بين الوطني والقومي.. وإدراك حقيقة الكيان / د. فايز رشيد
د. فايز رشيد ( الأردن ) الأحد 11/10/2015 م …
” .. إن مجابهة هذا العدو تقتضي استثنائية قصوى من المعنيين في استعادة حقوقهم الوطنية وهم الشعب العربي الفلسطيني في الأساس، بمساندة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.. باعتبار الأخيرة العمق القومي للنضال الوطني الفلسطيني، وهي المتضررة أيضا بطريق مباشر أو غير مباشر من وجود وإقامة دولة هذا العدو، الذي ( وكما قلنا في بداية المقالة) لا تقتصر اخطاره على الفلسطينيين وحدهم”
المتابع لردود الفعل العربية على ما يجري في فلسطين المحتلة … ينذهل لمدى اللا توازن بين حجم الجرائم والاعتداءات الوحشية وردود الفعل العربية، المقتصرة على بيانات استنكار رسمي، وشعبي، وأحزاب وطنية – تقدمية،إسلامية، وطنية ـ قومية ويسارية!. نود التأكيد على حقائق الصراع مع العدو الصهيوني: إن الصهيونية وتمثيلها الكياني، ليسا خطرا على الفلسطينيين فحسب، وإنما على الدولة العربية الحديثة، وعلى الأمة العربية من المحيط إلى الخليج!. الحقيقة الثانية: أن أية قضية وطنية مرهونة في أحد أسباب انتصاراتها، بمدى تلاحمها مع بعدها القومي، وبالمقابل تلاحمه معها، والانتصار لها ولو بأضعف الإيمان!. كتبنا في مقالة سابقة في الوطن بعنوان “الفاشية.. الأقصى.. والمطلوب فلسطينيا وعربيا”…أذكر أنني قلت فيها ما معناه: “يكفينا إدانات للكيان، هذه التي قال عنها رابين يوما: “إنها لا تساوي الحبر الذي تكتب به”!. الحقيقة الثالثة: إن الكثير من سياسيينا فلسطينيين وعربا لا يدركون حقيقة الكيان كتمثيل عملي للصهيونية! لا يعرفونها أو يتجاهلونها، ذلك لتعليق شماعات تقصيرهم نحو القضية المركزية للأمة العربية بأسرها.. القضية الفلسطينية. في كلتا الحالتين من المفيد التذكير بها ولو قليلا وبما يسمح به حجم مقالة صحفية!
الصهيونية هي أكبر حزب منظم في التاريخ، وهرتزل وفي خطابه في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 وعد الحاضرين بإقامة الدولة اليهودية بعد خمسين عاماً، وبالفعل، ما كاد نصف قرن يمضي على وعده، حتى قامت الدولة الصهيونية، مما يشي أن جهدا كبيرا قد تم بذله من أجل إقامة هذه الدولة، وأن دقة كبيرة ميزت تحضيرات إقامتها. من جانب آخر، فإن إسرائيل تختلف عن أي استعمار آخر، فهي نموذج منفرد في التاريخ ـ اذا استثنينا حالة الولايات المتحدة الأميركية!ـ فولادتها قائمة على اقتلاع شعب آخر وتهجيره والإحلال محله، واغتصاب أرضه وإقامة دولة تستقبل المهاجرين اليهود من كل بقاع العالم على أرضها المغتصبة، بالتالي فإسرائيل استعمار اقتلاعي للفلسطينيين، إحلالي لليهود، إضافة إلى بناء دولة نووية تمتلك من الأسلحة بما يفوق كل ما تمتلكه الدول العربية مجتمعة من حيث القدرة “وليس العدد”. وهي محكومة بهاجس أمنها أولاً وأخيراً، وتخوض حروبها الاستباقية بما تسميه حروبا “وقائية” وفق مبدأ “نقل المعركة إلى أرض العدو”، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي حظيت وما زالت تحظى برعاية مطلقة من الدول الاستعمارية الكبرى قديما وحديثا، فبعد بريطانيا وفرنسا وغيرهما، هي أقرب ما تكون إلى إحدى الولايات الأميركية منها إلى دولة وحيدة قائمة، وهذا ما عكسه كل رؤساء الإدارات الاميركية منذ إنشاء الكيان الصهيوني حتى اللحظة.
إن رأس كل إدارة أميركية يؤكد في كل خطاباته: أنه أكثر إسرائيلية من القادة الإسرائيليين أنفسهم! بما يذكر بما قالته المستشارة الألمانية ميركل في إحدى زيارتها إلى الكيان، وبما قاله رئيس وزراء إيطاليا بيرلسكوني يوما في مقالة له في صحيفة يديعوت أحرونوت 6 ، يونيو/حزيران 2008، من “أن ميلاد إسرائيل.. هو ميلاد لنا جميعا” وبما قاله وزير الخارجية الألماني شتاينماير بأن “صداقة إسرائيل هي هدية سماوية لنا”، وبما قاله غير هؤلاء من أقوال تعكس الدعم الغربي لإسرائيل.
وبالتالي، فنحن أمام عدو استثنائي في إقامة دولته، وفي نمطيته، وفي عدوانيته المستمرة على الفلسطينيين والعرب وعلى كل ما هو إنساني، وفي استمرارية وجوده، لذا فإن مجابهة هذا العدو تقتضي استثنائية قصوى من المعنيين في استعادة حقوقهم الوطنية وهم الشعب العربي الفلسطيني في الأساس، بمساندة الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج.. باعتبارالأخيرة العمق القومي للنضال الوطني الفلسطيني، وهي المتضررة أيضا بطريق مباشر أو غير مباشر من وجود وإقامة دولة هذا العدو، الذي (وكما قلنا في بداية المقالة) لا تقتصر اخطاره على الفلسطينيين وحدهم وإنما على الأمة العربية بأسرها، فمنذ إنشائها حتى اليوم تسعى إسرائيل للهيمنة على مقدرات هذه الأمة والسيطرة عليها، إن لم يكن ذلك عن طريق الاحتلال المباشر، فبالهيمنة الاقتصادية ومن خلال الوجود الإسرائيلي نفسه، الذي كان أيضا مصلحة استعمارية، تمثل بفصل الوجود العربي في آسيا عنه في إفريقيا من خلال إنشاء قوة عميلة للاستعمار ومعادية لشعوب المنطقة، بما يضرب أية توجهات وطنية وحدوية مستقبلية بين دول المنطقة، أو أية صيغ مختلفة للقاء بين هذه الدول، سياسية كانت أم اقتصادية.
وبالتالي، فإن مجابهة هذه العدو تقتضي نضالا فلسطينيا بالدرجة الأولى بالتلاحم مع النضال القومي العربي ثانيا وأيضا فإن تسمية الصراع العربي – الصهيوني، بالصراع أو النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، هو ابتعاد عن جوهر الصراع وعدم إدراك مفتعل للمخاطر الصهيونية الإسرائيلية.. هذه هي القضية الأولى.
القضية الثانية في إدراك طبيعة العدو الصهيوني، تتمثل في استحالة جنوح اسرائيل (وفق المعطيات السابقة والراهنة والمتعلق بأهداف إنشاء الكيان ومجمل ممارساته) للسلام، فثلاث تجارب “سلامية” معها في أوسلو، وكامب ديفيد ووادي عربة كفيلة باعطاء الاستنتاج اللازم لكيفية النظرة الإسرائيلية، للسلام مع العرب والفلسطينيين.
القضية الثالثة لزومية معرفة طبيعة العدو من أجل مجابهته .. وضرورة اطلاق الاستراتيجية الفلسطينية والأخرى العربية من أجل المجابهة، المتوائمة بالطبع مع إدراك عناصر الاستراتيجية الصهيونية ذاتها، ولكن للأسف فإن خللا ما كبيرا يفصل ما بين الاستراتيجيتين، إسرائيل ورغم كل المبادرات العربية لما يسمى بـ “السلام”، ما زالت تصر على أن الشروط التي تحاول فرضها من خلال سياسة الأمر الواقع، والعالم العربي لا يزال مصراً على السلام معها، وبذلك يمكن ادراك الفارق الهائل بين الاستراتيجيتين.
القضية الرابعة الضرورية لعملية المجابهة، هي في تجاوز الخلل القائم في المعادلة الحتمية ب ين الوطني والقومي، فالخصوصية الفلسطينية ومع أهمية التركيز عليها، لكنها لا تلغي الدور القومي العربي في المجابهة. للأسف، فإن النظرة إلى الواقع القائم فلسطينيا وعربيا… تشي بالمسافة البعيدة القائمة بين ما هو مفترض وبين عناصر الواقع في مجابهة الفلسطينيين والعرب للعدو الإسرائيلي. فما دامت أسس المجابهة وفي آلياتها ومضامينها العادية هي مسألة غير قائمة، فكيف بتلك الاستثنائية في عملية المواجهة؟ سؤال نطرحه على كل المعنيين.
نتمنى تطوير الإدانات الرسمية والشعبية والحزبية العربية إلى شكل أكبر من الإدانات، إن التحريض ضد العرب في الكيان… يأتي رغم إصرار العدو الصهيوني على الدول العربية، التي وقعت معاهدات ما يسمى بالسلام معه علي تغيير مناهجها الدراسية فينا يتعلق بالنظرة إلى إسرائيل كعدو! بينما رياض الاطفال الصهيونية والمدارس والجامعات والمدارس الدينية والكنس تحرص على تعليم طلابها .. ليس العداء للعرب فقط وإنما التعاليم التوراتية العنصرية التي ترى فيهم تعابين وصراصير، بالتالي لا بد من قتلهم لأن العربي الجيد هو العربي الميت!. التحريض ضد العرب لا يأتي من جهات هامشية في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وإنما من صلب المؤسسة الحاكمة. هذه المؤسسة التي ترى في المذلبح والإرهاب ضج الفلسطينيين، على أنها وسائل من أدواتها القمعية المشروعة. لذا، نادرة هي الحالات التي يتم فيها تقديم مجرمين يهود للمحاكمة وإن حوكموا يتم الإفراج عنهم بعد يوم واحد من صدور الحكم على أحدهم، وغالبا ما كانت الجرائم التي يرتكبها مستوطنون معروفون تسجل ضد مجهول. أو يجري الادعاء بأن مرتكبيها معتلون نفسيا! بالتالي لا تجوز محاكمتهم! وإن مكثوا في السجن فإن مكوثهم في (فندق السبعة نجوم) لا يطول سوى لأيام. من قبل والآن يجري إحراق البيوتُ والمساجدُ والحقولُ في الضفة الغربية، ولكن المذنبين لم يتم اعتقالهم. كما لم تحدث عمليات وقائية لمنع هذه الجرائم في ظل نجاح الأجهزة الأمنية الصهيونية الإسرائيلية في ملاحقة كل المقاومين الفلسطينيين.
نتمنى تطوير الإدانات العربية، الرسمية منها والشعبية والحزبية للكيان، كما التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى ما هو أكبر من بيانات الاستنكار لجرائمهم والتأييد النظري لمقاومة شعبنا الباسلة.
التعليقات مغلقة.