عويل الكتبة الخْونة
محمد شريف الجيوسي
تبارى عدد لا بأس به من الكتبة الهواة والمحترفين والسياسيين وأشباه السياسيين، الظاهر منهم والمتلطي، المستيقظ والنائم، الواضح والملتبس، في نفث السموم والأحقاد والضغائن والأكاذيب والمزاعم والترهات، ما يثير السخرية والإشفاق على عقول كهذه قاصرة وضمائر ناقصة. فخلال 72 ساعة من إعلان الدعم الروسي للدولة الوطنية السورية، لم يتركوا مفردة محترمة أو زعماً، أو خدعة أو وسيلة غير مشروعة، إلا استخدموها لتشويه روسيا الاتحادية ورئيسها فلادمير بوتين، وللإساءة أيضاً إلى سورية وقيادتها، ولدفع الأمة إلى مزيد من خراب.
تحرّكت ضمائرهم الميتة الضامرة، فجأة، شفقة على الشعب السوري «الأعزل المسكين المدمّر»، لأنّ روسيا ستقصف على حدّ زعمهم، أرض سورية، كأنما التحالف العسكري الأميركي بعد سنة ونيّف من القصف كان يقصف مافيات العصابات الإرهابية الأميركية فوق الأرض الأميركية، وليس الأرض السورية، وقد حقق نجاحات باهرة ضد «داعش» وأخواتها، ولم يمدّ هذه العصابات بالسلاح والتموين، ولم يترك لها فرصة للانتقال الآمن من الموصل إلى عين العرب.
وكأنما أيضاً نسّق التحالف الأميركي عملياته العسكرية مع الدولة الوطنية السورية، فيما رفض الروس التنسيق معها ودخلوا عنوة إلى سورية وليس بناء لطلب سوري رسمي، وليس بعد أن استنفد التحالف الأميركي على افتراض حسن نيته فرصته كاملة في تحقيق تقدّم يذكر، بل على العكس من ذلك، حققت داعش تقدّماً مهماً بفضل الدعم الأميركي المستتر حيناً والظاهر أحياناً.
الكتّاب الكذبة، لم يستشيطوا غضباً عندما انتهك التحالف الأميركي حرمة الأجواء السورية، ولا عندما قتلت «نيران صديقة» العديد من المدنيين السوريين، ولم ينظموا المعلقات عندما مدّت أميركا غير مرة العصابات الإرهابية بالتموين والسلاح، ولا عندما ضمّدت مستشفيات الكيان الصهيوني من أسموهم إرهابيين أو معارضين مسلحين معتدلين، ولا عندما دمّروا معالم حضارية وتاريخية ودينية إسلامية ومسيحية، ولا عندما فتحت تركيا وغيرها حدودها لانتقال العصابات الإرهابية عبرها وأمدّتها بكلّ أشكال الدعم، ولا عندما منعت أكرادها من الانتصار لأبناء جلدتهم في سورية بمواجهة «داعش» في عين العرب.
كل هذا كان مشروعاً ومطلوباً وضرورياً عند هؤلاء الكتّاب الكذبة، بل ومشروعاً أيضاً أن تفرض العواصم الاستعمارية القديمة منها والجديدة الوصاية على الشعب السوري والحصار عليه ليس اعتباراً من 15 آذار 2011، ولكن منذ أن رفض الرئيس بشار الأسد في العام 2003 تلبية الاشتراطات الـ 8 التي طلبها وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول ـ فاتخذت أميركا قرارات بمعاقبة سورية ومحاسبتها، ودعمت تحوّلات في لبنان لإضعاف حلفاء سورية فيه وخلق شرخ بينهما، وكانت مؤامرة اغتيال الرئيس رفيق الحريري خطوة على هذا الطريق.
كما لم تنبرِ هذه الأقلام لدعم دعوة روسيا لإقامة تحالف إقليمي عريض لمحاربة «داعش»، تشارك فيه إلى جانب سورية السعودية وتركيا، ولم تستنكر هذه الأقلام رفض تركيا والسعودية قيام هذا التحالف، ولا هي دعت أميركا لتنفيذ قرار مجلس الأمن تنفيذاً حقيقياً لمحاربة الإرهاب وعدم استخدامه ذريعة لإضعاف الدولتين السورية والعراقية وجيشيهما.
أما عندما تقرّر روسيا تنفيذ قرار مجلس الأمن بعد فشل التحالف الأميركي بالقضاء على «داعش» على افتراض حسن نية التحالف وليس تعمّد «الفشل»، وبعد رفض دول إقليمية غير سورية إقامة تحالف إقليمي لمحاربة «داعش»، وعندما يتضح أنّ روسيا جادّة في محاربة «داعش» وأخواتها من بنات القاعدة وغير القاعدة من إرهاب معتدل ومتطرف، يفقد هؤلاء أعصابهم، وتبدأ أقلامهم بالنواح والنباح، على نحو يثير السخرية والإشفاق على هذا المستوى المتدنّي حتى في الدفاع عن مشغّليهم، وعن أنفسهم، فمصيرهم بعد زوال الغمّة نهائياً مزابل التاريخ.
هم يعلمون حق العلم، أنّ روسيا الاتحادية لا تناور، وأنها جادّة وقادرة على دحر الإرهاب بكلّ مسمّياته وعناوينه، وتمتلك الدوافع لذلك، والمشروعية الدولية والوطنية الروسية، وأنها لا تخوض مغامرة أو مقامرة، ولم تأخذ هذا الاتجاه، إلا في ضوء قراءات معمّقة واقعية، لذلك كله هم يرتجفون.
أما التحالف الأميركي فهو غير جادّ، حيث لا يمتلك المصلحة أو الدافع لإنهاء إرهاب يستنزف المنطقة ويخلق الشروخ بين مكوّناتها الوطنية ويطيل أمد احتراباتها والخصومات مع الأمم المجاورة لها، بينما لا تتكلف أميركا والعواصم الاستعمارية الغربية الأخرى وتل أبيب قطرة دم واحدة أو دولاراً واحداً… فضلاً عن أنّ القاعدة وتفريخاتها هي في الأصل صناعات أميركية صافية، ومن هنا فالتحالف الغربي استدام العصابات الإرهابية سنة كاملة أخرى، بذريعة محاربتها، وأتاح لواشنطن بهذه الذريعة عودة غير مكلفة للمنطقة إلى حدّ ما.
عويل الكتبة ناجم عن يقينهم بقطع أرزاقهم وامتيازاتهم وحماياتهم، وانتقالهم إلى عالم الموات السريري حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً لكلّ منهم. لا عتب عليهم، هم يستعدّون الآن لتلك اللحظات الجميلة ، فلا رحمَ الله كلّ مَن خان وطنه وأمته، ولا رحم كلّ من رش سكراً على موت، كلّ مَن خدع مشغله ونافقه وسوّغ له الباطل ودفع به إلى اتخاذ قرارات خاطئة ضيّعت أوطاناً وذبحت شعباً وأمة، وزرعت فتناً وشروخاً وثارات وضغائن، لا رحم الله مَن خشي قولة حق أو ضلّل مسؤولاً أو مواطناً وهو يعلم أنه يدفع بالأمور إلى الاتجاه الخاطئ والكوارث والدماء والدمار، لا رحم الله كلّ مَن والى مستعمراً أو صهيونياً أو رجعياً.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk
عن ورقية ” البناء ” اللبنانية
التعليقات مغلقة.