضي الأردنية: الجانب الأردني لأرض الميعاد !! وعندما تأتي أفواجهم السياحية إلى جبل نبو عند مادبا، حيث يزورون قبر نبيهم موسى عليه السلام؛ يقولون عن المنطقة: هذه أرض إسرائيلية داخل الأردن! .
و قبل مئة عام، قال المندوب السامي البريطاني اليهودي هربرت صمويل للقبائل العربية : إن وعد بلفور لا ينطبق على شرق النهر، وعد بلفور خاص بأرض فلسطين، وفي تلك الفترة كان حلم اليهود بعض وطن في فلسطين، ولكن في هذه الأيام، أيام التمكين فوق الأرض وتحت الأرض، فإن ورثة هربرت صمويل؛ ديفيد فريدمان، وجارود كوشنير، ورونالد ترامب، هؤلاء لن يقولوا: وعد بلفور يخص أرض فلسطين غرب النهر، وإنما سيقولون لأي مسؤول أردني: صفقة القرن تقوم على شعار؛ للنهر ضفتان، هذه لنا، وأيضاً تلك, تماما كنشيدهم الديني .
وليس هذا فحسب , فعندما سئِل وايزمن لماذا إختارت الحركة الصهيونية فلسطين وليس أوغندا أوالأرجنتين، رغم ما تمتع به الأخيرتين من ميزاتٍ تفضيلية، أجاب: إنها قوَّة الأسطورة. فهل تعلمون ما هي قوة الأسطورة الصهيونية ؟؟؟؟, هي العنصرية الدينية المحرفة أساسا في إصحاحات سفر «التكوين»،والتي تنص على حق وطني يفرض بالقوة مصادرة بلاد الشعوب . وتصبح أسطورة الإدعاءات التوراتية في المواقع الأردنية بشكل خاص ثم العراقية والسورية واللبنانية والمصرية , سند حق يتحول من وَهم الى واقع كما حصل في فلسطين.
وهنا أشيرإلى فقيه توراتي آعلن قبل فترة قريبة عن أن اليهود تاهوا في شمال السعودية حيث «نيوم» الموعود ، والأدهى أن هذا الفقيه يزعم أيضاً وجود حق يهودي أيضاً في مدن رئيسية في الحجاز .
منذ فيلم جابر الذي أثارعالميا قضية الحق اليهودي المزعوم بالبتراء , الى نشر فيديو يصوّر سياح صهاينة يقيمون طقوساً دينية تلمودية في «مقام النبي هارون»،ثم إعتراف خطير لوزيرة سياحة سابقة قالت أنها فقدت وظيفتها عندما قّررت التصدي لمحاولات صهاينة “تزييف تاريخ وهمي” لليهود في مناطق أردنية، و ضبط سياح إسرائيليين يقومون بدفن قطع أثريّة مصطنعة في أرض الأردن! ثم خروج مؤرخين يهود غيروا السردية التلمودية التي تتحدث عن سنوات تيه اليهود في سيناء ليزعموا أنهم لم يتوهوا بل حلوا في البتراء لأربعين عاما، لتسليط الضوء على حق عجيب لهم في البتراء, بل وصل الحد الى الترويج للبتراء في بروشورات إسرائيل السياحيّة،و في فترة عام 2010 كانت خرائط جوجل تضع البتراء ضمن المعالم الخاصة بالكيان الاسرائيلي , وكان دخل الأردن من السياح من كيان إسرائيل لا يتجاوز رسوم دخول البتراء.
ونتساءل هنا بشدة و بإلحاح: لماذا يتم تجاوز كل ذلك من قبل الحكومة ولماذا يثار قانون تملك الصهاينة الآن، وما علاقة ذلك بتهويد القدس والأماكن المقدسة ؟ بصفقة القرن بشكل عام؟ و بالوطن البديل الذي رفع فزاعة بوجه الأردنيين ؟ هل ذكر ذلك في إتفاقية وادي عربة، هل إن الصهيوني وضع بندا إحتياطيا سريا لهذه الغاية في غفلة من الطرف الآخر ؟ متى سينتبه الأردنيون والسوريون واللبنانيون والعراقيون والمصريون والخليجيون إلى خطورة التغاضي عن كل ذلك، خوفاً أو إذعانا أو جهلاً أو طمعا ؟
و أمام هذا التخاذل ماذا سيفعل الصهاينة في المستقبل؟ هل سنشهد رفع قضايا أمام المحاكم اليهودية، وإقرار قوانين في الكنيست ، يطالبون فيها بتملك قبر موسى في نبو، وقبر هارون في البتراء ؟ كما يطالبون بضم اراضي اردنية ؟؟ وكم خطورة إذا طلب اليهود من أمريكا تنفيذ الأمر؟ وإذا إستصدرت أمريكا قراراً من مجلس الأمن بالتنفيذ؟ !! لنتكلم وقتها عن قضية فلسطينية وقضية أردنية وقضية عراقية وأخرى خليجية وغيرها مصرية ؟؟؟؟
رغم نفي الادّعاءات التوراتية في البتراء منذ عام 1966. إلا ان المستشرقين الغربيين يذكرون البتراء كملاذ أخير لليهود ، وبما أن الرواية تُشير إلى أن شجر الغرقد هو الوحيد الذي سوف يحمي اليهود فإن شجرة الغرقد عرفت بها بلاد الحجاز وعدم نموها في أرض الشام والأردن , فهل هنا يجوز طرح تساؤل حول من سوف يقدمون الملاذ الآمن لليهود في اليوم الأخير؟؟.
نهاية القول . سأذكر هنا بجدلية مهمة وخطيرة ولكم أن تستفسروا من علماء الأركيولوجيا في جامعة الحسين بن طلال في الأردن حول إذا كانت البتراء -وهي فرضية تطرح بقوة لدى المؤرخين- هي المكان الذي نزل فيه الوحي والبقعة التي كانت فيها الكعبة أول الأمر؟؟؟؟، فلماذا تحولت إلى مكة؟، ما هي الأحداث التاريخية والدوافع المنطقية التي جعلت المسلمين يتحولون عنها إلى مكان بعيد في الصحراء القاحلة في السعودية؟ مكان ليس له ذكر في التواريخ والخرائط والأدبيات القديمة؟ كيف حدث ذلك ؟ و ما هي المدة التي تطلبها ذلك ؟ لا بد أن حدثا جللا وقع أدى إلى ذلك التحول في التاريخ ؟مما يضعنا في جدلية نكران التاريخ والوثائق والادعاءات والقيمة المكانية والجغرافية ؟؟؟ تماما كالجدلية الصهيونية .
عليكم البحث حول معرفة قيمة البتراء الحقيقية ومدى أهميتها التاريخية والدينية وليس السياحية فقط ..والبحث عن قيمة الوطن وتراب الوطن وقيمة الهوية وقيمة الدين والأهم قيمة كرامة الإنسان ..فهل تفعلون ؟؟؟؟؟؟
التعليقات مغلقة.