المفكر العربي السوري الدكتور بهجت سليمان يجيب على تساؤل أحد الأصدقاء حول القضية الفلسطينية

موضوع عن فلسطين - موضوع

د. بهجت سليمان ( سورية ) – الخميس 26/3/2020 م …




 كتب لي أحد الأصدقاء :

     أحدهم سألني هذا السؤال : ورغم أنني أجبته بأكثر من صيغة جواب ، لكنه لم يقتنع ، ولا أخفيك سراً أنه قد استفاض بتقديم حججه الى درجة انه كاد أن يلخمني ، حيث قال :

( يا أخي طالما ان أصحاب القضيه قد تخلوا عنها ، بل وأكثر من ذلك ، حاربوا داعميهم لنصرتها ، لماذا لايكون هناك تكتيكات سياسيه او مهادنات من قبل ايران وسوريه في ظل الحصار الخانق عليهما، بحيث لايموت الديب ولايفنى الغنم.؟

      وتابع : ألم يقبل لينين بعد انطلاق الثوره البلشفيه ، بعقد هدنة مع ألمانيا تخلى بموجبها عن مساحات شاسعه من الأرض ، مقابل عدم احتلال الكل؟ ثم عادت الثوره وانتصرت لاحقا؟ )

لو تم توجيه السؤال لكم، بماذا تجيبون ؟

      ●  فأجبته بما يلي :

1▪ ليس سراً ياصديقي ، بأن هناك تياراً عريضاً في سورية يؤمن بما قاله لك ذلك ال( أحدهم ) .. وهذا التيار ليس جديداً ، بل هو موجودٌ منذ اغتصاب فلسطين وقيام ” إسرائيل ” عام 1948 – 1947.

2▪ ورغم حجم هذا التيار ” الواقعي !! ” الذي لا يستهان به .. فإنه يبقى في سورية ، أصغر حجماً وأقلّ أهميةً مما هو عليه في معظم – إن لم يكن – في جميع البلدان العربية ..

     وذلك رغم اتساع انتشار هذا التيار في سورية ، بعد الحرب الكونية الإرهابية عليها عام 2011 ، وبعد وقوف النظام العربي الرسمي وجامعته ” العربية !! ” مع المعسكر الصهيو – أطلسي في عدوانه على سورية .

3▪ ولكي نبدأ بمقاربة الأمر مقاربةً صحيحة ، تصل بنا إلى نتائج صحيحة.. نحتاج إلى الانطلاق من مقدمات سليمة ، لا خاطئة..

     ذلك أن البدء بالقول أن ( أصحاب القضية الفلسطينية قد تخلوا عنها ) هو مقدمة خاطئة تريد الوصول بنا إلى التسليم بما تريده ” إسرائيل ” والإستسلام لها .. كما فعل أقطاب كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة..

     وجوهر الأمر هو أننا في هذا الشرق العربي وفي بلاد الشام ، نحن جميعاً ( أصحاب القضية الحقيقيون ) ..

     كيف ؟ ولماذا ؟

4▪ ليس فقط لأن فلسطين هي جزء عضوي من سورية الطبيعية .. وليس فقط لأن فلسطين هي جنوب سورية ..

     بل لأن أهداف الحركة الصهيونية التي لا تخبئها هي ( حدودك يا إسرائيل ، من الفرات إلى النيل ) وهي بعد أن قامت باغتصاب فلسطين ، تعمل لتحقيق ” إسرائيل العظمى ” في المنطقة ، بمعنى العمل لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية على منطقتنا ، من خلال اتفاقات ومعاهدات رسمية ..

     تمهيداً للنقلة الكبرى لديها مستقبلاً ، خلال عقود قليلة ، وهي الانتقال إلى ” إسرائيل الكبرى ” التي تضم جغرافية فلسطين وسورية والأردن ولبنان ونصف العراق وسيناء.

5▪ وفلسطين التي اغتصبها الغرب البريطاني / الفرنسي ، وسَلّمها لليهود ليحوّلوها إلى ” إسرائيل ” هي القاعدة العسكرية والسياسية ، المناط بها العمل للانتقال من ” إسرائيل ” الحالية ، إلى ” إسرائيل العظمى ” وصولاً إلى ” إسرائيل الكبرى ” .

6▪ وهذا ما يوضح بأن المخطط الصهيوني العالمي ، لن يتوقف عند العمل على اغتصاب أرض فلسطين وحدها ، بل يعمل وسيستمر في العمل لاغتصاب كامل جغرافية هذا الشرق العربي ، وتحويل أبنائه إلى عبيدٍ و أقنانٍ وخَدَمٍ وحَشَمٍ له ، مهمتهم الأولى والأهم هي خدمة ” شعب الله المختار!!! “

7▪ ولذلك فإن أي استخفاف أو تهاون أو تَراخٍ في مواجهة هذا المخطط الجهنمي ، يعني فتح الطريق له للإسراع في تجسيد ذاته على أرض الواقع ..

     و من أخطر الأسلحة التي يستعين بها الصهيوني وداعموه ، هو :

        ○  تعميم مقولة ( بغداد تكفيني ) للخليفة العباسي الأخير ..

        ○  وأن على كل دولة عربية ( أن تقلع شوكها بيدها )

        ○  وأن ( كل دولة عربية يجب ان تكون أولاً.. ومن بعدها الطوفان )

        ○  وأن ( أصحاب القضية باعوا أرضهم وباعوا قضيتهم ) ..

8▪ علماً أن أصحاب القضية المقصودة ، لم يبيعوا أرضهم ولم يبيعوا قضيتهم ، بل حرى ويجري تسويق و تعميم مثل هذه المقولات المسمومة ، لكي يتم استخدامها جسراً وسُلَّماً وتُكَأَةً وسِتارةً ، لبيع الأرض والعرض والقضية والوطن العربي بكامله من أقصاه إلى أقصاه ، وتسليمه ” بالضبة والمفتاح ” ل ” إسرائيل ” و ل ” العم سام الأمريكي ” ..

     وبالمناسبة ، فإن في طليعة من باعوا بعض الأراضي الفلسطينية في الماضي ، كانت عائلات لبنانية وسورية معروفة ” لسنا الآن في صدد ذكرها ”

     و حتى لو كانت السلطة الفلسطينية الرسمية ، هي الممثل الرسمي للفلسطينيين ، فإن تلك السلطة ليست هي صاحبة القضية المخولة بالتفريط بها

     بل صاحب القضية الحقيقي ، هو الذي لا يفرط بقضيته ولا يتنازل عنها ولا يبيعها ولا يؤجرها ولا يتخلى عنها ..

     وصاحب القضية الحقيقي هو الذي يدافع عنها ، ويستعد للتضحية بالغالي والأغلى ، للحفاظ عليها .

     و مهما كانت الظروف الحالية ، العربية والاقليمية والدولية ، لا تسعف اصحاب القضية ، في هزيمة المشروع الصهيوني الأستعماري العنصري الإستيطاني .

     فإن المهم ، بل الأكثر أهميةً في الأمر هو العمل بما قاله القائد الخالد حافظ الأسد ، بأننا إذا كنا لا نستطيع الآن تحقيق النصر ، فإننا نستطيع أن لا نصاب بالهزيمة ، عبر عدم القيام ب ( توريث الأجيال اللاحقة ، هزيمةً ممهورة بالصكوك ) ..

     وأن نقف بقوة وعزيمة وثبات مع أسد بلاد الشام ( الأسد بشار ) الذي شكل بصموده الأسطوري خلال العقدين الماضيين ، جدارا استناديا صلبا ، منع ويمنع تحقيق المشروع الصهيوني في تمزيق الأمة العربية.

9▪ وأمّا القول ب ( ألم يقبل لينين بعد انطلاق الثوره البلشفيه ، بعقد هدنة مع ألمانيا تخلى بموجبها عن مساحات شاسعة من الأرض ، مقابل عدم احتلال الكل ) ؟!

     فهو قول يحتاج إلى توقف وتأنٍ .. قبل ضرب المثل به..

ذلك أن صلح ( بريست – ليتوفسك ) الذي عقده لينين عام 1918 مع الألمان..

     قام العرب بما هو أكثر منه بكثير مع ” إسرائيل ” وعرضوا التنازل ، في ما كان يسمى ” مبادرة عبد الله بن عبد العزيز ” ثم بات قرار قمة عربية ، عن ( 78 % ) من أرض فلسطين التاريخية ل” إسرائيل ” ، والقبول ب( 22 % ) فقط من الأرض الفلسطينية..

     ومع ذلك لم تهتم ” إسرائيل ” بذلك العرض ، ورمته في سلة المهملات ، رغم أن النظام العربي الرسمي لا زال متمسكاً به .

     لماذا ؟ لأن ” إسرائيل ” تقضم و تهضم .. ثم تقضم وتهضم مجدداً .. ثم تقضم وتهضم من جديد ، إلى أن تأتي على الجسد العربي كله .. وفقاً لرؤاها و خططها وبرامجها وحساباتها .

10▪ وأخيراً ، وليس آخراً : إن الصراع مع ” إسرائيل ” ، ليس ( نزاعاً ولا صراعاً فلسطينياً – إسرائيلياً ) بل هو ( صراعٌ عربيٌ – إسرائيلي ) مصيريٌ وجوديٌ ، مهما طال الزمن ومهما اشتدت المحن.

ومن تَزِلُّ أقدامُهُ من رأس الجبل ، سوف يستمر بالانحدار والتهاوي والسقوط إلى أن يصل إلى قعر الوادي ، ليصبح فريسةً سهلةً للذئاب الشاردة وللكلاب المسعورة ..

     و نحن في سورية الأسد ، قررنا أن نبقى شامخين في رأس الجبل لا ننثني لأحد ، ولا ننحني إلا لله عز وجل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.