نضال المرأة ومكانتها في الحراك الجماهيري في العالم العربي / فؤاد الكنجي

فواد الكنجي ( الأحد ) 8/3/2020  م …




لم يمهد ليوم العالمي للمرأة إلا حينما انطلقت الشرارة الأولى لمسيرة الاحتجاجية لنساء العاملات في 8 آذار بمدينة (نيويورك – الأمريكية) عام 1857 والتي تعتبر أولى المسيرات في تاريخ نضال المرأة العالمي؛ رغم إن المرأة مهدت لهذه التظاهرات منذ 1820 والسنوات اللاحقة بالاحتجاجات لقسوة ظروف عملهن.

وقد توسعت لاحقا مطالب ومناهج المرأة وتم بلورتها إلى قوانين وحقوق تنصف المرأة  من خلال زخم احتجاجاتها ومظاهراتها الميدانية في عشرينيات القرن الماضي اثر تنامي المد الفكري للإيديولوجيات الراديكالية في المدن الصناعية الكبرى التي كانت تهضم حقوق العمال، الأمر الذي مهد إلى توسيع نطاق الاحتجاجات العمالية في العالم؛ وكان للنساء موقعا مهما فيها؛ مما دعا بالنسوة إلى عقد مؤتمرات لنساء العاملات وقررن الاحتفال في 8 آذار كيوم عالمي للمرأة؛ تخليدا لمظاهرات النساء في (نيويورك)؛ لحين إن أقرت الأمم المتحدة في عام 1975 باعتبار هذا اليوم هو عيدا رسميا للمرأة يقام سنويا في كل مدن العالم؛ لتأكيد على حقوق المرأة ونضالها من اجل تكريس الأمن والسلم العالمي والمساواة والعدالة الاجتماعية .

وهكذا توحدت رؤية النسوة في كل إنحاء العالم؛ بغض النظر عن ما يفصل بينهما جغرافية الحدود.. والاختلافات العرقية.. والدينية.. والقومية.. واللغوية.. والثقافية؛ مجسدين هدفهم النضالي من أجل حقوقهن.. والمساواة والسلام.. والعدالة.. والتنمية.. لمستقبل مشرق للبشرية جمعاء، وهذا النضال للمرأة أتاح لها إن توسع نطاق تحررها بالمطالبة بإجراءات إصلاحية في المنظومة الاجتماعية.. والسياسية.. والاقتصادية،  فدعت إلى حرية المرأة؛ بما يحررها من منظومة الحياة المعطلة والمعرقلة لحقوقها لأخذ دورها الايجابي في ممارسة شؤون حياتها بما يواكب تطلعات الشعوب الحرة في استقلال قراراتها.. وضمان حقوقها الاجتماعية.. والثقافية..  والسياسية.. والاقتصادية.. بعيدا عن التسلط والتبعية؛ التي كانت تمارسها الشركات الاحتكارية والمجتمع الرأسمالي والطبقات الارستقراطية  ضدها؛ سواء في تشريعات العمل أو الأجور أو التعين أو وفي قوانين الأحوال المدنية، لذلك دأبت المرأة بمواصلة نضالها التحرري بتطلعاتها الثورية رافضة الظلم والجور وكل أنواع العنف والتميز؛ وقد تمكنت بجدارة واستحقاق مواجهة تحديات ورفضها كل ما لا تريده؛ ومواجه عنف الأخر بكلمة (لا)، لان المرأة اليوم ليست إنسانة الأمس وخاصة المرأة الشرقية العربية التي ظلت تعاني – ولزمن ليس بالقصير – من العنف المنزلي والمجتمعي؛ لحين إن أصبحت المرأة الشرقية العربية بفعل نضالها وكفاحها وما قدمته من تضحيات؛ تقاسم أخوها الرجل محن النضال والمقاومة الوطنية، اثر خضوع منطقتنا لايدولوجيا إسلامية متطرفة، فاستشهدت وجرحت وأسرت لتأخذ المرأة الشرقية العربية قسطا كبيرا من معانات المجتمع؛ باعتبارها مثلت نصف المجتمع،  وهذه التضحيات وما قدمته المرأة الشرقية من المقاومة.. والكفاح.. والنضال.. مهد لها أن تبدي رأيها بما يجري حولها بكل جرأة.. وصراحة.. وتحدي.. رفضت التهميش والإقصاء من المشهد المجتمعي السائد في أواطننا؛ لتفرض وجودها في صناعة القرار.. والعمل.. والتخطيط.. لرسم مستقبل أجيال القادمة ووضع إستراتيجية لبناء المجتمع بناءا سليما؛ وهي لقادرة لفعل ذلك؛ بكونها الأم الأمينة لتربية أجيال الوطن؛ جيلا بعد جيل .

فالإسهامات العظيمة التي تقدمها المرأة في طريق النضال من أجل مجتمع سليم؛ يعيد لها مكانتها المشرفة بغض النظر عن اللون.. والجنس.. واللغة ..و الدين.. والقومية.. والرأي، لأننا أبناء وطن واحد – نساء ورجال – نضالنا واحد.. وهدفنا واحد.. وعدونا واحد.. نرفض أي تجريد للمرأة من آدميتها وتهميشها؛ فكلنا أحرار ونعمل من اجل المساواة في الحقوق والكرامة الإنسانية، ولتحقيق هذه الأهداف الإنسانية السامية لابد من التضامن المجتمعي والتكاتف للقضاء على الأعراف والتقاليد البالية المجحفة بحقوق المرأة والإنسان بصورة عامة؛ ويجب التخلص من الموروث السلبي؛ والتشبث بما هو ايجابي؛ لان حقوق الإنسان يجب إن تؤخذ بإنسانة الإنسانية الشاملة الغير المجزئة في كل مكان وزمان؛ لأننا بشر؛ ما يؤلمني يؤلم الأخر؛ وهكذا كل أفعالنا وممارساتنا اليومية؛ لنضح حد للتميز والعنف وخاصة بما عانته المرأة من العنف الأسري والمجتمعي، وإلزاما علينا إن نفضح الممارسات الخاطئة وسياسة تكمم الأفواه الحرة وخاصة للنساء وتحريرهن من الخضوع والتبعية؛ أي كانت شكلها؛ ثقافية كانت أو دينية أو قانونية أو سياسية، فلا تميز مع صوت الحرية، والمرأة هي الحرية، والمجتمع بلا حريتها مريض يعاني اغترابه .

فالمرأة دون إن تتصدر مشهد الوطن؛ فان ذلك الوطن – لا محال – سيكون متعب بهويته، ولكي نبحث عن هذه الهوية؛ لابد إن نعيد للمرأة مكانتها في هذا المشهد؛ لكي يعود الوطن حرا مستقلا زاهرا متقدما، فكل بلدان العالم الحر ما كان لها إن تصل إلى ما وصلت إلية من تقدم وتحضر دون إن تتصدر المرأة المشهد السياسي.. والاجتماعي.. والثقافي.. والاقتصادي.. والتربوي.. والعلمي.. والصحي.. والزراعي.. والصناعي.. والتجاري.. لهذه المكانة، وللانجازات التاريخية التي حققتها وقدمتها المرأة؛ وتقديرا واحترام لمكانتها؛ حددت المجتمعات البشرية في كل أرجاء العالم يوما سنويا يحتفل بها،  وهنا لابد من إيضاح بان المرأة ما كان لها إن تحتل هذه المكانة المرموقة في كل مدن العالم الحر؛ ما لم تباشر هي بذاتها بتحرير وجودها من خلال مواصلة السعي لتحصيل العلمي والمعرفي والثقافي والتربوي من خلال تطوير قدراتها بما يؤهلها للوصول إلى المراكز العلمية والثقافية المتقدمة؛ وبما يؤهلها للوصول إلى مصادر القرار ومشاركتها الفعلية بتشريع القوانين التي تنصف المرأة والإنسان بصورة عامة .

ومن هنا نقول بان المسؤولية تاريخية الملقى على عاتق المرأة  يكمن بذاتها لتغيير واقعها وفرض وجودها المتوازن والمنشود في الحياة؛  والانخراط ميدانيا في تشكيل الرأي العام في كل مواقع القرار؛ سياسيا.. واجتماعيا.. واقتصاديا.. وان وصول المرأة إلى هذه المكانة لم يأتي إلا عبر طريق النضال والكفاح الدؤوب.. والمستمر.. والمتواصل..  واجهته بكثير من التحديات والتضحيات، وهو مسير الذي تيقنت المرأة الشرقية بان لا حرية بدون إن تواجه تحديات بكل شجاعة.. وكفاح.. ونضال.. لتحقيق تطلعاتها في الحرية.. والمساواة.. والعدالة.. في ظل واقع تتفشى فيه ظواهر الإيديولوجيات المتطرفة في عموم منطقتنا الشرقية والعربية خاصة، والتي كانت اغلبها إيديولوجيات إسلامية متطرفة أرادت لها حجرها بين جدران الأربع وان ينزل عليها حاجب البرقع والحجاب والقفازين؛ ويعاد بها كسبية من سبايا العصور البائدة؛ فمنعها من التعليم والاختلاط أو الاعتماد على ذاتها في العمل.. والتعليم.. والتسوق.. والتبضع.. وإقامة علاقات اجتماعية وأسرية سليمة.. إلا وفق ضوابط صارمة؛ ما جعلها مغلولة بغلال العبودية والاستعباد، وقد لاحظنا صورا مأسوية  لهذه الوقائع في مناطق التي تم احتلالها من قبل الدولة الإسلامية (الداعشية)؛ أو التي ساد فيها التيارات الدينية المتطرفة والمتشددة؛ وبما ساد في منطقتنا من تنامي الفكر السلفي والتشيعي المتطرف الذي قوقع حرية المرأة وسلب إرادتها وحريتها إلى ابعد حدود .

ومن هنا فان المرأة العربية باعتبارها من أوائل الداعيات والداعمات لحركات التحرر نساء العالم؛ وشاركن وأسسن حركات داعمة لحقوقهن في منطقتنا؛ وتمكن من حصول على حقوقهن عبر مسيرة كفاح ونضال وطني تصدرن المشهد؛ ليقفن في طليعة الحركات المجتمعية كقوة فاعلة في مواجه النظم الفاشية والتيارات الدينية الشوفينية التي تحاول تهميشها وإقصائها من المشهد الوطني والسياسي والاجتماعي؛ واستطعن عبر حركات نسوة عظيمة مواجهة القوى الغاشمة؛ وطالبن بالمساواة بما يضمن لهن الاحترام.. والحرية.. والكرامة.. والعدالة الاجتماعية، لتضع بصماتها بواقعية ملموسة مع تطلعات أبناء أمتها في الدفاع عن سيادة الوطنية.. والحرية.. والعدالة.. والمساواة.. ضد القوى الرجعية والعملاء، لتشارك المرأة العربية مشاركة فعلية؛ بل وتتصدر مشهد التظاهرات والاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التي تجتاح في اغلب المدن العربية بعد عام 2003؛ المطالبة بالتغيير وإصلاح المنظومة السياسية.. والاجتماعية.. والاقتصادية؛ عبر منابر الحرية.. والديمقراطية.. وسيادة القانون.. وحرية التعبير.. والعدالة الاجتماعية.. والمساواة.. والتآخي المشترك بين كافة مكونات المجتمع.. دون تمييز بسبب العرق.. والجنس.. والدين.. والمذهب.. القومية، ليكون أنخرط المرأة في الانتفاضات الجماهيرية التي تجتاح المدن العربية متميزا بالدور الذي تقوده بكل مظاهرها ومجالاتها ووسائلها وأشكالها سواء عبر اتحادات النساء أو اتحادات الطلبة أو النقابات؛ لتكون جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل تشاركه ميدانيا في مسيرات الانتفاضة؛ لتوجه مع ما يواجهه شباب وطنها من صدامات واستهداف من قبل القوى العميلة والرجعية المعادية لتطلعات الشعب في الحرية والاستقلال،  ولهذا فان نزعة الأمومة في أعماقها هو ما جعلها إن تكون مسعفة للعلاج السريع لجرحى الانتفاضات الجماهيرية التي تجتاح المدن العربية؛ ميدانيا،  فضلا عن دورها في تعبئة الجماهير وطنيا وتحمل تضحيات وأعباء وضغوط الحياة؛ حيث تعرضن إلى القتل.. والقمع.. والاختطاف.. والتعذيب.. والضرب، كما  تعرض الرجل، وتحملت كل ذلك من اجل استمرارية الانتفاضات الجماهيرية وصمودها لحين تحقيق أهداف الجماهير المطالبة بالتغيير والإصلاح والحرية والاستقلال؛ لتضع المرأة الشرقية بصمات حية وملموسة على ارض الواقع دفاعا عن سيادة الوطن واستقلاله وكرامة الإنسان، وهذا الدور الذي لعبته وتلعبه المرأة في المجتمع ونضالها الذي جله يأتي من أجل حرية الإنسان.. والوطن.. والعدالة الاجتماعية.. والمساواة.. وعدم التميز.. والخير العام، وهذا ما يجعلها مؤهلة لأخذ مكانتها المناسبة في مواقع السلطة باعتبارها نصف المجتمع، فلابد إن نتطلع بان تأخذ المرأة نصف مقاعد السلطة في كل بلدان منطقتنا العربية والشرقية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن المجتمعي والمساواة خدمة للمجتمع، ولهذا فلا مناص عن دور وأهمية المرأة في الانخراط المباشر في العمل السياسي والحراك الجماهيري، والمشاركة الفاعلة في التعبير الحر وإبداء الرأي العام؛ خدمة لمجتمعها ومن اجل بناء منظومة متكاملة من القيم الإنسانية التي تجند لخدمة الإنسان والوطن؛ سياسيا.. واجتماعيا.. واقتصادية، لتكون مكافئة المرأة مكافئة متوازنة مع مكافئة كل المناضلين والأحرار والإبطال الذين يواصلون العمل (ليل – نهار) خدمة لأوطانهم وشعوبهم الثائرة والمناضلة والمكافحة، لان ما أبدته المرأة طوال الحقبة الماضية في مسيرة العدالة الاجتماعية.. والحرية.. والمساواة.. بنطاقها الأممي؛ ما يجعل مواقفها الإنسانية يسجل في التاريخ بمداد من الذهب لتبقى صفحاته مشرقة تفيض بمعاني المجد والسمو والتضحية والعطاء .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.