روسيا وسورية والمحور الشرقي / غالب قنديل

 

غالب قنديل ( لبنان ) الأحد 11/10/2015 م …

قام الرئيس فلاديمير بوتين بحركة استراتيجية واسعة مهدت الطريق إلى مبادرته في سورية بالاشتراك مع الرئيس بشار الأسد وهذه الحركة اظهرت ارتكازه إلى محاور وتكتلات تجعل من خطوته المدروسة والمعدة بإتقان سياسي وعسكري نقطة جذب مركزية ومحورية لبلورة القوة العالمية المناهضة للإرهاب وللهيمنة في آن معا .

أولا الشراكة الروسية الصينية

في جميع الخطوات والقرارات الروسية المتعلقة بسورية ومنذ العام 2011 كانت الصين شريكا وظهيرا للقيادة الروسية وتبلور ذلك منذ الفيتو المزدوج في مجلس الأمن الدولي كما هو حاضر في الخطوات العسكرية الروسية الأخيرة على الشواطيء السورية حيث رست بارجة حربية صينية وما يزال حاضرا منذ سنوات في دعم صيني يعتد به للدولة الوطنية السورية خصوصا على الصعيد الاقتصادي.

الشراكة مع الصين تعززها حاجة الصين الملحة للقضاء على جماعات التكفير والإرهاب الصينية التي استقدمت إلى سورية بتسهيلات تركية صريحة ومعلنة وحيث يدور الحديث عن آلاف المتطرفين الإيغوريين الذين يقاتلون مع داعش وجبهة النصرة وسواهما من فصائل التطرف التي تمثل واقعيا خطرا مرتدا إلى العمق الصيني بالتدبير الأميركي.

أهمية الصين تكمن في ثقلها النوعي على صعيد الموارد الاقتصادية وعلى المستوى السياسي كقوة عظمى صاعدة وهي حاضرة كذلك بمنطق تشبيك المصالح الذي أتقنه الرئيس الأسد منذ العام 2000 ضمن استراتيجية التوجه شرقا وقد بات معلوما ان الصين تحجز لنفسها موقعا مهما وكبيرا في ورشة إعادة بناء سورية بعد الحرب وثمة مشاريع مرسومة على الخرائط وخبراء صينيون يتواجدون على الأرض مع رفاقهم الروس والايرانيين والسوريين بالمقابل كانت العلاقة السوفياتية الصينية في زمن الحرب الأفغانية تجتاز حالة شائكة وصعبة أبعد ما تكون عن الشراكة الحالية بين موسكو وبكين.

ثانيا مجموعة الدول المستقلة

وضع الرئيس فلاديمير بوتين في قمة دوشنبيه عاصمة طاجيكستان خطوط الحركة الاستراتيجية في سورية من زاوية مصالح مجموعة الدول المستقلة في وسط آسيا التي تواجه خطر ارتداد الإرهاب كما روسيا والصين وخاطب قادة هذه الدول بمنطق المصالح السياسية والأمنية المشتركة وهي جميعا مهددة بتدخلات وضغوط اميركية تستهدف اوضاعها الداخلية وحيث يمثل الإرهاب التكفيري إحدى أدوات التدخل والابتزاز التي تستعملها الولايات المتحدة ضد خصومها منذ الثمانينيات من القرن الماضي وهذه الدول الحليفة لروسيا موجودة معها في المعركة ضد الإرهاب وفي الصراع المفتوح لتصحيح التوازن العالمي وتحرير العلاقات الدولية من قبضة الولايات المتحدة ومن الواضح ان الرئيس الروسي أنجز تعبئة جيرانه وشركائه ووضعهم في حالة استعداد للانخراط إلى جانب روسيا في حال قضت ظروف الصراع بذلك وبالتالي فكتلة الدول الداعمة للتدخل الروسي هي : بيلاروسيا – أرمينيا– طاجيكستان – قرغيزستان إضافة إلى كازاخستان وتقف هذه الدول بجهدها الأمني والعسكري إلى جانب روسيا انطلاقا من اطروحة بوتين في دوشنبيه التي عرض فيها طبيعة المبادرة الروسية .

ثالثا التكتل الإقليمي الشريك والبيئة المتجاوبة

شكلت رسالة الصواريخ الروسية من بحر قزوين إشهارا لحقيقة الشراكة الآسيوية مع روسيا في الحرب على الإرهاب انطلاقا من سورية والعراق وكانت الرسالة الأقوى في المسار الجغرافي للصواريخ التي استهدفت معاقل الإرهاب في سورية وعبرت اجواء إيران والعراق وسورية وجاء ذلك بعد التمهيد للمبادرة العسكرية الروسية بالإعلان عن غرفة عمليات رباعية تضم سورية وإيران وروسيا والعراق وبعدما كشف السيد حسن نصرالله عن مشاورات استغرقت شهورا بين هذه الدول الأربعة وتناولت تنسيق الجهود في مقاومة الإرهاب على مساحة المنطقة والعالم وبالتالي تتحرك روسيا في بيئة إقليمية مساندة وتنشط في مجال حيوي صديق ومرحب خلافا لما كانت عليه حال السوفييت في أفغانستان حيث أحكمت الولايات المتحدة والسعودية تعبئة سائر دول العالم الإسلامي ضد التدخل السوفياتي في أفغانستان.

اليوم وبالنسبة لسورية يمكن القول ان فلاديمير بوتين ضمن المساندة المصرية والجزائرية والحياد الإماراتي الكويتي والأردني القابل للتحول نحو المساندة والتعاون وكذلك غض النظر الباكستاني المبني على تفاعل وتأثير الصين وإيران وهو مفتوح على التطور نحو التعاون لمحاصرة خطر الإرهاب الأفغاني كلما اقترب موعد الانسحاب الأميركي الأطلسي من أفغانستان .

رابعا معركة العالم الجديد

أدخل الرئيس بوتين المبادرة الروسية في سورية ضمن منطقه المنسجم في التعامل مع الواقع الدولي عبر السعي إلى وضع جديد ومتوازن وهو قدم خطواته المتخذة في سورية ضمن إطار الشرعية الدولية بالاستناد إلى طلب رسمي من السلطات الدستورية الشرعية وعبر نقض المنطق العدواني الأميركي الذي تحركه دوافع الهيمنة والسيطرة الاستعمارية .

إنها جولة فاصلة من مخاض العالم الجديد الذي يتطلع إليه بوتين مع حلفاء وشركاء روسيا في مجموعة البريكس ومنظمة شانغهاي الذين سبق واتخذوا مجتمعين ومنفردين مواقف داعمة للدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وتابعوا فصول المبادرات والمحاولات السياسية التي خربها الحلف الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة وبالتالي فالمعركة التي تخوضها روسيا إلى جانب الشعب والجيش السوريين وبالتحالف مع هذه الكتلة المتعاظمة من الدول والشعوب هي معركة عالمية تتخذ صفة القضية المحكمة غير القابلة للنقض وحيث تؤكد خبرة العالم المعاصر مع ارتداد الإرهاب التكفيري محفزا لتصاعد استقطاب المواقف الداعمة لتحالف عالمي تقوده روسيا وإيران وسورية والعراق يقدم للبشرية نموذجا متفوقا في طريق القضاء على الوحش الذي انتجته الولايات المتحدة والمملكة السعودية قبل اربعين عاما.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.