أين خطّة الحكومة الأردنية الاقتصادية والمالية / د. مروان الزعبي

د. مروان الزعبي* ( الأردن ) – الجمعة 3/4/2020 م …




الحكومات حول العالم تعيش حالة تخبّط لم يسبق لها مثيل بسبب فيروس كورونا، وفي الجانب الاقتصادي، لا يوجد حل للمشاكل الاقتصادية بدون تدخّل هذه الحكومات من خلال برامج قوية وشفافة. الأردن قام بواجباته بشكل رائع في مجال مكافحة المرض ولقد كان لعنصر السرعة والدقة في وضع وتنفيذ الاجراءات الأثر البالغ في السيطرة على انتشار الفيروس، تُشكر وزارة الصحة ممثلة بوزيرها وكوادرها على الأداء المتميّز والانساني والراقي وألاجهزة الامنية على الجهود والاعمال الجبارة التي تقوم بها والبنك المركزي على ما قام به من اجراءات نقدية مميزة.

أما في الجانب الاقتصادي، فتأخرت الحكومة في وضع خطّة متماسكة تتصدّر فيها المشهد كما فعلت وزارة الصحة. الحكومة تُدرك أن هكذا خطّة تتطلّب الكثير من المال وهو ما جعلها تتردد، وكما يُقال في الأزمات فإن آخر ما يجب التفكير فيه في جلب المال هو الادارة المالية. وأقول ذلك لأن الوضع لا يتحمّل الانتظار لأن الحكومة تأخّرت كثيراً، باستثناء بعض الاجراءات الفردية.

أما على المستوى النقدي، فلقد كان البنك المركزي في مستوى الحدث واتّخذ العديد من الاجراءات التي من شأنها تهدئة القطاع المصرفي وضمان استمراريته.

أما السؤال المطروح الآن: ماذا على الحكومة أن تفعل ومن أين تأتي بالمال؟

ويجب أن نؤكد بأن معالجة الأزمات الكبيرة يقع على كاهل الحكومة وتضافر جهود بقية مكونات المجتمع سواءً الأهلية منها أو ما يتعلّق بقطاع الأعمال، لكن على الحكومة أن تقود المرحلة مهما كلّف الأمر لأن كلفة غيابها أكبر بكثير من كلفة حضورها. على ماذا يجب أن تُركز الحكومة ممثّلة بوزارة المالية؟

1- يجب تخصيص مبلغ من المال لا يقل عن مليار دينار كموازنة لحزمة الاجراءات الاقتصادية  للمساهمة بتحفيز الطلب الكلي.

2- تحديد أولويات الانفاق ويأتي في مُقدّمتها خدمات الرعاية الصحية وشبكة الامان الاجتماعي ومساعدة عمّال المياومة الذين انقطعت بهم السُبُل وخدمات البنية التحتية (ماء وكهرباء وغيرها)، وانتاج وتوفير السلع الاستهلاكية ومساعدة الافراد الذين فقدوا وظائفهم. وفي جانب الايرادات، تاجيل دفع الضرائب لبعض القطاعات المتضررة.

3- معالجة أي نزيف يحصل في الاسواق المالية، وفي حالة الأردن تم وقف التداول في سوق عمّان المالي، وهذا الاجراء له وعليه لكنه مقبول.

4- مساعدة شركات ومؤسسات  الأعمال الصغيرة والكبيرة من خلال وسائل مالية واضحة.

5- مساعدة الجهاز المصرفي من خلال اجراءات نقدية واضحة وحصيفة.

البنك المركزي اتخذ اجراءات هامة وواضحة مثل تخفيض اسعار الفائدة وتخفيض متطلبات الاحتياطي النقدي وتخصيص 500 مليون دينار للمشاريع الصغيرة وتسهيلات بخصوص الشيكات المرتجعة، لكنه يستطيع اتخاذ المزيد من الاجراءات التي لا ترتّب عليه كلفة، فلا زالت أسعار الفائدة مرتفعة ولا حاجة لذلك حيث يستطيع تخفيضها بأكثر من من 100 نقطة أساس وستبقى أعلى من أسعار فائدة الدولار الامريكي. وهذا الاجراء سيخفض كلفة الاقتراض على البنوك وسيشكل عنصر ضغط عليها لتخفيض أسعار الفائدة لديها، وهو اجراء ضروري لزيادة الطلب الكلي. كذلك لا زالت نسبة الاحتياطي النقدي مرتفعة (5%) ويمكن تخفيضها الى 2%، فهذه الاحتياطيات وجدت لهذه الغاية وهذا الاجراء سيوفر أكثر من (2) مليار دينار للبنوك على شكل سيولة نقدية ويساهم ايضا في تحفيز الطلب الكلي. كذلك يمكن تخفيض متطلبات كفاية رأس المال خاصة وان البنوك تحتفظ بمستويات مرتفعة تصل الى18% في المتوسط.

وهنا لا بد من الاشارة أن مثل هذه الأزمات تعتبر أكبرمن أي بنك مركزي لأنها تصبح مشكلة حكومة. البنك المركزي يستطيع اتخاذ المزيد من الاجراءات لكنه يحتاج الى تمويل من الحكومة ومن هذه الاجراءات ما يلي:

1- تفعيل اتفاقيات اعادة الشراء لأجل يوم وأسبوع و6 أشهر من خلال شراء أوراق حكومية من البنوك بهدف توفير سيولة يومية كلما دعت الحاجة.

2- شراء سندات صادرة عن الشركات الكبرى لتقديم التمويل متوسط الاجل وشراء أوراق تجارية Commercial Papers بهدف توفير السيولة على أن تقوم هذه الشركات بإصدار مثل هذه الاوراق بشرط أن تحافظ هذه الشركات على موظفيها وأن تتوقف عن توزيع المكافآت على الادارة العُليا وعن توزيع الأرباح.

3- شراء قروض المستهلكين من البنوك مثل قروض السيارات والبطاقات الائتمانية وقروض الطلاب وقروض الرهن العقاري وغيرها.

هذه اجراءات تحتاج الى تمويل من الحكومة، ولكن من أين للحكومة أن تأتي بالمال؟

والاجابة انه في هذا الظرف الطارئ يمكن للحكومة الاردنية أن تصدر سندات طويلة الأجل بقيمة 500 مليون تُباع لمؤسسة الضمان الاجتماعي و 500 مليون تُباع للبنك المركزي وبسعر فائدة منخفض 1% مثلا، على أن يُخصص جزء من هذا المبلغ للبنك المركزي والباقي لتمويل النفقات الوارد ذكرها أعلاه. قد يقول البعض ان هذا الاجراء سيضيف للدين العام الذي زاد عن 30 مليار دينار والرد على ذلك هو انقاذ الاردن واقتصادها لان الاردن اهم من كل شيء! ومن لديه حلا سحريا فلياتي به.

  • خبير مالي واقتصادي

جامعة الزيتونة الاردنية

[email protected]

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.