أردوغان وخطورة ما يقوم به على الأمن القومي العربي / موسى عباس

موسى عباس* ( لبنان ) – الثلاثاء 3/3/2020 م …




* كاتب وباحث

موجز في تاريخ العلاقة العثمانية العربية1516-1939:
هزم الأتراك المماليك في معركة مرج دابق عام 1516 و خضعت البلاد العربية لحكمهم  لمدّة تزيد على أربعة قرون عاملوا خلالها الشعب العربي معاملة العبيد، جعلوا من البلاد إقطاعيات  قسّموها وأقطعوها لمن شاؤوا ممن يرضى عنهم سلاطين بني عثمان ، وأرغموا الناس على دفع الجزية ، كما فرضوا التجنيد الإجباري على كل من يستطيع حمل السلاح ونقلوهم إلى جبهات القتال في الشرق والغرب وقضى من جرّاء ذلك الآلاف من الشباب العربي ، كما فرضوا أعمال السُخرة على العاملين  دون أي مقابل .
وتجلّت أكبر وأشد مظاهر الظلم والطغيان والحقد العثماني ضد العرب في بلاد الشام لا سيّما بعد تولي حزب “الإتحاديين”حكم تركيا بعد انقلابهم على السلطان “عبد الحميد الثاني ” حيث أقدموا على محاولة ” تتريك العرب”  من خلال إلغاء التعامل أو التدريس باللغة العربية وغيروا أسماء المدن العربية إلى أسماء تركية.
-خلال الحرب العالمية الأولى علّقوا المشانق للأحرار من المواطنين العرب الذين طالبوا بالإستقلال وسعوا للتخلّص من نير الإستعمار ، إضافةً إلى سجن ونَفْي المئات إلى مناطق بعيدة في الوقت الذي كان جيشهم ينهب ما كان يختزنه الناس من المؤن ويصادرون الحيوانات فعمّت المجاعة في البلاد وقضى من جرّائها الآلاف لا سيّما في لبنان.
 خرجت جيوش الإمبراطوريّة العثمانيّة تجُر أذيال الهزيمة  في الحرب العالمية الأولى أمام جيوش الحلفاء أواخرعام 1918 واندحروا أذلّاء تاركين خلفهم  أعمالهم الشنيعة وحقد الشعوب والسّمعة السيئة .
في العام 1923 أصبح مصطفى كمال (أتاتورك) رئيساً للجمهورية التركية بعد الإطاحة بنظام السلطنة العثماني وحوّل تركيا إلى جمهورية علمانيّة على النمط الأوروبي ووّقع مع الحلفاء إتّفاقيّة ” لوزان ” التي بموجبها تمّ تعديل إتّفاقية “سيڤر ” وأصبح  زعيم تركيا  بدون مُنازع.
لواء الإسكندرون أراضي سوريا مُحتلّة:
 كان لواء الإسكندرون يتبع تاريخياً ولاية حلب
واعتبرته كذلك إتفاقيّة “سايكس_بيكو”1916 ضمن المنطقة الزرقاء التي تتبع للإنتداب الفرنسي بما يعني أنها جزء من أراضي سوريا.
في العام 1939 أقدمت دولة الإحتلال الفرنسي التي كانت تسيطر على الأراضي السورية منذ العام 1918  على التنازل عن المحافظة الخامسة عشرة في سوريا والتي تسمى لواء الاسكندرون لصالح تركيا مخالفةً بذلك بنود صك الإنتداب”التي كانت تنص على عدم جواز تخلي دولة الإنتداب “فرنسا” عن أي جزء من أراضي البلاد المُنتدَبَة عليها ، وكانت فرنسا تسعى من خلال ذلك إلى كسْبٌ تركيا إلى جانب الحلفاء بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية بينهم وبين إلمانيا وهذا ما لم يحدث إذ ساندت تركيا إلمانيا .
ومنذ ذلك التاريخ أصبح لواء الإسكندرون خاضعاً للإحتلال التركي تحت إسم “هتاي“، بالرغم من إستمرار الدولة السورية باعتباره أرضاً مُحتلة.
وتعتبر “إنطاكية” في لواء الإسكندرون مقر بطريركية إنطاكية وسائر المشرق للكنيسة المسيحيّة بشقّيها  البيزنطي والسرياني ،
ومنها خرج البطريرك “أغناطيوس الإنطاكي، ويوحنا فم الذهب” والمفكر ” زكي الأرسوزي والشاعر سليمان العيسى”.
 
-أردوغان : “يُمكننا أن ندخل إلى سوريّا ساعة نشاء”.
بعد إندلاع الأزمة السورية عام2011 أقدمت الدولة التركية على فتح حدودها مع سوريا أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين القادمين من مختلف أصقاع الأرض وعملت على تسليحهم وتمويلهم وجعلت أرضها مقرّا وممراً لهم ولجميع من قدّم لهم التمويل والتسليح ، ولم تكتف السلطات التركية بذلك بل اشترت من الإرهابيين ما سرقوه ونهبوه من النفط السوري ومن مصانع مدينة حلب وغير ذلك من الثروات التي سيطروا عليها.
وقد كان ل”أحمد داوود أوغلو ” الدور الأساسي مع النظام القطري والنظام السعودي في قرار تعليق عضويّة سوريا في الجامعة العربية عام 2011.
ولم يُخْفِ النظام التركي في يومٍ من الأيّام مطامعه في الشمال السوري  وكان رأس النظام حليف الصهاينة أردوغان يُردّد باستمرار  عبارة :
“يمكننا الدخول إلى سوريا في أي ليلةٍ نريد ودون سابق إنذار”.
– المطامع التركية في العراق:
تاريخياً، كانت تركيا تطمع بضم منطقة الموصل إلى أراضيها ، وعندما إحتل الأمريكيون
 وحلفاؤهم العراق في العام 2003  دعم النظام التركي التنظيمات الإرهابية التي نشأت وعلى رأسها تنظيم القاعدة .
وأرسلت جيشها واحتلت مناطق في شمال العراق وأقامت قواعد عسكرية ساعيةً لربط تلك المناطق بمناطق نفوذها في الشمال السوري بعد إندلاع الأحداث في سوريا 2011.
وكما فعلت بعد إندلاع الأحداث في سوريا أقدمت السلطات التركية على فتح حدودها مع شمال العراق أمام عبور الإرهابيين وسهّلت لهم التمويل والتسليح.
لم يكتف الرئيس التركي أردوغان بإدخال جيشه إلى الأراضي العراقية بل سعى الى مدّ نفوذه إلى محيط مدينة “الموصل ” ليزيد مساحة النفوذ والمناورة الأمر الذي هدّد بتداعيات ونتائج كارثية على أمن المنطقة والإقليم بالكامل.
وكان  “أردوغان” قد أعلن أن :
“مدينتي كركوك والموصل” كانتا تابعتين لتركيّا.
– الحلم الأردوغاني :
 كان مشروع أردوغان الكبير هو  بسط وسيطرة  تنظيم “الإخوان المسلمين” على الدول العربية في شمال أفريقيا وفي آسيا وعمل على تنفيذ هذا المشروع  عندما اندلعت ما سُمّي ثورات “الربيع العربي” وبدأ  بدعم جماعة “حزب النهضة” في تونس  فوصلوا إلى السلطة
 ولا زالوا يشكلون مركز القوّة والقرارالأساسي في .البلاد
وفي لبنان:
لم يتوانَ أردوغان عن زيارة لبنان عام 2010 وتقديم دعمه للإخوان المسلمين لا سيّما لدى زيارته لمدينة طرابلس شمال لبنان، وكان من الواضح خلال الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان منذ 17 تشرين الأوّل 2019  دور المخابرات التركية في دعم وتمويل المجموعات المناصرة للإرهاب وللتخريب .
وفي ليبيا:
وبالرغم من أنّ القذافي كان من أشدّ المرحبين بأردوغان عند حضوره القمّة العربية التي عُقدت في ليبيا  في آذار 2010 إلا أنّ مكافأته كانت من خلال تأييده  بشكل فعال للهجوم الغربي على ليبيا والذي أدى إلى إسقاطه عام 2011.
 وها هو عام 2020 يرسل قسم من جيشه ومن الإرهابيين في سوريا إلى ليبيا لمساعدة جماعة الإخوان المسلمين هناك ولسرقة النفط الليبي ولإستكمال تدمير ليبيا.
وفي مصر:
دعمت أنقره وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر ولكن سُرعان ما إنهار حكمهم بعد حوالي سنة.
ويراهن أردوغان على التوازنات الحسّاسة في كلٍّ من الجزائر وتونس والمغرب لمساعدته في محاصرة النظام المصري الذي أطاح  بحكم الإخوان المسلمين.
العلاقة التركية مع الكيان الصهيوني:
تقوم بين تركيا  والكيان الصهيوني علاقات وطيدة في جميع المجالات السياسية والإقتصاديّة والعسكريّة وهذه العلاقات تخدم مصلحة الإحتلال الصهيوني وتتعاون أجهزة الإستخبارات التركية والصهيونية  وكما  تتعاون جيوش البلدين ضد مصالح البلاد العربية وضد محور المقاومة .
في غياب رؤية قومية واضحة لدى المفكرين العرب الذين يعيشون أزمة الولاء حيال القضايا التي تمسّ بالأمن القومي العربي ومع  تعمّق الخلاف  بينهم  لا تسعى “أنقره “فقط إلى الإستفادة  إلى أقصى درجة لتثبيت مصالحها التوسعيّة فقط بل ونجح أردوغان أيضاً في ملأ الفراغ السياسي والفكري والأمني بعقيدته الإخوانية   الأمر الذي أدى ويؤدي إلى تأمين مصلحة الكيانين التركي والصهيوني وإلى المزيد  من التشرذم والإنقسام بين العرب والنتيجة الأوضح هي تسارع عمليات التطبيع من الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني.
بالرغم من كلّما تقدّم إلاّ أنّ إمبراطوريّة السلطان أردوغان لن تقوم طالما أنّ هناك من يواجههه ويُسقِط أحلامه  بقوّة  الحديد والنار كما أسقط حلم الصهاينة في السابق.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.