الإبداع العربي والإنقسامات السياسية / علي فريحات

 

علي فريحات  ( الأردن ) الثلاثاء 13/10/2015 م …

تزهر البلدان العربية بألاف المبدعين والمفكرين والمثقفين بأختلاف اتجاهاتهم واطيافهم ومللهم ونحلهم، يرقى العديد منهم الى مصاف متقدم من مبدعي العالم وبأنواع شتى من المعرفة الفكرية. ويشكل نتاجهم المعرفي مخزوناً ثقافياً لا يستهان به في سياق التطور المعرفي المعاصر. الا أن المأساة في قضية الابداع العربي هي الانقسامات السياسية والايدلوجية التي طحنت الكثير من ابداعاتهم في ثنايا الصراعات والولاءات التي شهدتها البلدان العربية ذات النظم الشمولية وبخاصة في العقود الخمسة الماضية من القرن المنصرم، ولا زالت عجلتها تسحق المتبقي منه. رغم ان البعض منهم ذو الحظوة استطاع ان يحقق النجومية ليس بسبب ابداعه وحسب وانما اتقانه صناعة ثقافة التملق ومسح الجوخ لهذا المسؤول او ذاك المتنفذ، حتى اضحت اسمائهم تطالعنا كل يوم على صفحات الصحف اليومية او اللقاءات على الفضائيات العربية المحسوبة على امبراطوريات الاعلام من أصحاب الجاه والنعمة. اما المثقف والمبدع غير المحسوب على هذه الطائفة او تلك المله السياسية يعاني الاهمال والتهميش رغم غزارة نتاجه وابداعه الفكري الثقافي الذي ساقه بجهده ووقته وماله. يدفعني للكتابة في هذا المضمار هدفاً لنقل الواقع في حدوده الواقعة، لأن الثقافة تتجاوز حدود الواقع الأليف باليقين النفسي لأن من يعاني الأشياء، ليس كمن يفهمها ويقررها. ان الصوت الداخلي الذي يعاني منه المثقفون المسحوقين هو أقوى من أصوات الهدير في الخارج، لأنه صوت مطلق، مبرم، لا يركد ولا يستكين وعالم النفس أقوى من عالم الطبيعة واذا كان العقل يوازن بينهما في برودته وبلادته، فان الانفعال يعرو هذه الموازنة بالاختلال ويطلق عنان النفس المكبوتة، المهزومة بين جدران الحس واعتدال العقل، بل انه صوت موتور مرتبط بأزمة النفس التي تعاني معاناة الوجود. ومن ثم اليس الثقافة التي ينتجها الفكر الانساني النير هي ملك مشترك لكل البشرية، فاذا كان فيصل المثقف المستقل هي الثقافة لخدمة الكل وللجميع وغير مخصصة لحاكم او حزباً. فاذاً فان فكرهم وابداعهم معنى من قبل الجميع. فهم أحق بالرعاية والاهتمام من لدن مؤسساتنا واحزابنا ومنظماتنا الديمقراطية ما دمنا قد ياسنا من حكامنا فلهم مثقفون ومبدعون يكرسون كل وقتهم لتجميل سياسة الحاكم ليعيشوا في نعيم دنياهم وهم مأزموا الضمير والاخلاق. نعم اني اقصد هؤلاء المثقفون الذين يسخرون كل وقتهم وجهدهم من أجل ابداع فكر يخدم الانسانية فهم يمثلون جزء من ضمير وتاريخ شعوبهم، مقمعون في بلدانهم او مهاجرون منفيون في بقاع العالم. تحديداً ذلك الطيف الذي اهتم بعلوم المعرفة العلمية، بعيداً عن الفهم القاصر بأن المثقف هو فقط الاديب او الشاعر او الفنان برغم من اهمية هذا الحقل الانساني الذي يتعامل مع المكانيين البشرية. فهذا الطيف الثقافي من المبدعين والمفكرين عانوا صعوبة الحياة وشظف العيش ومرارة الغربة وألم الا ابلاه فأنه من سخرية القدر والتاريخ يكون كل ما حول هؤلاء مدعاة للتنصل وعدم الوفاء. لعل الذي تلمسته وعشته وسط العديد من هؤلاء في رحلة الاسفار والاغتراب الطويلة التي بلغت عقدين ونيف من الزمن جعلتني احاول ترتيب محطات ذاكرتي والتقاط العديد من الاحداث المؤلمة التي حلت بالعديد من المبدعين في ديار الغربة حتى البعض منهم غادرنا ولم نجد سبيلاً لدفنه بجمع المال اللازم لذلك، وهو يملك خزيناً هائلاً من المؤلفات والابحاث العلمية مكدسة في العديد من المكتبات العربية والبعض منها لم يجد طريقة للنشر. بعد كل هذا هل يبقى الاهمال والتنصل حادثاً عادياُ يومياً روتينياً، هادئاً وعاصفاً، مثل الغربة والمنفى وتعاقب الفصول وجريان دجلة والفرات؟!….. ولكن ان يقيني مؤكداً بطلوع الفجر والنصر والحق وبرعاية وطن حر ديمقراطي.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.