التواجد العسكري الروسي في سورية.. مقدمة لبدء مرحلة انفراج للأوضاع في المنطقة
الأردن العربي ( الإثنين ) 5/10/2015 م …
قبل شهور عديدة، اجتمع مسؤولان من وزارتي الخارجية الروسية والاميركية للتباحث حول الوضع في سورية. واثار المسؤول الروسي موضوع حصول تنظيم داعش والتنظيمات الارهابية الأخرى على أسلحة متطورة من الادارة الاميركية بحجة دعم ومساعدة وتدريب ما يسمى بـ “المعارضة المعتدلة”.
نفى المسؤول الاميركي تزويد التنظيمات الارهابية بالسلاح الاميركي المتطور، وادعى أن هذا التنظيم حصل عليه من معسكرات عراقية احتلها مؤخراً في شمال العراق. تم الاتصال بمسؤولي وزارة الدفاع العراقية حول الأمر، والذين أكدوا على ان السلاح الاميركي المتطور الذي تم الحصول عليه من اميركا ما زال موجودا في مخازن الجيش في بغداد وجنوبها، وان السلاح الذي هو بحوزة “داعش” تم الحصول عليه اما من تركيا أو السعودية.
المسؤول الاميركي تعرض لاحراج كبير، فقال له المسؤول الروسي انه من حقنا الآن تزويد سورية بما تحتاجه من سلاح متطور لأننا معنيون بسحق الارهاب فعليا، لا كلامياً وصوريا كما تدعون.
انطلاقاً من هذا اللقاء، تأكد للادارة الاميركية ان روسيا جادة في تزويد سورية بالسلاح، وقد قامت بذلك من اجل تقوية الجيش السوري في مواجهة الارهاب. وقامت بتعزيز وجودها في ميناء طرطوس حيث تتواجد فيها قاعدة بحرية. ونقلت طائرات مقاتلة حديثة الى الاراضي السورية. وافادت مصادر مُطّلعة أن بضعة آلاف من الجنود الروس يتواجدون على الاراضي السورية في اطار تقديم الخبرة والمشورة والتدريب، ولن تتردد روسيا في ارسال قوات برية الى سورية للمساعدة في القضاء على الارهاب!
ماذا يعني هذا الموقف الروسي المتطور
هذا الموقف الروسي يعني الكثير اذ انه يوجه رسالة الى كل من يعادي سورية، بأن روسيا تقف الى جانبها، وان روسيا مستعدة لمواجهة الارهاب براً مع الجيش السوري وحلفائها لانه “قد طفح الكيل”، فبعد مرور أربع سنوات ونصف وما زال أعداء سورية يعيشون في وهم كبير، وهو تحقيق احلامهم في اسقاط سورية الدولة. وحان الوقت كي يعرف الجميع ان روسيا لن تسمح بسقوط سورية الحليفة لروسيا، وان رغبة الادارة الاميركية في ابقاء الوضع الصعب مستمراً لن يتحقق اذ لا بدّ من وضع نهاية لفيلم الارهاب الاميركي في منطقة الشرق الأوسط الذي تمول انتاجه دول خليجية وينفذ اعداده واخراجه الرئيس التركي رجب اردوغان وحزبه.
كما ان روسيا ارادت القول بكل جرأة ممنوع انتهاك سيادة الاجواء والارض السورية على حد سواء، وان احلام اردوغان في اقامة منطقة “عازلة” أو “آمنة” لن تتحقق، لان الهدف من ذلك الاستيلاء على اراض سورية لمنع الاكراد الذين يعيشون في شمال سورية، وبالتعاون مع اخوانهم في تركيا من اقامة أي كيان مستقل لهم.
كما ان روسيا وجهت رسالة لاسرائيل بضرورة ضبط النفس وعدم الاعتداء على الاراضي السورية، ووجهت رسالة لداعمي الارهاب سواء تركيا أم دول الخليج بأنهم سيصطدمون مع روسيا، لانها هي التي ستقود التحالف الجاد ضد الارهاب لسحقه والقضاء عليه كاملاً!
اسرائيل قلقة جدا
لا تستطيع اسرائيل معارضة التواجد الروسي في سورية لان من حق روسيا ذلك، ولان هناك اتفاقيات موقعة بين البلدين، وهذه ليست المرة الاولى التي يتواجد فيها عسكريون روس في سورية، فقد كانوا منذ اوائل السبعينيات من القرن المنصرم. ولا تستطيع اسرائيل منع روسيا من تزويد سورية بأسلحة متطورة جدا.
تقيم اسرائيل علاقات جيدة مع روسيا، ولذلك أرادت الحفاظ عليها، وذلك من خلال طلب رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو باللقاء مع الرئيس بوتين ليشرح له “المخاوف” الاسرائيلية الأمنية. وتمت تلبية الطلب، والتقى نتنياهو وبوتين في موسكو يوم الاثنين 21/9/2015 وقدم نتنياهو طلباته التي تمثلت بالآتي:
1. ضرورة أن يكون هناك تنسيق أمني بين اسرائيل وروسيا لتفادي صدام بين القوات الجوية للطرفين.
2. ضرورة عدم تسريب السلاح الروسي المتطور الى حزب الله في لبنان.
3. عدم استخدام الجيش السوري هذه الاسلحة ضد اسرائيل.
وقد وافق بوتين على اقامة تعاون او تنسيق مشترك، وطمأن نتنياهو بان سورية غير معنية الآن بفتح جبهة عسكرية جديدة، ولكن على اسرائيل عدم الاستفزاز العسكري، ووقف اختراقها للاجواء السورية.
واضافة الى هذه المخاوف الامنية الاسرائيلية، فقد تم الحديث عن اوجه التعاون بين اسرائيل وروسيا في مجال الغاز في البحر الابيض المتوسط وغيرها من القضايا الثنائية المشتركة.
تصعيد أم انفراج
تطور الموقف الروسي الى حد التحرك فعليا على الارض السورية قد يعتبره بعضهم بأنه تصعيد عسكري من جانب روسيا، وهذا صحيح اذ انه تصعيد ضد الارهاب، اما على ارض الواقع فانه بداية مرحلة انفراج اذ ان القضاء على الارهاب هو منعطف ايجابي لصالح سورية والمنطقة والعالم. وهذا التحرك الروسي اجبر دول اوروبية، وكذلك اميركا، على بدء التراجع عن دعم الارهاب، وبالتالي الاعتراف بأخطائهم والاقرار بأن سياستهم تجاه سورية لم تكن صحيحة. واخذ قادة ومسؤولو الدول بالادلاء بتصريحات منافية لتصريحاتهم السابقة بأن الرئيس الاسد هو رئيس شرعي، ولا حل للازمة السورية من دونه.
انه تحرك ايجابي يقود الى انفراج قد يحتاج الى بعض الوقت، وهذا التحرك سيؤدي الى نزول كل الدول المعادية لسورية عن الشجرة، وادراك ان سورية عاصية على الخنوع وعاصية عن كل المؤامرات.. وهي دولة قوية، وستكون أقوى بعد سحق الارهاب كاملاً، وبدء مرحلة اعادة اعمار ما دمره الارهابيون على مدى اكثر من اربع سنوات ونصف.
التعليقات مغلقة.