تساؤلات يثيرها فيروس / ربا زيدان




ربا زيدان ( الأردن ) – السبت 4/4/2020 م …

تستعد صديقتي القاطنة في مدريد لمهاتفتي عبر “زووم”، متلهّفة لوضع القليل من مساحيق التجميل وارتداء “ثياب لائقة” كما وصفتها في رسالة الكترونية أرسلتها لي قبل أيام تقول فيها أنها تشتاق أن تتأنق وأن تشعر بـ “إنسانيتها” بعد أن لزمت منزلها وحيدةً لأكثرمن 21 يوماً متتالياَ منذ أن بدأ وباء كورونا يفتك بالإسبان بعد أن اقترب عدد الوفيات أكثر من إحدى عشر ألفاً يتركز معظمهم في العاصمة.

ويهاتفني صديق من دبي يبثّ شكواه عبر الأثير من وحدة إجبارية فرضها عليه النظام العالمي الجديد والذي حبس طفليه خلف البحار بعد تعطلّ خطوط الطيران، وجعل مناجاته لهم افتراضيةً بالكامل.

وإذ أغذ الخطى نحو محلّ الخضروات المجاور لمنزلي إثر إعلان حظر التجول الجزئي، الذي فرضته الحكومة الأردنية على مواطنيها بعد أن وصلت أعداد المصابين المعلن عنها لأكثر من 300 إصابة وبات الآلاف في عزل صحي، أتساءل عمّا ستغدو عليه الحياة في الأسابيع والأشهر القادمة، وتعنّ في بالي، مجموعة من أسئلة يستثيرها كائن مجهري، وضعنا أمام أنفسنا على حين غرّة.

عصر ما بعد الكورونا
هل ينجح فيروس ضئيل في أن يجعل عالمنا أكثر إنسانية، وهل كنا بحاجة لهذا القدر من الموت ليدرك كل منا قيمة الآخر في عالم لا تتوقف فيه عجلة الإنتاج المادي عن الدوران؟

هل كنا بحاجة لكلّ بياض الأكفان التي رأينا وكلّ التوابيت التي لم يكن في وداعها أحد، لنخففّ من لهاثنا وراء غير الضروري وأن ننصت مرّة لصوت الطبيعة تخبرنا عبر جرثومة أننا مجرد عابرو طريق وأن الكون أوسع من وجودنا الذي نعدّه حتمياً…

هل آن الأوان لربما لندرك أننا سواء؟ هل يمكن للأوروبي الآن أن يقدّر العلماء من آسيا؟ وهل تغدو المسافات أقصر ما بين سكان أمريكا اللاتينية وافريقيا؟ أنترفعّ بشراَ أينما كنّا عن انتماءاتنا الاقليمية الضيقة وحدود تعاطفنا الذي يختبر عند أول معبر؟

هل مازال من المجدي بعد اليوم، وضع قيود على حرية التنقل والتعامل بمزاجية مع إصدار التأشيرات،؟ هل يميزّ الفيروس بين عرق أو اانتماء سياسي؟ يخترق الكورونا الحواجز ويوزّع العدوى دون استئذان.

هب أنّنا نجونا، وسننجو.. هل يمكن لنا بعد هذه الهزّة مثلاَ أن نعدّل من مفهامينا للربّ وللدّين؟ كائن جهري واحد، ضئيل ومتخفّ انتصر في أيام على شعائر الأديان حول العالم وعطّل دون أن يكترث مظاهر عدّها البعض روح الإيمان وجوهره، والحقّ المبين.

هل تستجيب الدول بعد النّجاة ، لصوت المنطق الذي اختبر في أقصى الظروف وأن تحّول ميزانياتها من الإنفاق المسعور على الأسلحة إلى الاستثمار في البحث العلمي و تمكين الفئات الأكثر حاجة للدعم وللتثقيف؟

وهل سيصبح الشرق ، والذي أثبت سرعة استجابته وتعامله مع المرض من أمثال كوريا الجنوبية وسنغافورة وحتى الصين مصدّرة الوباء، المرجع العالمي الجديد عوضاً عن بلاد الرجل الأبيض التي ألّهها البعض لسنوات؟

هل ستنتهي ” كذبة ” العولمة كما روّج لها على امتداد عقود؟ وهل تلجأ الشعوب منذ اليوم للاحتماء بحكوماتها المحلية متقوقعة على ذاتها في إقصاء متعمد لـ ” للغرباء” أم لعل هذا الفيروس يسهم بطريقته المتفرّدة في مدّ جسور تعاون دولي حقيقي المرة بين التجمعات الانسانية كل في مكانها؟

هل سنشعر بالاطمئنان في منازلنا بعد اليوم أم سيمنح فيروس الكورونا الحكومات صلاحيات أوسع لمراقبة تفاصيل حياتنا بحجة رصد الوباء وتعقبه؟

هل ستغدو شاشات أجهزتنا “الذكية” نوافذنا الوحيدة على العالم؟ وإن كان هذا ما سيحدث فكم ستتسع المسافات بين من يملك التقنية ومن لايملكها؟ بين من يتحكم في الفضاء الافتراضي ومن يستهلكه كدرب التواصل الوحيد مع الآخر؟

هل ستصبح المتع الحياتية السابقة كارتياد الشواطئ والاحتفال في الهواء الطلق وممارسة الرياضة في النوادي الصحية وإقامة حفلات الشواء العائلية طقساَ موسمياً يستوجب الحذر؟

أعبئ سلةّ المشتريات بما لم تختطفه الأيدي بعد، وأفكرّ كم تقلّصت الأماني في ليلة وضحاها..وإذ أستمع من مسافة لحوارات مقتضبة بين وجوه تغلّفها الكمّامات، أسأل نفسي من جديد إن كناّ بحاجة لهذا القدر من البعد، ومن الذعر لنقدر قيمة ” الاعتيادي” .

يقول آلان باديو، الفيلسوف والمفكرّ الفرنسي أن أكبر تحد يمثله الوباء هو تبديد النشاط الجوهري للعقل، وإجبار الأشخاص على العودة إلى تلك الآثار الحزينة للتصرف الإنساني المعهود في العصور الوسطى حين اجتاح الطاعون الأرض، يجد البشر أنفسهم يلجأون إلى التصوف تارة والصلاة تارة، إلى السعي وراء النبوات والتخريف واعتناق النظريات القائلة أن ما يصيبنا لعنة سماوية.

أفكرّ في هذا وأنا أتصفحّ من جديد منشورات العائلة والأصدقاء والزملاء حول ما يجري في العالم، قلة منها يحوي حقائق ومعلومات، وتتأرجح غالبيتها بين الدعوة إلى التوبة والعودة إلى الله أو الإفراط في تأليه كيانات ، أفرادا كانوا أم مؤسسات ، أهو الذعر ما يستثير هذا الكم من التوجه العامودي نحو هذا الآخر “المنقذ” أم لعله تعطلّ النشاط العقلي الغريزية كما يقول باديو؟

إجابات؟
لا أملك الكثير منها بعد، يقين واحد لا يمكن زعزعته أورثتني إياه أيام الحجر الطويل، وإقامة جبرية لم أعتد عليها : يمكننا الاستغناء بحقّ عما اعتقدنا كثيراً أنه ضرورة حياة، وحدها الوجوه التي ظلّت تطلً برؤوسها في عمق الذاكرة ليل نهار هي اكسير وجودنا الفردي، ولكل مجرّته الخاصة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.