بدون مؤاخذة – شيوخ آخر زمن / جميل السلحوت
جميل السلحوت ( فلسطين ) الثلاثاء 6/10/2015 م …
مع بدء قصف الطّيران الرّوسي للدّواعش في سوريا، صدر بيان موقّع من 52 “عالما” –كما يسمّون أنفسهم- في دول الخليج الذي كان عربيّا دعوا فيه إلى النّفير لمحاربة الرّوس في سوريّا، نصرة للأخوة المسلمين في هذا البلد المنكوب! ومع أنّ أعداد هؤلاء “العلماء” يزداد يوميّا منذ سطعت نجومهم في فتاوي تغذية تدمير وقتل الشّعوب في سوريّا، العراق، ليبيا، اليمن، لبنان، مصر وغيرها، وفتاويهم باعادة الرّقيق والسّبي، واستباحة أعراض الماجدات المسيحيّات والأزيديّات، وجهاد النّكاح وغيرها، وهم يقومون بتغذية حروب الفتنة والقتل والدّمار، لاعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات دينيّة طائفيّة متناحرة، خدمة لمصالح أمريكا واسرائيل في المنطقة، ويجري تمويل وتدريب وتسليح الارهابيّين القتلة بمال عربيّ مسلم، وبارادة أمريكا واسرائيل المطلقة. واذا كانت الامبرياليّة العالميّة تسعى إلى تحقيق مصالحها في المنطقة من خلال “تعريب” حروبها، فإنّها الآن تحقّقها بدماء وأموال متأسلمة، تماما مثلما كان تدفع “المتأسلمين” لمواجهة الاتحاد السوفييتي بوصفها الاسلام والمسلمين بأنّهم “الجدار الواقي من خطر الشّيوعيّة” فقد تطوّرت التعبئة الاعلاميّة والمعنويّة إلى أنّ “أهل السّنّة هم الجدار الواقي من الخطر الشّيعي”! لهذا فلا غرابة أن لا يستوعب المتأسلمون الجدد مخاطر حرب المصالح والصّراعات الدّوليّة في سوريا وغيرها من المنطقة العربيّة، وما أفرزه هذا الفهم من حشد مقاتلين مسلمين من أكثر من تسعين دولة- بمن فيهم مقاتلون من أمريكا وأوروبا- للقتال في سوريّا وتدميرها وقتل وتشريد شعبها واستنزاف جيشها. وقد رصدت أجهزة الاستخبارات الغربيّة قبل بدء قصف الطّيران الروسي للدّواعش في سوريا وجود ثلاثين ألف مقاتل أجنبيّ في سوريّا، وكانت أمريكا قد أعلنت قبل ذلك عن تدريبها وتسليحها ورعايتها واحتضانها لآلاف المقاتلين من المعارضة السّوريّة، تماما مثلما أعلنت اسرائيل عن تنسيقها مع “جبهة النّصرة” وفتح مستشفياتها لعلاج جرحى المعارضة! فهل هذه أمور عفويّة؟ وهل أمريكا وحلف النّاتو واسرائيل معنيّة بنصرة الاسلام والمسلمين؟
لكن والحق يقال فإنّ دعاة النّفير لنصرة المعارضة السّوريّة تحلّوا “بالعقلانيّة والحكمة الزّائدة”! لأنّهم لم يدعوا يوما للنّفير نصرة لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشّريفين! فالأمر لا يعنيهم! تماما مثلما رأوا خطرا في المشروع النّوويّ الايرانيّ، الذي لم يصل إلى صناعة الأسلحة النّووية، لكنّهم لا يرون خطرا في الأسلحة النّوويّة الاسرائيليّة! فهل هذه المواقف عفوية؟ وهل سوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن ولبنان وغيرها بلاد كفر وشعوبها كافرة محاربتهم واجبة لاعادتهم إلى حظيرة الاسلام والمسلمين؟ وهل هذا الدّجل المتستّر بعباءة الدّين كان ليخفى على الشّعوب لو كانت متعلمة وبعيدة عن الجهل؟ وهل كانت روسيا التي تدافع عن مصالحها في المنطقة لتتدخّل عسكريّا لو أنّ الأمور اقتصرت على صراع داخليّ؟ ولماذا لم يدعُ المتأسلمون الجدد إلى النّفير للوقوف في وجه التّحالف الدّولي بقيادة أمريكا عندما بدأوا بقصفهم الجّوّيّ لسوريا قبل بضعة أشهر؟ وهل “الفتوحات المتأسلمة” لسوريا ستحمي سوريا وشعبها؟ ولمصلحة من يتمّ تفريغ سوريا ممّن تبقى من شعبها؟ وفي المحصلة من المستفيد من كلّ هذا الاحتراب الاجرامي؟ وهل يتقي الله أصحاب فتاوي”فوائد شرب بول البعير” وفقه الضراط” بشعوبهم وبأوطانهم؟ وهل تنتبه الشّعوب العربيّة إلى مستنقع الظلام والاجرام والخراب الذي توقعهم فيه بعض قياداتهم السّياسيّة والدينيّة؟
التعليقات مغلقة.