الإعتداءات الإسرائيلية على سوريا .. معادلات الوكيل والأصيل / المهندس ميشيل كلاغاصي
المهندس ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – السبت 7/3/2020 م …
تسع سنواتٍ للحرب على سوريا , إنهارت معها حروب الوكيل الكاذبة , وعاد المشهد إلى مربعه الأول , في حروب الأصيل الأساسية المباشرة , بعدما سقطت كافة الأقنعة , وظهر أصحاب المشروع الصهيو – أمريكي الحقيقيين صراحةً.. فأمريكا تدعم وتُهادن و”إسرائيل” تدعم وتُهاجم وتركيا تجمع كل التناقضات وتقاتل بوجهيها الأردوغاني والإرهابي ..
إن إقتراب الدولة السورية وحلفائها من تحقيق النصر الكبير في سوريا , تسبب بتضارب المصالح الإسرائيلية والتركية ومصلحة الإدارة الأمريكية حيال استمرار وجودها العسكري في سوريا , لكنهم لا زالوا يجتمعون ويبحثون ما بين الهدن والمعارك عن استمرار استنزاف دمشق وموسكو وطهران , لمنع إنهيار أركان الحرب على سوريا , وتأخير إنتصارها.
فسلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب , ترى وتراقب صمود سوريا وتنامي قدراتها وخبرات جيشها وحلفائه , ما يدفعها للجنون والصراخ ويرفع منسوب مخاوفها بما يتعلق بأمنها ووجودها , خصوصا ً في مرحلة ما بعد الحرب على سوريا , فيزداد تمسكها بجهود وخدمات التنظيمات والمجموعات الإرهابية وقوات الغزو التركي وببقاء القوات الأمريكية من جهة , وبعرقلة مسار الحل السياسي من جهةٍ أخرى , وتندفع في سباقٍ مع الزمن لتثبيت جديد إغتصابها وإحتلالها وقضمها للأراضي العربية , ولتكريس وترجمة إعتراف الإدارة الأمريكية بسيادتها على القدس والجولان وما تبقى من الضفة الغربية , لإستغلالها كمنجزات لا عودة عنها , وإعتمادها كثوابت في صفقة القرن.
على الرغم من أنها تدرك أن الأسد باقٍ , وإنتصار سوريا مسألة وقتٍ ليس إلاّ , وتدرك بأن لا مصلحة لها في خوض مواجهةٍ مباشرة مع دمشق التي لم تفتح بعد جبالها ومستودعاتها , وما زالت تحتفظ بأسرارها القديمة – الجديدة , وبإمتلاكها واحدة من أقوى منظومات الدفاع الجوي الفعّالة في المنطقة .. لذلك فضلت إعتماد استراتيجية اللسع والإختباء , والظهور والإختفاء , وشن الهجمات الغادرة والإنكفاء في لحظات .
لقد دونت يوميات الحرب على سوريا , عشرات الإعتداءات والغارات الصاروخية والجوية الإسرائيلية , وبات إحصاؤها خلال تسع سنوات يتطلب الوقت والجهد , في الوقت الذي تتعدد فيه الروايات والذرائع الإسرائيلية الواهية لتبريرعدوانها المتكرر.
وعلى المقلب الاّخر, ترى القيادة السورية أن الحرب على الإرهاب والقضاء على الأدوات والأذرع الإسرائيلية الإرهابية , لا يقل أهمية عن الرد المباشر – في هذه المرحلة – , لكنه لا يشكل قاعدة , فقد قامت وحدات الجيش العربي السوري بالرد المباشر أكثر من مرة ووفق تقديرات وحسابات القيادة السورية , وبما يؤكد قوة الردع وفق ومعادلات الإشتباك عالية السقوف التي فرضها الجيش السوري ومحور المقاومة مجتمعا ً, ناهيك عن الحكمة التي تتحلى بها القيادة السورية والتي لا تسعى لخوض معركتها الأساسية ضد الكيان الإسرائيلي بعيدا ًعن أجندتها وأولوياتها.
وعلى الرغم عشرات الإعتداءات والهجمات التي شنها العدو الإسرائيلي منذ بداية الحرب في عام 2011, ومن خلال تقييم الإنجازات والإنتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفائه , وسحقه أفرع تنظيم القاعدة في “داعش” و”جبهة النصرة” الإرهابيين ومئات المجموعات التابعة , وملاحظة المساحات الشاسعة التي حررها وطهرها من محافظات ومدن وقرى وبلدات ونقاط استراتيجية , وبات اليوم يطرق أبواب محافظة إدلب.. هي أمورٌ بمجملها تؤكد فشل العدو الإسرائيلي في تحقيق كافة أهدافه وعدوانه المتكرر , وتؤكد نجاح الجيش العربي السوري في فرض اسلوبه وعقيدته القتالية وقدرته على خوض المعارك بما يعادل ضعف مدة الحرب العالمية الثانية حتى اليوم , وإتباعه اسلوب فصل المعارك وخوضها معركة تلو الأخرى وفق أجندته وحساباته , على عكس الإسلوب والعقيدة العدوانية لجيش الإحتلال الإسرائيلي الذي يفضل الحروب السريعة , ويعجز عن الصمود ويبدأ أداؤه بالتراجع والتقهقر خلال فترة قصيرة قد لا تتجاوز الـ /10/ أيام الأولى للحرب , ولنا خير مثال في حرب تموز 2006 , حيث علا صراخ وإستغاثة قادة العدو , وسارعوا للمطالبة بوقف إطلاق النار عبر شركائهم وأصدقائهم في مجلس الأمن الدولي.
إن الخبرة والمقدرة القتالية الإسرائيلية المهزوزة , لم يعد بالإمكان مقارنتها بتلك الخبرات المتنامية التي راكمها الجيش العربي السوري وحلفائه , من خلال المعارك طويلة الأمد , متنوعة الأسلحة والأساليب وعلى مختلف التضاريس الجغرافية , ناهيك عن تلك التي خاضوها في أصعب الظروف المناخية , شتاءا ًوصيفا ًعلى الرغم من الثلوج والأمطار والبرد الشديد والضباب , وفي الحر الشديد وهبوب الرياح والعواصف الرملية , ناهيك عن حرب المدن والشوارع والأزقة , بالتأكيد باتت هذه المشاهد بحد ذاتها تشكل مصدر خوفٍ يدب الرعب في قلوب قادة العدو وساسته قبل أن يطال جنوده ومرتزقته , وباتت تشكل أيضا ً عامل ردعٍ إضافي , ويحسب لها ألف حساب.
إن نظرية التفوق العسكري الإسرائيلي , والأسلحة والتكنولوجيا المتطورة التي تقدمها لها أهم مصانع السلاح حول العالم , لم تعد مصدر تفوقها , فقد استطاع محور المقاومة جسر الهوة , عبر حصول سوريا والمقاومة على أهم صنوف السلاح النوعي المتطور عبر مصانع السلاح الإيراني , والروسي , ناهيك عن المدرسة السورية الصاعدة عبر خبرات العقول السورية التي قد تفاجئ العالم .
إن إعتماد العدو الإسرائيلي على ثقته بقوات سلاحه الجوي , بدأ يفقد بريقه منذ حرب تموز , وقد تواجه القوات الإسرائيلية في أي هجومٍ قادم صفعة قاسية , وصواريخا ً بالستية وصواريخ دقيقة مزودة برؤوس حربية شديدة الإنفجار , بما يكفي لزرع الرعب وخلق التوازن الدفاعي والهجومي .
ومع الوجود العسكري الروسي في سوريا , وعلى الرغم من العلاقات الروسية – الإسرائيلية , فإن مهمة قادة الكيان الإسرائيلي في الحفاظ على النمط العدواني والشبق التوسعي , تبدو مستحيلة , خصوصا ً أن موسكو لن تسمح بإنزلاق الصراع نحو حربٍ شاملة , مع حرصها على فرض الإستقرار في المنطقة , بما يفرض على قادة الكيان سلوكا ً مختلفا ً, تتوقف معه الإستفزازات الإسرائيلية وعدوانها المتكرر, الذي لطالما لجأت إليه لحماية التنظيمات والمجاميع الإرهابية , ولحماية قوات الغزو التركي كما حصل مؤخرا ً, واستعجالها لإكتشاف القدرات السورية , وتوقيت زجها لطائرات الـ SOU- 35 و منظومة الـ S – 300 في المعارك الحالية أو القادمة .
وعلى قادة الكيان الغاصب مراقبة البيان العسكري للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية والذي أعلن عن إغلاق المجال الجوي السوري وتعامله مع أي هدف يتم إكتشافه وفور دخوله الأجواء السورية .. ولم يعد بمقدور ساسة الكيان تصدير مشاكلهم الداخلية , أو الإنتخابية , أو التذرع بوجود المقاومة أو القوات الإيرانية , على الأراضي السورية , فالتدخل غير المحسوب سيجعل الكيان يدفع الثمن غاليا ً.
ويبقى التواجد الروسي والإيراني على الأراضي السورية تواجد شرعي , وبطلب من الدولة السورية , لمساعدتها في محاربة الإرهاب الدولي الذي يقاتل بالوكالة لخدمة مشروع الهيمنة الأمريكية والأطماع الإسرائيلية , ولن تخرج هذه القوات جراء استفزاز أو إعتداء أو عدوانٍ إسرائيلي , لا بل على العكس , سيساهم في تعزيز قدرات سوريا , بما يجعل “إسرائيل” عاجزة أكثر فأكثر على استخدام قواتها البرية والبحرية والجوية لشن أي عدوان مستقبلا ًعلى سوريا.
التعليقات مغلقة.