ذبل الحزن يا صهيب / جهاد المحيسن
جهاد المحيسن ( السبت ) 17/1/2015 م …
قليل من الذوق يا عمر، ما بالك تطرق الباب كمدينين؟!
بالأبيض كفناك، وعيناي جفت دمعتهما. حملوك جثة تشتعل في كفنها قوة الحياة. لكن كان القاهر أكبر، إنه الموت الذي يجيء دوما باردا يا ابن أخي، فما باله في ليالي الشتاء الحزينة يذوي القلب ويزجج الروح التي ملت الوداعات الأخيرة وصقيع القلب الذي غطاه، ونبضه الشحيح يطرق عتبات العمر كدائن يغفو على عتبات الأبواب التي ودعت أحبتنا مبكرا.
في الصقيع وطرقات الطفيلة المثقلة بالثلج وليلها الطويل الذي ينتظر صباحك الذي غاب يبن الستة وعشرين صقيعا، كشفت وجهك ونحن نضعك في لحدك الأخير يا صهيب، وكعريس نائم في خدره والعين نصف مغمضة سبّلوها وبقيت نصف مغمضة، وتنظر إليّ. وأقسم بالله أنها كانت عيون ضاحكة. نزلت دمعة هربت وراء جموع الدافنين، ألملم ما بقي من جروح. ولففت شماغي أخفي دموعي خوفا على صلابتي الكاذبة، وعلى رجولة الموقف في المصابات الجلل. كم نحن سخفاء عندما نمثل! كم نحن كومبارس رديء في مسرح عبث الحياة يا صهيب!
أعترف الآن أني حزين، وأعترف أني جبان أمام الموت والحياة، وجبان أكثر أمام الفرح المسروق. قالوا فلان مثكول، وأقسم أني لم أرَ مثلك يا ابن أخي. ودعتكم أمكم وأنتم صبية صغار مبكرا، وغطى الحزن قلبك وقلب أخواتك الثكلى فيك وفي أبيك قبل أربعين يوما بالتمام والكمال، أي ما أقسى وجعك وآه ما أقسى وجع سهى وتماضر التي سميتها تيمنا بالخنساء. ما ألعن تلك الساعة التي استحضرت فيها حزن الخنساء عليكم.
طويل العماد رفيع النجاد.. كثير الرماد إذا ما شتى
دفناك بعيدا عن قبور الأحبة، بعيدا عن قبر أمك وأبيك الذي ما تزال عيونه خضراء في لحده. والأربعون لها قصة نخشى ذكرها حتى لا نحسب على الروافض كما يقول شذاذ الآفاق وسدنة الجحيم. ولكني لن أخجل من ترديد قول الحلاج الذي يصح فيك وعنك: أنا ومن أهوى أنا روحان حللنا بدنا. وأقول: أنا أنا ومن فقدت أنا روحان فقدا جسدا.
أربعون يوما وأخي في فراش موته لا تغفى عيناه إلا إذا أمسك براحة يدك، فتبقى قابضا على حبه حتى يصحو من نومه.
أنا حزين. دموعي جفت في مدامعها وأنا أكتب. أوجعتني يا صهيب وجعا شديدا. يا الله، يكفيني حزنا، يكفيني فقدا، يكفيني قلبا تصدعت في جنباته القسوة. يا الله، أخشى أن أرى بنات أخي الثكلى.
لم تطق إلا أن تلحق بقافلة الموت مبكرا؛ حج إلى الله وإلى أبيك وأمك وجدك وجدتك، وعرّج على قلبي.
أنا حزين حزين حزين.. يا أجمل الشباب.
التعليقات مغلقة.