إزالة أول ثلاث مستعمرات يهودية شرق الأردن.. كيف ومتى؟ / بكر السباتين

بكر السباتين ( الجمعة ) 21/2/2020 م …




حدث ذلك تحديداً في زمن الدولة العثمانية (الباب العالي) وقبل نشوء الحركة الصهيونية، حيث كان الوضع السياسي مبهماً نظراً لانشغال الباب العالي بإعادة تشكيل ولاية سوريا حيث ضمت في إدارتها ألوية شرق الأردن التي أهملت خدماتياً من قبل حكومة الباب العالي، سوى ما يتعلق بطرق الحجاج، وهو ما سهل على أطماع اليهود الطريق واهمين بأن تسللهم إلى شرق الأردن سيكون آمناً، ولكن القبائل الأردنية (بني حسن والشمال) كانت لها بالمرصاد، وبكل وعي أقدمت على إجهاض أحلام اليهود الاستيطانية في مهدها..
حدث ذلك حينما أعاد اليهود في عام ١٨٧٠ إحياء أسطورة نهر “يبوق” الزرقاء حالياً، حيث مر به النبي يعقوب وفق الأساطير اليهودية، وبنوا على ضفته الشمالية بوادي جرش مستوطنتين زراعيتين واسعتين دعيت احداهما (راحيل)، إضافة لمستوطنة ثالثة دعيت (كفار اهود) في منطقة جلعاد في البلقاء، فشكلت هذه المستوطنات نواة توسعية لأحلام اليهود المستقبلية.
. كان المستوطنون يرسخون لنمط حياة خاصة يجمعون في سياقها بين العمل الدؤوب والحراسة المشددة، فيعملون بالزراعة نهاراً فيما يقومون بالحراسة ليلاً، وذلك خوفاً من هجمات سكان المنطقة من القبائل البدوية التي لم تنسجم مع هذا الوضع المفاجئ، وبعد اربع سنوات حاول المستعمرون اليهود شراء اراضي جديدة لتوسعة المستوطنتين واستقطاب يهود جدد وفق مخططهم الاستعماري الخبيث، عندها إستشعر ت القبائل الأردنية الموجودة في المنطقة آنذاك خطورة الموقف لوجود هذه النواة الاستيطانية اليهودية على اراضيهم فعزموا على مقاومة وإفشال الاستيطان الصهيوني في جرش، وسد المنافذ على اليهود شرق الأردن.
وهو ما جرى بالفعل، في صيف عام ١٨٧٦ والموافق لتاريخ إقرار أول دستور عثماني، إذ عُقد اجتماع في بلدة “ساكب” في مضافة الشيخ رجا المصطفى العياصره؛ لتدارس الموقف الجلل، ضم الاجتماع كبار شيوخ ووجهاء عشائر بني حسن، وبعض عشائر شمال الأردن، وترأس الاجتماع حينذاك شيخ “كفر سوم” المحنك، الشيخ مفلح عبيدات “أبو كايد”، وبعد تداول الموقف من كل جوانبه، أجمعت القبائل الأردنية على طرد اليهود الدخلاء على أراضيهم، بما أتيح لديهم من أسلحة خفيفة، وهاجموا المستعمرات اليهودية الثلاث ثم أحرقوها لمسح آثارها التي شوهت روح المكان..
ولسد الطريق على أية محاولات استيطانية يهودية أخرى؛ قام رجالات العشائر هؤلاء بتقديم عريضة وجهت إلى الصدر العثماني الأعظم، وعززت بدعم النواب العرب في المبعوثان، طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود إلى ألوية شرق الأردن (المملكة الأردنية الهاشمية) ، ومنع استملاكهم للأراضي، ومنذ ذلك الوقت لم يحدث أي استيطان صهيوني فعلي في أي من مناطق الأردن حتى الآن، وذلك بفضل يقظة أبناء العشائر وعزمهم على كنس أراضيهم من المستوطنات، وبذلك يتبلور وعيهم السياسي المبكر وقد رسموا الخطوط العريضة لمستقبل الأردن الذي أعلن كإمارة في عهد الملك عبد الله الأول بن الحسين أول القرن الماضي.
وبقيت جميع المحاولات اللاحقة ضمن أفكار واهمة، صحيح أن بعض العملاء والسماسرة تعاملوا مع الوكالة اليهوديّة بهدف بيع أراضي أردنية، إلا أن محاولات هؤلاء باءت بالفشل الذريع وقد دمغت أسماؤهم بالعار.
إنه خيار القوة الذي انقذ مستقبل الأردن من براثن الحركة الصهيونية التي أعلن عن قيامها في مؤتمر بال بسويسرا عام ١٨٩١.وهذا يؤكد بأن خيار المقاومة هو الأجدى في زمن السمسرة والرياء.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.