الانتماء هويّة ومواطنة ووعي للذات / د. عدنان عويّد
د. عدنان عويّد ( سورية ) – الخميس 27/2/2020 م …
في المفهوم:
يُعرف الانتماء لغةً: بأنه الانتساب إلى شيء ما أو ظاهرة ما, كانتماء الفرد إلى والده أو عشيرته او طائفته أو بلده أو وطنه أو امته أو منظمته او حزبه .. الخ.
أمّا اصطلاحاً: فهو الارتباط الحقيقي، والاتصال المباشر مع أمرٍ ما أو قضية مُعيّنة تختلف طبيعتها بناءً على الطريقة التي يتعامل فيها الفرد معها.
ويعرف أيضاً بأنه التمسك، والثقة بعنصر من عناصر البيئة المحيطة بالأفراد، والمحافظة على الارتباط به وجدانياً، وفكرياً، ومعنوياً، وواقعياً, مما يدلّ على قوة الصلة التي تربط بين الفرد، والشيء الذي ينتمي له، سواءً أكان انتماؤه لوطنهِ، أو عائلتهِ، أو عمله، أو غيرهم.
أنواع الانتماء:
أولاً: الانتماء الوطني:
وهو من أهم أنواع الانتماء، على اعتبار أنه مرتبط بالوجود التاريخي والاجتماعي والنفسي والقيمي والاقتصادي والسياسي والثقافي للفرد, فبحفاظ الإنسان على انتمائه لوطنه، وأرضه وتاريخه والقيمي, يتمكن عندها من تحقيق مفهوم ومعنى الانتماء الذي يرتبط بالمواطنة، التي تعني التجسيد القانوني لكافة المبادئ والحقوق والواجبات التي يشعر بها المواطن بوجوده وكرامته داخل الدولة التي يعيش فيها، ويعتبر جزءاً من أجزاء مكوناتها الاجتماعية.
ويأتي اعتزاز الأفراد بهذا الانتماء وتعزيزه, عن طريق الالتزام والثبات والتفاعل مع احتياجات الوطن، ويتجلّى هذه التفاعل من خلال بروز الاعتزاز بالوطن والعمل على نموه وتطوره والمحبة العميقة له. والانغماس في حمايته والتضحية من أجله.
إن البداية الفعليّة لمفهوم الانتماء للوطن تأتي من ارتبط الإنسان تاريخياً في المكان والزمان الذين ينتمي إليهما:
فالارتباط الفرد بالمكان: يأتي من خلال وجوده ذاته وجسده فيه.
والارتباط بالزمن: يحدّد مدى وكميّة هذا الوجود التاريخي الذي يمتد فيه. وعلى هذا المكان يطلق اسم وطن. ويعتبر مفهوم الانتماء للوطن من المفاهيم المتوارثة التي تولد مع الإنسان، وذلك عن طريق الارتباط بوالديه وذويه والأرض التي ولد عليها وأهله وأجداده. إضافةً لهذا فهو يعتبر مفهوماً مكتسباً ينمو بشكلٍ أكبر من خلال المؤسسات المختلفة في المجتمع كالمدارس والجامعات ودور العبادة والإعلام والأسرة وغيرها من المؤسسات التي تغذي روح وقيم المواطنة. وعل هذا الأساس, تناول الأدباء والكتاب والفنانون مضامين المواطنة عن طريق كتاباتهم، والتي يهدفون بها شحن عقل ووجدان الأفراد للانتماء الفعلي للوطن والتمسك به والتضحية من أجله.
تجليات الانتماء:
لا شك ان هذا الانتماء سيظهر في الأفعال والمواقف والأعمال المختلفة التي تهدف إلى حماية هذا الوطن ورفعته وتقدمه. وتتجسد تلك المواقف والأفعال والأعمال, في العديد من السلوكيّات المختلفة الصادرة من الأفراد, بحيث تعبر عن موقف ورؤية الفرد والمجتمع تجاه ما يحدث على أرض الوطن ومجتمعه. كما يعتبر الانتماء من الاحتياجات الهامة التي تشعر الفرد بالرابط المشترك الذي يربطه بأرضه وبأبناء وطنه. وسيؤدّي هذا الشعور إلى صقل توجهاته بحيث تتحول إلى توجهات تهدف إلى خدمة الوطن والمجتمع والتفاني والتضحية من أجله، والمشاركة في إعماره التي ستشعره بقيمته الحياتيّة التي ستنمو مع الأيام والسنين،.
ومن القيم المهمة للانتماء للوطن والتي يجب العمل بها وعدم التغاضي عنها, إبراز قيمة الوحدة الوطنيّة، وتحويلها لهدف يعمل الجميع من أجل تحقيقه على أرض الواقع, والمحافظة على استمراريته، فالوحدة الوطنيّة تعتبر من المسلمات في كل الأوطان والتي من شأنها العمل على تقوية المجتمعات والمحافظة على أمنها ورخائها.
إن الانتماء للوطن بشكل عقلاني, يذيب بالضرورة كل الانتماءات الأخرى الضيقة من أسرة أو عشيرة او قبيلة أو طائفة او مذهب أو أيديولوجيا أو حزب.
الانتماء الديني:
هو من أنواع الانتماء المهمة، التي ترتبط الإنسان بدين ما من الأديان, وذلك من خلال المعرفة الشاملة، والكافية بقواعدهِ، وأحكامه، والمبادئ الخاصة بهِ, والأهم مقاصده الإنسانية والحرص على تطبيقها تطبيقاً صحيحاً وسليماً ممّا يؤدّي إلى عكس صورةٍ إيجابية عن الإنسان المتدين، وهذا ما يدعو له الإسلام على سبيل المثال لا الحصر, الذي يعتمد في جوهره على احترام حقوق كافة الناس من الديانات الأخرى، مثلما يحرِص على تطبيق التعايش، والتفاهم بين كافة مكونات المجتمع الواحد. بيد أن هذا الانتماء غالباً ما يتحول إلى تعصب, وخاصة في تفريعات الدين الواحد كالطائفة والمذهبية, وهنا تكمن كارثة الدين حيث تسعى كل طائفة أو مذهب إلى اعتبار نفسها هي الفرقة الناجية ومن حقها أن تحوز على كل شيء والوقوف بوجه الاخر المختلف واقصائه, والتعامل معه بدونيّة, خاصة إذا وصلت هذه الطائفة أو المذهب إلى السلطة, وأصبحت بيدها مقدرات الآخرين.
الانتماء الفكري أو الأيديولوجي:
هو الانتماء الذي يرتبط أو يتقيد بفكرة ما، أو أيديولوجيا ما، ويسعى الإنسان المنتمي هنا إلى إثبات مصداقية، وصحة هذه الفكرة أو الأيديولوجيا, بالاعتماد على كافة الأسباب، والعوامل، والظروف التي أدت إلى حدوثها، ومن الأمثلة على الانتماء الفكري: الانتماء إلى تيار سياسي ما، أو فلسفة ما أو مدرسة أدبية معينة. وخطورة هذا الانتماء في حالة التعصب, أنه يفقد التوجه العقلاني أيضا شأنه شأن الانتماء الطائفي او المذهبي في تعامله مع المختلف.
الانتماء الحضاري:
يشير مفهوم الانتماء الحضاري إلى انتساب الفرد لحضارة معينة بإظهار تأييده وتبعيته لها بكافة جوانبها، سواء كان ذلك ثقافياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً، ويلعب الانتماء الحضاري دوراً فعالاً في تحديد هوية الفرد والمجتمع بتأطيرهما بصورة ثقافية مستوحاة من البعد التاريخي والتوجه المستقبلي لهذه الحضارة، وبالتالي تحديد الموقف العام لهما فيها.
يعتبر الانتماء الحضاري بمثابة وسيلة فعالة تحافظ على شخصية أمة بأسرها، وتصونها من الطمس والاندثار في ظل الاختلاط غير الممنهج بين الشعوب.
الانتماء في علم النفس :
يذكر في علم النفس بأن الحاجة إلى الانتماء كانت ضرورة ملحة لإثبات ذات الانسان وارتباطه بجذوره أو القيم والمبادى التي ينتمي إليها، فالانتماء علاقة إيجابية ضرورية فيها معنى للحياة التي تحقق منفعةً مجدية للإنسان، فيصبح الإنسان راقياً إلى حد العطاء بلا حدود، فيتصف بالإيثار والتضحية، وبذلك تطغى على الأمة أعلى صور الانتماء عند أي محاولة للنيل من وجودها من قبل الخارج.
الانتماء والمواطنة والهوية:
هناك عدد من المفاهيم التي يقترن بعضها بالآخر، وبالتالي تحيل إلى بعضها وهي: الانتماء، والمواطنة، والهوية، فهي مصطلحات تكمل بعضها البعض في صقل شخصية الإنسان وتقويمها ليتمكن من مواجهة الحياة، وتأدية ما يترتب عليه من واجبات وحقوق اتجاه ما ينتمي إليه من حضارة أو وطن.
كاتب وباحث من سورية.
التعليقات مغلقة.