بين خطابين.. أرجنتيني ورسمي فلسطيني / د.فايز رشيد

 

د.فايز رشيد ( الأردن ) الثلاثاء 6/10/2015 م …

للسنة الثانية على التوالي، تنقطع الترجمة وتغطية خطاب بعض الفضائيات لكلمة رئيسة جمهورية الأرجنتين «كريستينا فرنانديز دي كيرشنر». كان ذلك في الدورة السبعين(الحالية) للجمعية العامة للأمم المتحدة . تساؤلات عدة طرحتها الرئيسة الأرجنتينية التي فجرت قنبلة فعلية، (كانت منتظرة من الرئيس محمود عباس)، إثر إزاحتها النقاب عن الكثير من التناقضات الدولية التي صدرت عن الدول الغربية عموماً ومن الولايات المتحدة بشكل خاص.

كلمة الرئیسة «كریستینا كيرشنر» وضعت النقاط على الحروف، وأثارت العديد من القضايا، أبرزها أن تلك الدول عملت نظرياً على محاربة القاعدة والإرهاب.. ليتبين فيما بعد أن الدول التي اقتحمها الإرهاب، لا تزال تعانيه وهي في طريقها إلى التفتيت مثل العراق وأفغانستان. كذلك عمدت الدول الغربية إلى دعم ما يسمى ب«الربیع العربي» كما أوصلت الإسلام المتطرف للحكم في بعض البلدان، وما زالت شعوب تلك الدول تعاني من . كما اتضح من خلال الإسلام المتطرف.والقصف على غزة يمثل قمة الكارثة التي ارتكبتها «إسرائيل» ما أدى الى وفاة الأف الفلسطینیین، بینما اهتمت هذه الدول بالصواریخ التي سقطت على «إسرائيل» ولم تؤثر أو تحدث خسائر فيها. وقالت: «نجتمع اليوم لإصدار قرار دولي حول تجریم «داعش» ومحاربتها، و«داعش» مدعومة من قبل دول معروفة أنتم تعرفونها أكثر من غیركم، وهي حلیفة لدول كبرى أعضاء في مجلس الأمن». وعندما استطردت الرئیسة الأرجنتینیة بالحدیث على هذا المنوال، تم فجأة، إلغاء ترجمة الكلمة، كما قطعت وسائل الإعلام التي كانت تقوم بنقل الجلسة مباشرة.

على صعيد الخطاب الثاني.. وهو للرئيس محمود عباس، وكان تصعيداً في اللغة لا تصعيداً في القرارات، فإعلان الرئيس الفلسطيني أن السلطة «لا يمكنها الاستمرار في التزام الاتفاقيات مع «إسرائيل» في ظل عدم التزام الأخيرة بتلك الاتفاقيات وخرقها الدائم…. هي ألفاظ كلامية لا تحمل معنى إن لم تترجم إلى قرارات فعلية واضحة وصريحة تؤكد بما لا يقبل مجالاً للشك إلغاء اتفاقيات أوسلو ووقف التنسيق الأمني مع العدو، وتأكيد حق عودة اللاجئين والوحدة الوطنية وانتهاج أسلوب المقاومة وعلى رأسها المسلحة، ووقف نهج التفاوض نهائياً مع العدو الصهيوني.

هذا هو المطلوب ، أما الكلام الاستهلاكي فهو غير مؤثر سوى للحظات قليلة، يخاطب العاطفة أكثر منه مخاطبة العقل!.

لقد أشيع في الأوساط المقربة من الرئيس عباس بأن قنبلته التي أعلن نيته عن تفجيرها في الأمم المتحدة فيها «خيارات صعبة»، لكنه في الحقيقة قدم معادلة في منتهى السهولة للكيان..

لم يخرج كلام «أبو مازن» عن إطار ما بلّغ به «الإسرائيليين»، مباشرة أو عبر رجاله، وهو ما يمكن تلمسه في ثنايا خطابه، خاصة لمن صدّق تكذيب السلطة لما قاله للكيان في السر، والدليل هو توضيح مستشار الرئيس للشؤون الدينية: «إن السلطة لا تنوي إلغاء اتفاقيات أوسلو»، (مقابلة مع جريدة الغد الأردنية – الأحد 4 أكتوبر/‏تشرين الأول الحالي)، كما تصريحات لمسؤولين صهاينة عن «أن السلطة أكدت لهم حرصها على زيادة التنسيق الأمني مع «إسرائيل» باعتباره مصلحة مشتركة بين الجانبين».

أوضح عباس أنه «ما دامت «إسرائيل» تصر على عدم الالتزام بالاتفاقيات وتحويل السلطة إلى نموذج شكلي ليس له سلطات حقيقية، فإنها لا تترك للفلسطينيين خياراً سوى التأكيد « أننا لن نكون الوحيدين الملتزمين بالاتفاقيات الموقعة». كذلك أشار، في خطوة غير محددة بزمن معين إلى أننا: «سنبدأ تنفيذ هذا الإعلان بالطرق والوسائل السلمية والقانونية»، فإما أن تكون السلطة… ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل «إسرائيل» سلطة احتلالها ومسؤولياتها الاحتلالية كافة. الرئيس كان قد هدد عشرات المرات بحل السلطة والاستقالة ووقف التنسيق الأمني مع الكيان (ويوجد قرار من المجلس المركزي الفلسطيني بذلك، اتخذه في اجتماعه ما قبل الأخير، والمفترض أن قراره ملزم للسلطة) ولم يفعل أياً منها. لذا فإن مستوى خطابه «العالي الوتيرة» بنبرته، غير قابل للتطبيق أصلاً، استناداً إلى الارتباط الوثيق لوجود السلطة، برضا العدو وفقاً لاتفاقيات أوسلو، باعتبار السلطة أحد إفرازاتها.

أيضاً، عاد الرئيس ليتحدث عن «المحكمة الجنائية الدولية»، لكنه قال إن «من يخشَ القانون الدولي والمحاكم الدولية عليه أن يكف عن ارتكاب الجرائم… لا نريد الذهاب إلى المحاكم الدولية لكن الاحتلال يجبرنا على الذهاب». ومن نافلة القول، الإشارة إلى طريقة تعاطي الكيان مع المجتمع الدولي وقراراته وبتغطية من حليفته الاستراتيجية الولايات المتحدة، وبخاصة حول جرائم الكيان، وهذا ما يجعل تهديد الرئيس بالمحكمة الدولية، خياراً «اضطرارياً»، أقل من أن يخشاه الكيان. ولم يفته بعد كل هذا التهديد أن يمد يده «للسلام العادل… أقول لجيراننا أبناء الشعب «الإسرائيلي»، إن السلام مصلحة لكم ولنا ولأجيالنا وأجيالكم القادمة جميعاً… ستجدون أن تحقيق السلام سيغدو في المتناول، وستنعمون بالأمن والأمان والسلام والاستقرار»!. كان لافتاً أن يطلب الرئيس «حماية دولية» في الأراضي المحتلة عام 67، من خلال مناشدته للجمعية العامة «بإيجاد مظلة دولية تشرف على إنهاء الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية (المبادرة التي قدمها سابقاً)، وبتوفير نظام حماية دولية للشعب الفلسطيني وفقاً للقانون الدولي. وأضاف: «نرجوكم نرجوكم نرجوكم، نحن بحاجة إلى حماية دولية».

كان من الملاحظ على خطاب عباس أنه يصوغ حقائق موضوعية بوتيرة هجومية، ولكن بدا وكأنه يعتذر عنها قبل أن ينطقها!. الأهم أنه قالها في سياق خطاب، حمل عشرات المعاني والمواقف المضادة والمناقضة لأي توجه عملي حقيقي، كما أنها خالية من أي تراجع فعلي عن نهج «أوسلو» في الاعتراف ب«إسرائيل» والتنازل لها عن فلسطين 1948، والتخلي عن الحق في المقاومة المسلحة واعتقال كل من يلجأ إلى هذا النهج من أبناء شعبنا والتمسك بالمفاوضات. قائلاً: إنه رغم كل الاعتداءات «الإسرائيلية» ومهما حدث فإن السلطة لن تلجأ أبداً للعنف!. وتحدث عن الانتهاكات «الإسرائيلية»، وعن الدوابشة وأبو خضير ثم قفز فجأة للخلف 15 عاماً للتحدث عن محمد الدرة، متجاهلاً كل جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان في غزة، وآخرها العدوان الأخير عام 2014، والذي سقط فيه ما يزيد على 2000 شهيد أكثرهم من الأطفال والنساء.. وأكثر من 6000 جريح!.

ردود الفعل الصهيونية كانت جاهزة على الخطاب: وجاء في بيان عن مكتب نتنياهو، «على عكس الفلسطينيين، تحافظ «إسرائيل» على الوضع القائم في المسجد الأقصى، وهي ملتزمة بمواصلة المحافظة عليه وفقاً للاتفاقيات الموقعة بيننا وبين الأردنيين والأوقاف»، وأضاف البيان: «نتوقع وندعو السلطة ومن يقف على رأسها إلى التصرف بمسؤولية والاستجابة لدعوة رئيس الحكومة بأن تجلس فوراً على مائدة المفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة».

من جهته، قال معلق موقع «واللا» الإلكتروني أرييه ساخاروف: «إن خطاب عباس ليس أكثر من مجرد «قنبلة صوتية»، غير ذات تأثير».

وأوضح: «إن عباس لم يتمكن من إثارة أحد من مستمعيه، حيث إنه خيب آمال شعبه، الذي كان يتوقع أن يعلن عن حل السلطة الفلسطينية، والتخلي عن اتفاقيات أوسلو، أو تقديمه الاستقالة». وفي السياق ذاته، قال المعلق في قناة التلفزة «الإسرائيلية» الثانية عراد نير: «تمخض الجبل فولد فأراً، على الرغم من أن أحداً لم يتوقع أن تصدر عن عباس مواقف قوية، إلا أنه في المقابل لم يتوقع أحد أن يكون سقف الخطاب متدنياً إلى هذا الحد». من ناحيته، سخر المعلق السياسي لصحيفة «هآرتس» براك رفيد، من خطاب عباس، قائلا : «إن عباس وضع قنبلة، لكن أحداً لا يعرف متى ستنفجر».

يبقى القول: قارنوا بالله عليكم بين الخطابين!… خطاب لممثلة شعب يعيش على أرضه وفي دولته المستقلة مرهوب الجانب، وخطاب رئيس شعب يعاني العنصرية والاحتلال والمذابح والاستيطان والاغتيالات والاعتقالات، ورفضاً مطلقاً لأي من حقوقه من قبل محتلي أرضه ومغتصبي إرادة أبنائه!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.