القرارات الغائبة عن خلية الأزمة في الأردن / ماهر أبو طير

ماهر ابو طير ( الأردن ) – الأربعاء 25/3/2020 م …



نحن أمام حالة حرب، لكنها ناعمة، بلا صواريخ أو طائرات، وربما أخطر، لكنها بلا صوت أو ضجيج، لكن لها ضحاياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وسنخرج منها، بإذن الله، إذا نجحنا في احتواء الوباء، حتى تعود الحياة الى طبيعتها، وهذا أمر غير ممكن إذا لم يساعد الكل، بعضهم بعضا، وإلا فالنتائج صعبة جدا.

لا يراد بث الذعر في قلوب الناس، لكن هناك جوانب بحاجة الى معالجة، فمثلا عشرات آلاف العائلات الأردنية اليوم بلا مال؛ إذ تأتيها حوالات من الخارج، والمصارف ومحلات الصرافين مغلقة، وقد يكون التحويل من الخارج أيضا مستحيلا، فوق الإغلاقات عندنا، ومع هؤلاء عشرات آلاف الطلبة الأردنيين في الخارج بحاجة الى تحويل مصروفهم من الأردن، أو رسومهم، وهذه قضية بحاجة الى حل جذري، حتى لا ندخل مرحلة أصعب مما نحن فيه، وأيضا مئات الآلاف من العرب والأجانب هنا، الذين بانتظار حوالات من الخارج، أو الذين يحولون لعائلاتهم في بلادهم، كونهم يعملون هنا، فشبكة تدفق المال، تضررت جدا.

مئات آلاف الأردنيين يواجهون ظرفا قاسيا، فهم يعيشون من العمل اليومي، من المزارعين، مرورا بسائقي سيارات الأجرة، والعمال، والعمالة المحترفة والصناعيين، ومعهم أيضا نصف مليون شقيق مصري، بلا دخل، وأكثر من مليون شقيق سوري، وكل هؤلاء تضرروا، ويواجهون ظرفا صعبا، ومعهم جنسيات آسيوية، تعمل في مهن الزراعة، والمهن المساعدة، أو مهن البناء، أو الورش الصناعية، ولا يمكن أن نعتبرهم غير موجودين.

أصحاب المحلات التجارية وعددها بعشرات الآلاف تعرضوا لخسائر مالية، بسبب تلف السلع من ألبان، وخضار وفواكه، وهذه سلع كلها تلفت في المحلات المغلقة، ومعهم أيضا مربو الأبقار الذين سكبوا ربما إنتاج الحليب في أي مكان، فلا أحد يشتريه، ولا أحد يستفيد منه، ومعهم قطاع المزارعين المتضرر أساسا من العاصفة الأخيرة التي دمرت عشرات آلاف البيوت الزراعية، وهذا يعني أن سعر الخضار والفواكه في طريقه الى الارتفاع بشكل كبير جدا.

القطاعان التجاري والصناعي، وأمام الإغلاقات، يواجهان خسائر مالية، فكيف سيحتفظ بالموظفين، وهل سيدفع لهم رواتب شهر آذار، أو نيسان، أم سيتم الاستغناء عن أعداد كبيرة، أو منحهم إجازات بلا راتب، أو نصف رواتب، وكيف سيتدبر الناس أمورهم في هذه الظروف، التي يمكن وصفها بالحرب الناعمة، وكيف سيطالب أصحاب العقارات بإيجارات محلات مغلقة، وأين القرار الرسمي، بشطب الإيجارات، عن شهري آذار ونيسان، للتخفيف من الخسائر، ومع هؤلاء قطاع المدارس فكيف ستدفع المدارس الرواتب للمعلمين والإداريين وهي مغلقة، وأولياء الأمور لم يكملوا رسوم أبنائهم، وهذا حال قد ينطبق بعد قليل على بعض الجامعات؟

مع ما سبق المهددات لوضع الخزينة، التي باتت بلا موارد مالية حاليا، فلا ضرائب بنزين، بسبب عدم الاستهلاك، ولا ضرائب عادية، ولا ضريبة مبيعات، ولا دفع أموال للبلديات، وهذا يعني أن الموازنة التي تعتمد في 66 بالمائة على الضرائب، لم تعد قائمة، وبحاجة الى حل جذري، وقيمة الرواتب للعاملين والمتقاعدين شهريا تتجاوز أكثر من نصف مليار دينار، فمن أين ستأتي الخزينة بالمال، وكيف ستدفع رواتب نيسان، ثم أقساط القروض للجهات الداخلية والخارجية، وهذا ملف خطير يربك الحكومة من دون إعلان حتى الآن، والحلول المتاحة تبدو أكثر ثقلا، سواء اللجوء الى الاحتياطات، أو الضمان الاجتماعي، لأن كل حل ليس متوفرا بسهولة، وله كلفته الكبيرة جدا، على الاستقرار العام للخزينة.

حين تصير القصة قصة كيلوغرام من الخبز، وعلبة سجائر، تتحول إلى مهزلة كبرى؛ إذ على الرغم من أهمية الخبز والسجائر، إلا أن المشهد أكثر تعقيدا من الحصول على الخبز والسجائر، فنحن أمام عالم جديد وأمام أردن جديد في 2020، والفرق بين الإشارة الى تداعيات هذه الأزمة من أجل الاستعداد لها، أو تحطيم الروح المعنوية، بسيط جدا، لكننا لا نتقصد مس الروح المعنوية، بل التنبيه للتداعيات المقبلة على الطريق على مستوى الأفراد والمؤسسات، فنحن أمام حرب تترك أثرا حادا، قد لا يشعر بها كل الناس حاليا، لكنهم سيشعرون بها قريبا، وبشكل تدريجي، خصوصا اذا بقي المشهد كما هو.

هذا يفرض على الناس نمطا جديدا، أقله تغيير طرق الأنفاق، التكافل الاجتماعي، التخفيف من النفقات، ومساعدة من هو محتاج من جانب المقتدر، إضافة الى ضرورة اتخاذ الدولة إجراءات لتخفيف الكلفة، بدلا من تمددها على كل القطاعات، بما في ذلك المؤسسات والشركات التي لها حوالات معلقة مثلا، أو العائلات التي تنتظر مالا من الخارج، ومن دون هذه الإجراءات تصير كلفة الحرب كبيرة جدا على كل الناس، وهذه حالة ليست أردنية بل عالمية.

دول العالم تخسر عشرات المليارات يوميا، وسعر النفط يتهاوى، وكأن عالما جديدا يولد من هذا العالم، وهذا الكلام لا يراد منه التنفير، بل أن تجد الجهات الرسمية حلولا استباقية، ولعل أبرز الحلول المطلوبة شعبيا، المساعدة على احتواء الوباء، حتى تعود الحياة الى طبيعتها، بدلا من استمرار حالة حظر التجول، مثلما لا بد أن يفهم الكل أن الخسارة ليست فردية، فكل واحد فينا ستصله حصته من هذا الحال.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.